القضية الفلسطينية استراتيجية تسويق جديدة لتنظيم الدولة الإسلامية

القضية الفلسطينية استراتيجية تسويق جديدة لتنظيم الدولة الإسلامية

_65141_pal3

تشهد الأراضي الفلسطينية، منذ مطلع أكتوبر الجاري، مواجهات بين الشباب الفلسطيني وقوات إسرائيلية، اندلعت بسبب إصرار مستوطنين يهود على مواصلة اقتحام ساحات المسجد الأقصى، تحت حراسة قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية. لكن، وخلافا للمواجهات وموجات التوتّر السابقة التي وقعت بين الفلسطنيين والاحتلال الإسرائيلي، اصطبغت المواجهات الراهنة بالأحداث الإقليمية المحيطة، وخصوصا محاولات تنظيم الدولة الإسلامية الركوب على موجة الأحداث لتحقيق مزيد من التقدم داخل الأراضي المحتلّة، خاصة وأنه سبق وحقق بعض التواجد مستغلا الغضب الشعبي من حركة حماس والخلافات بينها وبين المجموعات السلفيّة الجهاديّة في غزّة.

ويكشف تقرير لمركز ستراتفور الأميركي للدراسات الأمنية والاستراتيجية أن تنظيم داعش انضمّ إلى قائمة الجهات التي تستغلّ الغليان الشعبي في فلسطين، والقدس فيها بشكل خاص، لتحقيق أهداف خاصة بها، مرجّحا تكثيفه لدعمه المزعوم للشعب الفلسطيني؛ الأمر الذي أثار استنفارا لدى مختلف الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في جميع أنحاء العالم لتستعدّ لتداعيات ذلك.

جاء هذا الاستنفار، الأسبوع الماضي، حين أصدر تنظيم داعش شريطا مصورا باللغة العبرية، يشيد فيه بالموجة الأخيرة من الهجمات الفلسطينية ضد المستوطنين في إسرائيل. وسوّق التنظيم لنفسه كحليف للجانب الفلسطيني وحث الفلسطينيين على شنّ مزيد من الهجمات، بل ووعد أنه “لن يترك يهوديا في القدس”. وحذّر مركز ستراتفور من أن الشريط، الذي تم نشره في ظل تصاعد التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يهدد بتصاعد موجة أعمال العنف.

عناصر من جماعة النازيين الجدد اليونانية تخرب مقبرة يهودية رئيسية في أثينا واعدة بإلحاق المزيد من الضرر في المستقبل

انتفاضة السكاكين

في الماضي، كان يعقب اندلاع أي موجة عنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، استهداف لمصالح يهودية في أي مكان في العالم؛ ونادرا ما يتم التهديد العلني بإجراء هذا الهجوم أو ذلك، حيث يتم التخطيط له وتنفيذه بسرية؛ ولا يعرف به إلا عند تنفيذه. وكان المتعاطفون مع القضية الفلسطينية يتّبعون في هجومهم أسلوب الذئاب المنفردة، وبدورهم يرّد اليهود المتطرفون بهجمات انتقامية منفردة أيضا. لكن، هذه المرة جاءت التهديدات مباشرة لتسلّط ضعوطا إضافية على ملف القضية الفلسطينية. ويتوقّع الخبراء في مركز ستراتفور أن يرتفع عدد هجمات الذئاب المنفردة ضد أهداف يهودية خارج إسرائيل في الأسابيع المقبلة على ضوء هذه التهديدات.

وأطلق الخبراء على المواجهات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية وصف “انتفاضة السكاكين”، حيث تم تسجيل عدد هام من حالات الطعن التي تعرّض لها إسرائيليون على يد شباب فلسطينيين غاضبين، خلال شهر أكتوبر الجاري، مما جعل السلطات الإسرائيلية في حالة تأهب قصوى. واعتمدت المواجهات التي أطلق عليها الفلسطينيون “انتفاضة الشباب” على خطط معينة – هجمات الذئاب المنفردة باستخدام الأسلحة الحادة- والتي تم الترويج لها بشكل مكثف في صفوف الشباب. ومثلت شبكات التواصل الاجتماعي خاصة تويتر وفيسبوك باستخدام هاشتاغ مثل #اطعن_يهودي و#انتفاضة_السكاكين، منصات اتصال رئيسية وتجنيد في صفوف المهاجمين الفلسطينيين.

واستغل تنظيم الدولة الإسلامية الفرصة للترويج لدعايته ضد الإسرائيليين، وهي من المناسبات النادرة التي حشر فيها التنظيم نفسه في الشأن الفلسطيني. وفي هذا السياق، أنتج تنظيم داعش ستة أشرطة فيديو يشيد فيها بالهجمات الفلسطينية ضد المستوطنين في إسرائيل، ويحث الفلسطينيين على مواصلة القتال.

وأبرز هذه الأشرطة وأكثرها تداولا في المواقع الإسرائيلية، مقطع فيديو يظهر أحد عناصر داعش الملثمين، بزي عسكري مختلف عن الذي يظهر به عناصر التنظيم في الأشرطة المصورة الأخرى، وهو يكيل الوعيد للإسرائيليين بالذبح. واللافت في الأمر أنه للمرة الأولى ينشر داعش مقطعا باللغة العبرية.

وبطلاقة واضحة جدا قال هذا الملثم وهو يحمل بندقية كلاشينكوف إن “حدود سايكس بيكو التي تحمي إسرائيل ستزول مثلما تمت إزالتها في سوريا والعراق”. وهدد إسرائيل بأن “الحساب قريب” معهم وسيصلهم التنظيم من كافة الجهات.

منذ بث هذه الأشرطة، وقعت عدة هجمات في مختلف مناطق العالم؛ ففي يوم 18 أكتوبر الجاري، استهدف عدد من المخرّبين المقابر اليهودية في النمسا وجمهورية التشيك. وفي اليوم الموالي، دعا متظاهرون في مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في مالمو، بالسويد، إلى قتل اليهود وتنفيذ مزيد من عمليات الطعن ضد عناصر من قوات الدفاع الإسرائيلية. بعد ذلك، في الحادي والعشرين من أكتوبر، خرّبت عناصر من جماعة “النازيين الجدد” اليونانية مقبرة يهودية رئيسية في أثينا، ورسموا الصليب المعقوف واعدين بإلحاق المزيد من الضرر في المستقبل.

خلال الأسبوع الماضي، أصبحت الهجمات أكثر عنفا؛ من ذلك أن شابا في العشرينات من عمره هاجم، يوم 22 أكتوبر، إحدى المدارس في ترولهاتان، بالسويد، حاملا سيفا، ومرتديا قبعة محارب وقناع النازية، وبدأ في طعن كل من يعترضه، مما أسفر عن مقتل مدرّس وطالب، قبل أن تتدخل الشرطة وتقتله. ثم، بعد ذلك بيومين، طعن مهاجم آخر حاخاما واثنين من المصلّين اليهود في كنيس في مرسيليا، بفرنسا.

بما أن الاعتداءات ضد أهداف يهودية ارتفعت فإن التهديد بهجمات انتقامية من جانب اليهود سيرتفع أيضا

الأثر العالمي للصراع المحلي

تاريخيا، تصاعد التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليمتد مرارا وتكرارا خارج حدود منطقة الصراع. والتصعيد الحالي، وفق خبراء ستراتفور، ليس استثناء، ومع التركيز على نطاق واسع على السكين كسلاح، يبدو أنه من الصعب على الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء العالم اكتشاف ومنع التهديد المتزايد ضد الأهداف اليهودية؛ ومن شأن حوادث الطعن أن تعيد تشكيل توجهات الرأي وأيضا صياغة خطط دفاعية جديدة.

من الناحية التكتيكية، من المؤكد أن هناك نجاعة في اعتماد الهجوم بالسكين، حيث أنه من السهل الحصول على السكاكين وإخفائها. ودون تدريب قد يكون من الصعب نزع السكين من يد المهاجم. ومن غير المثير للدهشة أن يتم قتل أغلب المهاجمين قبل أن يتم اعتقالهم. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب تحديد المهاجمين المحتملين قبل الطعن تحليلا تكتيكيا وذكاء بشريا، وهو ما يسبب الإجهاد للأجهزة الأمنية.

غالبا ما تكون المناطق الرئيسية الكبرى، مثل مدينة نيويورك، أكثر قدرة على التعامل مع هذا النوع من التهديد مقارنة بغيرها من المدن، أما المدن الصغيرة فقد تكون أضعف من ناحية التمويل. في الكثير من الولايات الأميركية، يقع عبء توفير الحماية على عاتق الأجهزة الأمنية الاتحادية مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، وفرق العمل المشتركة، والتي غالبا ما تستجيب للعديد من المطالب المختلفة من خلال إعطائها الوقت والاهتمام.

خلال العام الماضي، وفي هجوم بالسكين ضد كنيس يهودي في بروكلين، كان المعتدي، كالفن بيترز، معروفا لدى الدوائر القانونية بأن له تاريخا من السلوك الإجرامي. وقد قام بسلوك مريب في الكنيس وتم اصطحابه إلى الخارج قبل 90 دقيقة من تنفيذه للهجوم.

ورغم نجاحه في طعن طالب عند عودته مجددا إلى الكنيس اليهودي، إلا أنه من الواضح أنه كان معرضا لكشف أمره قبل وقوع الهجوم. وبالتالي، يمكن للموظفين المدربين على المراقبة المضادة أن يتابعوا سلوك المهاجمين قبل تنفيذهم عمالياتهم.

ومع ذلك، حتى أفضل الخدمات الأمنية لا يمكنها أن تمنع هجمات الذئاب المنفردة. وهناك ببساطة الكثير من المهاجمين الذين من المحتمل أن يكونوا عرضة للتقصي حولهم، كما أن هناك الكثير من الأهداف التي من المحتمل أن يتم حراستها. لذلك، كلما تصاعدت حدة التوترات في الأراضي الفلسطينية، ازدادت فرص الذئاب المنفردة في تجاوز عمليات الوقاية الاستخباراتية. وبما أن الاعتداءات ضد أهداف يهودية ارتفعت، فإن التهديد بشن هجمات انتقامية من جانب المتطرفين اليهود سوف يرتفع بالمثل.

صحيفة العرب اللندنية