سؤال أطرحه على المسؤولين الأممين في مقر الأمم المتحدة باستمرار، ولا أملّ من طرحه، مع علمي أني لن أتلقى جوابا صريحا، بل كلاما غامضا يلف ويدور حول الموضوع، خشية أن يغضب هؤلاء ممثلي الكيان الصهيوني وممثلي الدولة الراعية له في الأمم المتحدة. السؤال هل يحق لإسرائيل أن تدافع عن احتلال غير شرعي، ولا يحق للفلسطينيين أن يقاوموا هذا الاحتلال غير الشرعي؟ بعض السفراء يعطي جوابا مخاتلا كاذبا، وبعضهم يتهرب بالحديث عن التعاطف مع الفلسطينيين، أما الأمين العام للأمم المتحدة فيتهرب من الإجابة بالتأكيد على موقف الأمم المتحدة من حل الدولتين، وعندما نسأله إذا بقيت هناك أي أرض تقام عليها الدولة الفلسطينية المستقلة المترابطة ذات السيادة والقابلة للحياة فيقول «مضطر أن أتمسك بحل الدولتين لأنه لا يوجد لدينا «الخطة ب» أو البديل.
الذي يحيرني هو تمسك القيادة الفلسطينية، أو ما تبقى منها، بحلول وهمية وهم يعرفون أنها وهمية وغير قابلة للتنفيذ، وأبعد ما تكون عن الواقع، مثل التمسك بالمفاوضات ومناشدة المجتمع الدولي وضرورة احترام مجلس الأمن لقراراته التي اعتمدها وعدم السماح لإسرائيل بالهروب من المساءلة، لذلك أريد في هذا المقال أن أطرح على القيادات الفلسطينية بتنويعاتها كافة خطاب التمسك بالمقاومة، من دون الخوف من تهمة الإرهاب أو العنف أو التطرف. فالقانون بجانبكم والحق معكم والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني لا مثيل له، لذلك نتمنى على كل من هو في موقع المسؤولية أن يعلن على الأشهاد أن المقاومة شرعية وأنها مدعومة نصا بالقوانين والقرارات الدولية.
شرعية النضال الفلسطيني
ننطلق من عدة مبادئ مثبتة في القانون الدولي، أولها حق تقرير المصير وعدم جواز ضم الأرض بالقوة وحق الشعوب الخاضعة للاستعمار والسيطرة الخارجية التخلص منه والتمتع بالاستقلال والحرية وممارسة حق تقرير المصير، من دون ضغط من الخارج. وقد ثبت هذا المبدأ في ما عرف بقرار الجمعية العامة «إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة» ويحمل رقم 1514- (د15) بتاريخ 14 ديسمبر 1960 وينص بكل وضوح في بنديه الثاني والثالث على: «لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي». «لا يجوز أبدا أن يتخذ نقص الاستعداد في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أوالتعليمي ذريعة لتأخير الاستقلال». ننطلق من القاعدة العامة هذه وننظر في خصوصيات الحالة الفلسطينية:
حق العودة: لا مجال للتأويل والفذلكة واللغة الغامضة حول حل عادل لقضية اللاجئين. فهناك نص صريح لا مجال لتأويله، يمنح الفلسطينيين الذي أخرجوا من ديارهم وممتلكاتهم ومزارعهم وبياراتهم أن يعودوا إليها نفسها، وليس إلى أراض بديلة عنها. وقد اعتمد قرار حق العودة 194 يوم 11 ديسمبر 1948 وينص في بنده الحادي عشر على أن الجمعية العامة: «تقرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة. وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات». وقد أكدت الجمعية العامة على هذا القرار 24 مرة، ولم يتم تحريف مضمون هذا القرار إلا بعد اتفاقيات أوسلو ومحاولات الكيان والولايات المتحدة إلغاءه على اعتبار أن هناك مفاوضات بين الطرفين، لكن تلك المحاولات لم تنجح.
شرعية المقاومة: اعتمدت الجمعية العامة عدة قرارات تشرعن نضال شعب ناميبيا ضد احتلال دولة الأبرتهايد جنوب افريقيا في سنوات 1971 و1972. وقد نقل النص تقريبا بشكل حرفي في القرار 3236 بتاريخ 22 نوفمبر 1974 حول حقوق الشعب الفلسطيني، التي نص عليها هذا القرار. ينص القرار في نقطتيه الخامسة والسادسة: «وتعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه». «وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقاً للميثاق». وقد اعتمدت الجمعية العامة بتاريخ 4 ديسمبر 1986 قرارا تاريخيا حول حق الشعوب في تقرير مصيرها، مستندا إلى قرار 1514 لعام 1960 أشار في الديباجة إلى قرارات تتعلق بناميبيا وجنوب افريقيا وفلسطين، وأدان في نقطته السابعة عشرة حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، ويؤكد في نقطته الثانية: «على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح». وهذا نص صريح لا لبس فيه ربط بين نضال فلسطين وناميبيا وجنوب افريقيأ.
النضال الفلسطيني بأشكاله ووجوهه وأساليبه كافة شرعي ومنسجم مع القانون الدولي. هذا ما أقرته المنظمات الدولية
القدس: لدى الفلسطينيين حصيلة كبيرة من القرارات الدولية المتعلقة بالقدس، بدأت مع عصبة الأمم بعد ثورة البراق وتقرير لجنة شو عام 1930 التي أقرت بعد الاستماع لمداخلات الأطراف وحججهم أن «ملكية حائط البراق تعود للمسلمين وحدهم، وأنه وقف إسلامي لكونه جزءا لا يتجزأ من حائط الحرم الشريف الغربي». كما أقرت اللجنة بعدم جواز المظاهرات قرب الحائط، أو النفخ في البوق. وبقي الوضع هكذا حتى قرار التقسيم. أما قرار التقسيم 181 (1947) فقد اعتبر القدس «كيانا منفصلا» لأهميتها وجاء فيه: اعتبار القدس «كيانا منفصلا» تخضع لنظام دولي تديره الأمم المتحدة عن طريق مجلس الوصاية. وسيقوم مجلس الوصاية المكلف بإدارة المدينة نيابة عن الأمم المتحدة». بعد حرب 1967 اعتمد مجلس الأمن العديد من القرارات من أهمها القرار 271 (1969) بعد محاولة حرق المسجد الأقصى نص على: «حماية الحرم الشريف ووقف الأنشطة كافة التي تعمل على تغيير معالم المدينة». أما القرار 298 (1971) فقد أكد «أن الإجراءات الإدارية والتشريعية كافة التي قامت بها إسرائيل في المدينة مثل التحويلات العقارية ومصادرة الأراضي غير شرعية». كما دعا القرار إلى وقف الأنشطة والإجراءات كافة، التي تحاول تغيير تركيبة المدينة السكانية. ثم اعتمد مجلس الأمن القرارين 476 و 478 عام 1980 بعد اعتماد الكنيست القانون الأساسي المتعلق بتوحيد القدس واعتبارها عاصمة للكيان، فقد نص القرار 476 على أن «الأجراءات كافة التي تعمل على تغيير معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي هي إجراءات باطلة أصلا ويجب إلغاؤها». أما القرار 478 فقد شجب سن القانون الأساسي الإسرائيلي، الذي أعلن ضم القدس الموحدة إلى إسرائيل واعتبره انتهاكا للقانون الدولي وطالب جميع الدول عدم الاعتراف به، وطلب من الدول التي لديها سفارات بالقدس إلى نقلها خارج المدينة. أما قرار اليونسكو لعام 2016 فقد نفى بالمطلق وجود أي علاقة تاريخية يهودية بالمسجد الأقصى المبارك، وحدد القرار أن القدس مقدسة لليهود والمسلمين والمسيحيين، ولكن في ما يتعلق بالحرم القدسي يؤكد أنه مقدس للمسلمين فقط.
الاستيطان: لا يجادل أحد في مجلس الأمن أو الجمعية العامة، إلا مندوب الكيان الصهيوني، على أن المستوطنات غير شرعية وأن النشاط الاستيطاني ينتهك القانون الدولي. وقد اعتمد مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات التي تجرم الاستيطان كان آخرها وأهمها القرار 2334 يوم 23 ديسمبر 2016. وبما أن المستوطنات غير شرعية وتعتبر انتهاكا للقانون الدولي، فكل مستوطن يسكن في المستوطنات هو في حالة انتهاك للقانون الدولي عن علم وسبق إصرار، كما جاء نصا في البند 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، لكن لماذا يتردد بعض القادة الفلسطينيين ويتلعثمون ويراوغون في عدم تأييد مقاومة الاستيطان بشكل صريح وواضح. فالقانون إلى جانبهم والطرف الآخر هو المنتهك للقانون فلماذا التردد والخشية والتلعثم.
جدار الفصل العنصري: من منا نسي الرأي الاستشاري القانوني لمحكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري الصادر بتاريخ 9 يوليو 2004 الذي ينص على أن الجدار غير شرعي، ويجب أن يفكك وأن يتم تعويض الفلسطينيين لما لحق بهم من خسائر جراء بناء الجدار. وقد تبنت الجمعية العامة الرأي الاستشاري للمحكمة وأقرت تشكيل لجنة دولية لحصر الخسائر وتحديد الأضرار، لكن لم نعد نسمع لا باللجنة ولا بتقاريرها. النتيجة أن النضال الفلسطيني بأشكاله ووجوهه وأساليبه كافة، شرعي ومنسجم مع القانون الدولي. هذا ما أقرته المنظمات الدولية، فلما يتردد المسؤولون في إشهار هذا الجانب عند مقاومة الاحتلال؟ أم أننا مضطرون أن نسأل السؤال نفسه للقيادات الفلسطينية: هل الاحتلال شرعي وقانوني أم مقاومة الاحتلال؟
القدس العربي