لماذا أصبحت أوكرانيا جزءا من صراع القوى العظمى؟

لماذا أصبحت أوكرانيا جزءا من صراع القوى العظمى؟

أشار الكاتب التركي أورهان بورصلي في مقال له في صحيفة “جمهورييت” إلى أن أوكرانيا كانت تعد للحرب مع روسيا منذ فترة طويلة، خاصة بعد ضم الأخيرة شبه جزيرة القرم، وعززت أوكرانيا بشكل كبير استعداداتها العسكرية ضد الروس. ومنذ العام 2014، درب الأميركيون القوات المسلحة الأوكرانية على يد خبراء أميركيين خاصين في “مركز التدريب القتالي” بالقرب من مدينة لفيف، غير البعيدة عن بولندا، وقدموا معدات عسكرية تزيد قيمتها عن 3 مليارات دولار. وأوضح الأميركيون أن التدريب الذي قدموه للطيارين المقاتلين الأوكرانيين كان جيدا أيضا.
وذكر الكاتب في مقاله بقصة تروي كيف طاردت مجموعات القناصة الأوكرانية القوات الانفصالية واحدة تلو الأخرى في دونيتسك. كما ذكر أنه من الطبيعي أن أوكرانيا تشتري الطائرات من دون طيار من تركيا، ولا شك أنها قد تستورد القناصين أيضا، وأشار إلى أن من المعلوم أنه ليست هناك إدانة يمكن أن توجه إلى دولة ما لمحاولة استغلال كل فرصة للاستعداد للحرب!
وقال بورصلي إن ما يعنيه هو الإشارة إلى أن الغرب وأوكرانيا كانا يستعدان منذ سنوات لاحتمال وقوع مثل هذا الهجوم الروسي، ولذلك لم يكن الهجوم مفاجئا لهم. كان حدوث الغزو على الأقل احتمالا قويا. وفي الواقع، لم تقبل أوكرانيا التطورات الانفصالية في دونيتسك ولوهانسك والاتفاقيتين اللتين شارك في إبرامهما الغربيون، مرة أخرى في العامين 2014 و2015.
وأكد الكاتب على أن من الطبيعي جدًا أن بوتين يريد إبقاء هاتين “الجمهوريتين”، اللتين يعتبرهما جزءا من أراضيه الخاصة وتحظيان بدعم روسيا، تابعتين له. ووصف ذلك بأنه حالة غير عادية. وتساءل لماذا سمح حكام أوكرانيا بأن يصبح ساحة معركة لصراع كبير بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة حول “أي معسكر يجب أن يكون فيه”؟ هل من المقبول لدى السياسيين أن بلدهم ينهار؟ ألا يستطيع شعب بلد ما أن يقرر “في أي معسكر” سيعيشون بإرادتهم الحرة، ولا يستطيعون اختيار حكامهم وفقًا لذلك؟
وقال الكاتب أن الأمة أظهرت إرادتها بنسبة 40-60 في المائة في الانتخابات واختارت حكامها. وأضاف أنه من خلال تحليل اللعبة الكبيرة بين حلف الناتو وروسيا بشأن أوكرانيا جيدًا، ومن خلال النظر في نزاهة واستقلال البلاد، مع مراعاة جميع المواطنين الذين اختاروا أو لم يختاروا بأنفسهم بحس سليم لبلدهم وأمتهم، بغض النظر عن إرادة أغلبية الناخبين فيما يتعلق بوجود مستقبل بلدانهم، والإداريين المنتخبين، ألا يتحمل بذلك مسؤولية اتخاذ “القرار الأفضل”، مع مراعاة ذلك؟ وإذن، هل من غير المنطقي توقع ذلك من المسؤولين؟
ولفت إلى أن أوكرانيا واجهت مثل هذا السؤال قبل العام 2014، وإنه بالطبع هو ما أوصل البلد إلى الوضع الحالي، مع الاضطرابات الكبيرة في 2004-2005، المسماة “الثورة البرتقالية”. والثورة البرتقالية هو اسم التظاهرات الكبيرة التي قام بها القوميون الأوكرانيون بدعم من الغرب، واستهدفت روسيا وسعت إلى الاتحاد مع الغرب. وكان الفائز هو الرئيس يوشينكو، وفي الانتخابات التالية، تراجعت شعبيته إلى الحضيض.
كما نوه الكاتب إلى أن أوكرانيا بلد لم يهدأ أبدًا بعد العام 2005 وما يزال مفتتًا داخليًا، وأن أكبر مشاكله هي “الانقسام الداخلي” للبلاد، حيث يجري خوض حرب بين الشرق والغرب. ولذلك فإن القادة السياسيين الذين يفاضلون بين البقاء تحت هيمنة الشرق أو الغرب يجعلون البلاد في أسوأ حال. وذكر الكاتب أنه بعد انتهاء “الثورة البرتقالية” في العام 2005 تقدمت أوكرانيا على الفور بطلب للحصول على عضوية حلف الناتو.
وقال بورصلي إنه منذ ذلك الحين، نشأت التوترات بين روسيا وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي. وقد ناقش الناتو عضوية أوكرانيا في العام 2008، لكنه اختلق الأعذار لتعقيد انضمامها إلى عضويته بالنظر إلى معارضة روسيا في الغالب. ولم يكن الحلف راغباً في قبول هذه العضوية التي ستهدد السلام في أوروبا بسبب أوكرانيا. وبعد كل شيء، تم قبول جميع أعضاء حلف وارسو وأوروبا الشرقية السابقين في الناتو، وتركت عضوية أوكرانيا إلى ما وصف بأنه “الوقت المناسب”.
كان الناتو في الأصل منظمة تأسست ضد الاتحاد السوفياتي السابق (أو الشيوعية) مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الوضع لم يتغير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وهذه المرة، أصبح الناتو منظمة تعمل ضد روسيا، بل وطور نفسه أكثر. وبالنسبة للولايات المتحدة، كانت روسيا دولة يجب محاربتها والسيطرة عليها، سواء كان النظام فيها شيوعيا أو رأسماليا. وكان هذا نتيجة حتمية ميل الرأسمالية إلى توسيع سوق الهيمنة. كما كانت هناك اتفاقيات أمنية مختلفة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي والغرب، لكن “الهيكل الأمني” في أوروبا أصبح “غير واقعي” مع توسع الناتو بسرعة ضد روسيا. وخاصة مع عضوية أوكرانيا في الناتو، حيث ستأتي أسلحة الناتو ومدفعيته وصواريخه لتقف على الحدود الروسية.
وأكد بورصلي في مقاله أنه في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، قال الأمين العام لحلف الناتو، ستولتنبرغ: “قررت جميع الدول الأعضاء أن أوكرانيا يجب أن تنضم إلى الناتو”، ولم يتأخر رد فعل روسيا التي قالت أن القضية هي صراع قوى عظمى وأنها أبعد من مجرد زيلينسكي وأوكرانيا.
وختم الكاتب مقاله متوجهاً بالحديث إلى الرئيس زيلينسكي، قائلاً: سواء كنت ستحمي بلدك واستقلالك أو ستكون أداة لأحد الأطراف، فهل هذه هي السياسة”؟ وكتب متسائلا: “قد يكون زيلينسكي “بطلا” بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، ولكن هل هو كذلك بالنسبة لمصلحة بلاده”؟

الغد