عالم ما بعد أوكرانيا.. “نووي” للجميع وإيران الرابح الأكبر

عالم ما بعد أوكرانيا.. “نووي” للجميع وإيران الرابح الأكبر

في العام 1991 عندما أعلنت أوكرانيا عن الاستقلال، كان فيها مخزون السلاح النووي الثالث من حيث حجمه في العالم، 1960 رأساً نووياً متفجراً و176 صاروخاً عابراً للقارات، وبقيت هذه الترسانة فيها حتى بعد تفكك الكتلة السوفييتية.

في العام 1993 نشر البروفيسور جون ميرسهايمر من جامعة شيكاغو، مقالاً حذر فيه من أنه إذا تم تجريد أوكرانيا من السلاح النووي، فمن المتوقع آجلاً أم عاجلاً أن تتعرض لهجوم روسي. قلائل انتبهوا لذلك.

في العام 1994 قررت أوكرانيا التخلي عن السلاح النووي هذا، والانضمام لميثاق منع انتشار السلاح النووي. في المقابل، وقعت روسيا وأمريكا وبريطانيا على “مذكرة بودابست”، وتعهد احتفالي لهذه الدول العظمى الثلاث “باحترام استقلال وحدود أوكرانيا، وتجنب تهديدات واستخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية للمس بسيادتها وسلامتها الجغرافية أو استقلالها السياسي”، تعهدات توتنهام. وفي شباط 2014 غزا بوتين شبه جزيرة القرم. وفي شباط 2022 غزا أوكرانيا. يمكن الافتراض بأن بوتين، في صباح الغزو، مسح مؤخرته بأوراق “مذكرة بودابست”. ومن المرجح أن الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة البريطانية قد تصرفا مثله.

لماذا لم يشنوا الحرب فوراً؟ لأنهم لا يسارعون إلى شن حرب ضد شخص مارق له أوهام قيصرية وعيون تشبه عيون سمكة ميتة، الذي يلوح بترسانته النووية بدون توقف.

الحرب ستستمر بهذا، وليس واضحاً ما ستؤول إليه. ولكن من الواضح أن ما كسب منها بأكبر قدر حتى الآن، هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كيف؟ الأمر كالتالي: بوتين وبايدن ومن يحركون القدر خلقوا معاً سيناريوهات لا يمكن لإيران إلا أن تحلم بها: سفاح نووي ينكل بدولة تجردت من السلاح النووي بعد إيمانها وبسذاجة بالتعهدات الاحتفالية التي باعتها إياها ثلاث دول نووية، والآن تجلس هذه القوى الكاذبة في فيينا وتطلب من إيران وقف جهودها لتصبح دولة نووية.

في البعثة الإيرانية سيضحكون ويقولون: “تريدون أن نصبح أوكرانيا. تريدون أن نتجرد من جهودنا لنصبح عضواً في ناديكم، وفي المقابل تعدونا بالتصرف معنا بصورة جيدة، أليس هذا صحيحاً؟ أضحكتمونا. لقد تعلمنا في هذا الأسبوع ما الذي تساوونه أنتم وتعهداتكم، وماذا سيحدث للدول غير النووية”.

هم على حق، وهذا ما أثبته مصير سوريا والعراق وفيتنام والكويت وغيرها من الدول غير النووية. وفي المقابل، روسيا وأمريكا والهند وكوريا الشمالية والباكستان ودولة أخرى صغيرة ومخفية والنووية حتى قمة رأسها، لم تسقط أي شعرة من رأسها رغم قذارتها.

في عالم ساخر ومتراخ، يبدو أن لا وجود لدفاع أفضل عن الأشرار والقتلة من بضع قنابل في الخزانة، فبفضلها فقط سيحصلون على حرية أن يكونوا أشراراً. لا شك بأن إيران فهمت الدرس، ولا ريب في أنها ستستخدمه بشكل فعال.

ذات مرة، قبل بضع سنوات، كان العالم يحلم “بتوازن رعب” نووي يحافظ على السلام العالمي. ولكن تبين أن هذا هراء ساذج (أو ساخر). ربما حان الوقت لفحص حلم جديد وغض وأكثر سخرية. مثلاً، سلاح نووي للجميع، من لوكسمبورغ وحتى كندا، من سان مارينو وحتى الكونغو، من فلسطين وحتى البرازيل، يجب أن تكون للجميع قنبلة نووية، كي يعرف الجميع بأنه لا يجدر لأحد أن يتعرض لغيره.

إذا لم يجلب ذلك السلام للشعوب، فعندها يكون قد حان الوقت لإخلاء هذا الكوكب. وبين هذا وذاك، يبدو أن الخالق قد سئم منا، وقد أصبح بالإمكان شم رائحة غضبه.

بقلمب. ميخائيل

القدس العربي