قالت صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الأسبوعية في عددها الصادر اليوم الأحد، إن أوكرانيا تعد كابوس الرئيس الأمريكي جو بايدن للأسباب التالية:
1- يبلغ جو بايدن من العمر 79 عاما. عاش الحرب الباردة عندما كان شاباً وشارك في السلطة في السنوات التي أعقبت سقوط الشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفياتي. يعرف بالضبط ما هو ميثاق باريس الذي وقّعته دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بما في ذلك روسيا، في عام 1990، والذي يفرض على الموقّعين الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة”.
كما أنه يعرف ما يغطيه بروتوكول بودابست، الموقّع تحت رئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1993، والذي يسمح لأوكرانيا، مقابل إعادة الأسلحة النووية الموجودة على أراضيها إلى روسيا، بالحصول على استقلالها وسلامتها الإقليمية. وحين كان جو بايدن نائباً للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كانت أحداث ميدان في كييف عام 2013 التي سبقت ضم شبه جزيرة القرم وانفصال المؤيدين لروسيا في دونباس في طليعة اهتمامات الإدارة الأمريكية. بالنسبة للرئيس الأمريكي الحالي، فإن حديث فلاديمير بوتين مرة أخرى عن منطقة نفوذ واستعادة القوة الروسية على أبوابها ، يشكل خطرا حقيقيا.
2- يعد جو بايدن أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييدا لأوروبا. فرغم تأييده لتوجه باراك أوباما نحو آسيا، لكنه يأمل بشدة أن تجد أوروبا الوسائل السياسية والعسكرية لضمان أمنها بشكل أفضل حتى تتمكن من السماح لأمريكا بالعناية بالمنطقة ذات الأولوية بالنسبة لها والتي أصبحت اليوم آسيا وخاصة بحر الصين. لكنه يدرك في الوقت نفسه، أنه في انتظار رؤية الاتحاد الأوروبي أكثر “نضجا” على حد تعبير ويندي شيرمان، يظل الناتو أفضل أداة لثني روسيا عن دفع بيادقها إلى أبعد من ذلك.
3- يريد جو بايدن أن يكون مناهضاً لسلفه ترامب الذي حاول إغراق حملته من خلال محاولة إثارة فضيحة حول ابنه هانتر، وهو الوقت الذي عيّنته شركة أوكرانية، من أجل إثارة اتهامات بتضارب المصالح والفساد.
من ناحية أخرى، هدد بايدن عندما كان نائباً للرئيس، بوقف المساعدات لأوكرانيا لإجبار السلطات في ذلك الوقت على تعيين مدعٍ عام لمكافحة الفساد يوجه انتقادات شديدة إلى الأوليغارشية. في الوقت نفسه، أظهرت التحقيقات القضائية والبرلمانية أن العديد من المقربين من ترامب، بمن فيهم محاميه رودولف جولياني، استفادوا إلى حد كبير من الصفقات المشكوك فيها مع الشركات الأوكرانية.
بعد أن أصبح رئيسا، يعرف جو بايدن جيدا أن أوكرانيا لن تتخلص من الفساد بين عشية وضحاها، والذي يشمل جزءٌ منه الأوليغارشية الموالية لروسيا أو المقربين من الكرملين. فهو يعلم أن أوكرانيا لا يمكنها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو أيضا. لكنه لا يريد تحت أي ذريعة، أن تكون قوة خارجية هي من تحرمها من هذا المستقبل.
4- يؤمن جو بايدن (ربما أكثر من اللازم) بالدبلوماسية، حيث إنه غير مقتنع بأن قوة السلاح يمكن أن تحل كل شيء. في أفغانستان، غالبا ما فضّل استخدام الطائرات بدون طيار والمناقشات مع الجهات الفاعلة المحلية لإرسال القوات إلى معارك مكلفة بقدر ما كانت غير مجدية. في العراق، صوّت للغزو الذي قرره جورج دبليو بوش قبل أن يدرك هذا الخطأ.
مع بوتين، يعتقد بايدن أنه يستطيع التفاوض. لا على الإملاءات المفروضة عليه. ولكن بناء على مقترحاته، فإن العودة إلى مناقشات نزع السلاح الاستراتيجية والتقليدية، والمزيد من الشفافية في التدريبات العسكرية، والحوار والتعاون.
5- جو بايدن كاثوليكي.. أوكرانيا هي موطن لأربعة ملايين كاثوليكي من أصل 25 مليون نسمة، الغالبية العظمى من الأرثوذكس. ذكريات ما فعلته الكنيسة لمساعدة الكاثوليك في البلدان الشرقية على محاربة الشيوعية، وخاصة في بولندا، ما تزال على حالها في ذاكرة جو بايدن. بالنسبة له، فإن تحالف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مع الكرملين، هو جزء من إرادة الهيمنة التي يجب مقاومتها. يمكنه أيضا مع البابا فرانسيس المتناغم معه، رفع مستوى الدبلوماسية، وهي أفضل طريقة لتجنب الأسوأ.
6- جو بايدن في مأزق في سياسي داخلي، حيث هناك معارضة داخل حزبه لإصلاحاته في الاستثمار الاجتماعي والبيئي وضمان حق التصويت. وتزداد التقديرات والتوقعات لانتخابات التجديد النصفي في الثامن من نوفمبر المقبل سوءا كل يوم. هذا يعني أنه في حالة فوز الجمهوريين، مع وجود كونغرس سيكون معاديا له الآن، لن يكون أمام بايدن خيار سوى الاستثمار في المنطقة الوحيدة التي ما يزال يتمتع فيها بالحكم الذاتي، ألا وهي السياسة الخارجية. مما يجعل كل من الاختبارات الجيوسياسية المفروضة عليه أو التي يختارها اختبارا إضافيا للمصداقية.
7- على جو بايدن أن يفكر أيضا في تأثير الأزمة الأوكرانية على علاقاته مع الصين، التي يُعدّ كبح عن رغبتها في فرض نفسها اقتصاديا وتجاريا وسياسيا كنموذج بديل، يظل أولوية إدارة بايدن.
بعبارة أخرى، إذا كان بايدن سيتنازل أو تراجع أمام بوتين في أوروبا، فما عواقب ذلك على الاستراتيجية الأمريكية في آسيا؟ وما هي الثقة التي تُمنح لدول الآسيان التي تشعر بأنها مهددة من قبل بكين؟ ما هي العواقب أيضا على تايوان؟ ألن تشعر الصين بأنها أكثر جرأة في حال ترك بايدن حلفاءه الأوروبيين يتحملون بمفردهم أو نصف مسؤولياتهم حيال كييف. بالمقابل، إذا كان جو بايدن يعتقد أن المواجهة مع بوتين تجبره على أن تكون أولوية اللحظة، فكيف لا تكون هناك خشية من أن تستغل الصين ذلك لدفع ميزتها التكتيكية بينما القوة المنافسة الكبرى مشغولة في مكان آخر؟
نقطة أخيرة: هناك مصادر سياسية ودبلوماسية متعددة في باريس وكييف وبروكسل وواشنطن، تلمح أو تتكهن بأن الروس لن يغزوا أوكرانيا قبل نهاية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين. لماذا ا؟ حتى لا تسيء إلى بكين، التي قد ترى أضواء كاشفة تبتعد عن منحدرات التزلج الثلجية في الألعاب الأولمبية للتركيز على سهول دونباس الجليدية ومنطقة ماريوبول.
ففي عام 2008، انزعجت السلطات الصينية من قيام بوتين بمهاجمة جورجيا خلال الألعاب الصيفية. وبالتالي فإن هذا الأمر يعد عنصراً يجب أخذه في الاعتبار. فكم من الوقت سيستغرق بوتين لوضع اللمسات الأخيرة على خطط هجومه إذا كانت هذه هي نيته؟ وكم من الوقت سيستغرقه الأوروبيون وجو بايدن للتحدث معه للخروج دون إراقة دماء، حتى في حالة “التوغل البسيط”. نحن في هذه المرحلة.
القدس العربي