قدمت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، أمس، مبادرة جديدة لتجاوز ما بات يعرف بـ«الانسداد السياسي» الذي عطل تشكيل الحكومة، بعد مرور أكثر من 6 أشهر على إجراء الانتخابات العامة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما نجم عنه من ضرب التوقيتات الدستورية المتعلقة بانتخاب رئيسَي الجمهورية والوزراء.
ورغم النقاط العديدة التي وردت في نص المبادرة، فإنها لم تخرج عن سياق المبادرات «الفاشلة» السابقة التي درجت على طرحها معظم شخصيات وقوى الإطار التي تتمسك وترتكز أساساً على حق «المكون الشيعي» في تسمية رئيس الوزراء باعتباره الأكبر سكانياً، وذلك يعني إرغام زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر على التحالف معها، وهو المبدأ الذي يرفضه منذ أشهر، ويفضل التحالف مع تحالف «السيادة» السني، والحزب «الديمقراطي الكردستاني» في إطار تحالف وطني وليس مكوناتي. والمرجح أنه سيرفض المبادرة الإطارية الجديدة.
وباستثناء مقترح أن يقدم النواب المستقلين «مرشحاً تتوفر فيه الكفاءة والنزاهة والمقبولية والحيادية وجميع المؤهلات المطلوبة» الذي ورد في المبادرة، لم تأتِ قوى الإطار بأي جديد؛ علماً بأن بعض النواب المستقلين المحسوبين على حراك أكتوبر 2019 يتقاطعون مع معظم قوى الإطار، ويتهمون بعض فصائله بالضلوع في قتل واختطاف الناشطين ومعاداة جماعات الحراك.
وحتى مع رمي الشباك إلى المستقلين (ينتمي معظمهم إلى المكون الشيعي) وهم ينحدرون من اتجاهات مختلفة وغير موحدين تماماً، أبقت المبادرة على سيطرة القوى الشيعية على منصب رئاسة الوزراء. ويرى بعض المراقبين أن الهدف من وراء ذلك إحراج مقتدى الصدر وحرمانه من تشكيل الحكومة، باعتبار فوز تياره بأكبر عدد من المقاعد النيابية (73 مقعداً)، وتحميله مسؤولية تأخر تشكيل الحكومة، رغم أن قوى الإطار باتت تعرف محلياً بـ«قوى التعطيل» باعتبارها تملك الثلث المعطل الذي برز بعد 4 دورات نيابية بفتوى من المحكمة الاتحادية.
وبالعودة إلى مبادرة «فك الانسداد» الجديدة، فقد دعت جميع الأطراف للجلوس على طاولة الحوار، ومناقشة الحلول والمعالجات من دون شروط أو قيود مسبقة.
وفي حديثها عن موقع رئيس الجمهورية، حثت المبادرة «الأحزاب الكردستانية على بذل الجهود للتفاهم والاتفاق على مرشح يمتاز بهذه الصفات، وضمن السياقات المعمول بها». وفي هذه النقطة تسعى قوة «الإطار» إلى عودة الجميع إلى «الحضن المكوناتي» من خلال اتفاق جميع القوى الكردية على مرشح للموقع، وهي المعادلة التي شاعت منذ عام 2003، وحاول مقتدى الصدر كسرها في الدورة الأخيرة، عبر تحالفه من قوى سُنية وكردية.
وجدد الإطاريون «مراعاة حق الأكثرية (الشيعية)» فيما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء، وذكرت مبادرتهم أنه «يجب الحفاظ على حق المكون الأكبر مُجْتَمَعِيّاً من خلال كتل المكون الأكبر المتحالفة لتكوين الكتلة الأكثر عدداً، ومن ثم الاتفاق على ترشيح رئيس مجلس الوزراء القادم».
وقد عبرت الفقرة الخامسة من المبادرة أصدق تعبير عن فلسفة الإطاريين في الإبقاء على نظام «المحاصصة» المغلف بالحق المكوناتي؛ حيث شددوا على أن يتم «حسم موضوع الرئاسات الثلاث عبر تفاهم أبناء كل مكون فيما بينهم، والجميع يتعامل مع مفهوم الأغلبية الراغبة في المشاركة، وكذلك المعارضة الراغبة في المراقبة، على أن تمر جميع الرئاسات بمسار واحد».
وتحدثت المبادرة عن «تعهد الأغلبية الحاكمة بتوفير الغطاء الآمن للمعارضة النيابية، وتمكينها في مجلس النواب، وتعضيد دورها في مراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها إن ثبت تقصيرها، عن طريق رئاسة اللجان النيابية الفاعلة، ومنح الهيئات الرقابية للمعارضة وللشخصيات المستقلة ممن لم يشتركوا في تشكيل الحكومة»؛ لكنها أبقت الباب مفتوحاً أمام الجميع للالتحاق بالمعارضة أو الحكومة.
وقدمت المبادرة الجديدة مجموعة من التعهدات التي من بينها «التعهد بمراجعة جميع العقود والقروض والتعيينات في حكومة تسيير الأعمال اليومية، من تاريخ حل مجلس النواب إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة».
وكذلك «تعديل قانون الانتخابات حسب قرار المحكمة الاتحادية، والحفاظ على حقوق الأقليات وحمايتهم والحفاظ على مصالحهم، من خلال تكافؤ الفرص وحرية العقيدة، وغيرها من المواد التي نص عليها الدستور العراقي».
ومراعاة لمصالح حلفاء قوى «الإطار» من بعض القوى الكردية والسنية، تعهدت المبادرة بـ«تنظيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، بما يضمن حقوق الجميع وبشفافية عالية، وإعمار المناطق المحررة، وحل مشكلات النازحين، وإنشاء صندوق لدعم المحافظات الأكثر فقراً، وحسب المؤشرات الرسمية لوزارة التخطيط».
وفي اتفاق وتماهٍ مع مطالب مقتدى الصدر، تعهد الإطاريون برفض محاولات التطبيع ومنعها مع إسرائيل.
الشرق الاوسط