أرجأت رئاسة برلمان إقليم كردستان اجتماعاً كان مقرراً عقده للبحث في معاودة الجلسات المعطلة، تمهيداً لعقد اجتماع أوسع يهدف إلى إنهاء الخلافات حول الانتخابات البرلمانية المقبلة، فيما أعلن الحزب “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني وقف “الخطاب الإعلامي المتشنج”، تحضيراً لفتح حوار مع نظيره “الاتحاد الوطني” بزعامة بافل طالباني.
وبلغت العلاقات بين الحزبين التقليديين الحاكمين حد القطيعة منذ دخولهما في صراع محتدم على المناصب الاتحادية عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية نهاية العام الماضي، قبل أن ينتقل خلافهما إلى داخل حكومتهما في الإقليم، ليهدد بتأجيل الانتخابات البرلمانية الكردية المقررة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بموازاة خوضهما حرباً إعلامية حول إدارة الثروات وتقاسمها وسط أزمة مالية خانقة تضرب الإقليم منذ 2014.
اجتماع مرتقب
أعلنت سكرتيرة البرلمان منى قهوجي لمجموعة من الصحافيين تأجيل اجتماع هيئة رئاسة البرلمان الذي كان مقرراً، الثلاثاء، إلى 24 من الشهر الحالي، من دون تقديم إيضاحات حول دوافع الإرجاء، وأكدت أن الاجتماع المقبل “سيكون موسعاً ليضم رؤساء الكتل النيابية”، لكن مصادر مطلعة ربطت بين التأجيل والمساعي الجارية للاجتماع المرتقب بين الحزبين.
وفشل برلمان الإقليم منذ 75 يوماً في عقد أية جلسة جراء انقسام الكتل حول مقترحات لإجراء تعديلات على قانون الانتخابات، وكذلك بين تمديد ولاية مفوضية الانتخابات السابقة أو انتخاب مفوضية جديدة، ورفضت رئيسة البرلمان عن حزب طالباني، ريواز فائق، توجيه الدعوة لعقد الجلسات إلا بعد تحقيق تفاهمات مسبقة بين القوى السياسية، تجنباً للجوء حزب بارزاني إلى خيار الغالبية في تمرير القانونين، إذ يمكنه تحقيق الغالبية النيابية بنحو 60 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 111 مقعداً، ما يعني قدرته على تعطيل مشروع القوى المعترضة، بذريعة صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها حال تعديل القانون، استناداً إلى حاجة مفوضية الانتخابات لنحو ستة أشهر على أقل تقدير لإنجاز التحضيرات.
أولى الخطوات
لكن بعض المراقبين يرى صعوبة نجاح اعتماد خيار الغالبية في الإقليم فعلياً جراء انقسامه إدارياً بين أربيل الخاضعة لنفوذ حزب بارزاني، والسليمانية حيث المعقل التاريخي لحزب طالباني، خصوصاً أن نواباً كانوا حذروا من أن حزب طالباني “قد لا يلتزم إجراء الانتخابات في مناطق نفوذه إذا ما أصر حزب بارزاني على استخدام الغالبية للإبقاء على النظام الانتخابي الحالي”.
وفي أولى المؤشرات إلى الانفراج، أجرى قادة من حزب طالباني، الأربعاء، مباحثات مع نظرائهم في حركة “التغيير”، وذكر بيان أن “الاجتماع تناول مسألة تعديل قانون الانتخابات الذي أصبح مطلباً جماهيرياً عاماً، ما يوجب تهيئة موقف وطني مشترك، وحماية المكاسب”، مشيراً إلى أن الحزبين أكدا “خطورة تداعيات الانسداد السياسي بين القوى على الوحدة الوطنية والاستقرار، ما يضع العملية السياسية في الإقليم تحت المساءلة”، وشددا على “ضرورة إزاحة العقبات التي تقف أمام التقارب بين الأطراف”.
ويتمسك حزب بارزاني مع بعض القوى الصغيرة بنظام الدائرة الانتخابية الواحدة المعتمد في قانون الانتخابات الحالي، بينما يطالب حزب طالباني ومعه حركة “التغيير” المشاركة في الحكومة، فضلاً عن قوى المعارضة، بإقرار نظام “الدوائر المتعددة”، إلى جانب مطالب بخفض مقاعد نظام “كوتا” الخاص بالأقليات “لعدم وجود إحصاء سكاني دقيق”، فضلاً عن “استغلاله من قبل القوى الكبيرة”.
صراع على الغالبية
وفي أسباب الخلاف على قانون الانتخابات، يقول المحلل السياسي الكردي سامان نوح إن “الانقسام حوله هو في الواقع صراع على السلطة عبر شرعية الأصوات البرلمانية، فالدائرة الواحدة ستضمن لـ’الديمقراطي‘ مقاعد أكثر في البرلمان المقبل، وربما ستقربه من امتلاك الغالبية في ظل انقسام قوى المعارضة والمشكلات داخل ’الاتحاد الوطني‘، أما الدوائر المتعددة، فستضمن للقوى الأخرى نوعاً من تقسيم الأصوات يمكّنها من الحصول على عدد أكبر من المقاعد، بما يعطل مشروع الحزب الديمقراطي بالاقتراب من الغالبية”.
وأوضح أن “هناك نقطة خلاف أخرى تتمثل في عدد مقاعد (كوتا)، ومكوناتها، وكيفية التصويت لها، فالقوى المنافسة لـ’الديمقراطي‘ تتهمه بأنه يستحوذ عبر أحزاب أسسها على أصوات المكونات، وأنه يستغلها في التصويت لصالحه في القضايا الخلافية، لذا يريد من جهة تقليل عدد مقاعدهم، أو في الحد الأدنى السماح لأبناء المكونات حصراً بالتصويت وليس عموم الناخبين، بما يعطل تمكين ’الديمقراطي‘ من الفوز بمقاعد عبر توجيه ناخبيه بالتصويت لصالح مرشحين من المكونات كما حدث في السابق”.
يضيف نوح أن “عدم حصول القوى المنافسة لـ’الديمقراطي‘ على جزء من مطالبها يعني أنها ستدفع باتجاه تعطيل الانتخابات، كما أن الحزب الديمقراطي إذا وجد الأطراف الأخرى مصرة على مطالبها، فإن التأجيل بالنسبة إليه لن يشكل معضلة، ما دام يتحكم بكل مفاتيح السلطة في الإقليم”.
وفي تطور لافت، بدأ حزب بارزاني اتخاذ خطوات لإعادة فتح قنوات الحوار مع حزب طالباني، في ظل مؤشرات إلى قرب انعقاد اجتماع مهم بين الحزبين، وكذلك بين جميع القوى الكردية الفاعلة، إذ تشير تصريحات القيادات في حزب بارزاني إلى وجود توجهات ومساعٍ للتهدئة وإعادة اللحمة داخل “البيت الكردي”، وإيجاد مخرج للانقسام المتفاقم بين الجانبين، وطلب مركز “الثقافة والإعلام” التابع للحزب من جميع الأعضاء ووسائل الإعلام “تجنب اتباع خطاب متشنج تجاه الأطراف أو الشخصيات، خصوصاً حزب الاتحاد الوطني، بغية خلق أرضية مناسبة للعملية السياسية في الإقليم”.
مواقف إيجابية
خيار التهدئة بدا واضحاً من خلال تصريحات القيادات، إذ أعلن القيادي في حزب بارزاني دلشاد شهاب، للصحافيين أن “الحوار خيارنا الوحيد بما في ذلك مع حزب الاتحاد، وهذا الباب لن يغلق، لكن يجب أن يكون مستنداً إلى أساس تحقيق المصلحة الوطنية وليس الفئوية”. كما أكد القيادي الآخر سعيد سليم أن حزبه “يعمل على عقد اجتماع مع القوى الكردية، خصوصاً حزب الاتحاد”، مشيراً إلى أن “أجندة الاجتماعات ستركز على الخلافات القائمة حول الإيرادات الداخلية والانتخابات والمسائل المتعلقة بالعملية السياسية في بغداد”.
وذكرت تسريبات إعلامية أن حزب طالباني في المقابل سيوقف حملته الإعلامية ضد حزب بارزاني، ونقلت عن قيادي في الحزب قوله إن “القرار يهدف إلى تلطيف الأجواء، تمهيداً للاجتماع المقرر عقده، الثلاثاء المقبل، بين رئاسة البرلمان ورؤساء الكتل النيابية”.
ويرى النائب عن كتلة “الاتحاد الإسلامي” المعارضة أبو بكر هلدني أن “الانتخابات لن تُجرى ما دامت الخلافات مستمرة بين الكتل والعقبات قائمة أمام مفوضية الانتخابات، فالجلسات معطلة والعملية السياسية تعاني الجمود”. وأضاف، “نحن أمام ثلاثة خيارات، إما أن نتوصل إلى اتفاق بالتوافق حول التعديلات، أو حل البرلمان، أو تمديد ولاية البرلمان الحالي، وهو خيار يخالف الثوابت والأسس الديمقراطية”.
تأتي هذه التطورات مع اتخاذ خطوات لحل أزمة مرتبات الموظفين في السليمانية، حيث تعهدت الحكومة بإعطاء “الأولوية لسد العجز في الأجور قبل أية نفقات أخرى”. وذكر بيان عن اجتماع رئيس الحكومة مسرور بارزاني ونائبه قباد طالباني، أن “الحكومة تنظر إلى جميع مناطق الإقليم بعين واحدة، وتتحمل مسؤولية سد العجز المالي في كل محافظة ومنطقة”، مشيراً إلى “تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في محافظتي السليمانية وحلبجة وكرميان ورابرين وجميع المؤسسات المالية والمصرفية (مناطق نفوذ حزب طالباني) حول الإيرادات العامة والوصول إلى الحقائق”.
جاء ذلك بعد خلاف دام أشهراً بين الحزبين، تبادلا خلالها الاتهامات بشأن آلية توزيع الإيرادات الداخلية، عندما اتهمت أربيل إدارة الاتحاد بعدم التزام إرسال كامل الإيرادات إلى الخزانة العامة وتحكم “أشخاص متنفذين” بأرصدة المصارف، فيما ادعى الأخير على أربيل بـ”فرض حصار على السليمانية”.
حوار “تحت الضغط”
في دوافع حزب بارزاني لإطلاق الحوار، يؤكد المحلل سامان نوح أنه “ربما لا يرتبط فقط بملف الانتخابات، بل يتعدى ذلك، فالإقليم يتعرض من بعض أطراف الحكومة الاتحادية ومن المحكمة الاتحادية لضغوط قد تشكل في حال أخذت مسارها للتطبيق تهديداً للوضع القائم في الإقليم منذ 20 عاماً”، لافتاً إلى أن “تحذيرات صدرت أخيراً من أطراف خارجية عدة، آخرها من السفير الأميركي في بغداد، الذي نبه إلى أن كيان الإقليم يتعرض للخطر إذا لم يتم تجاوز الخلافات بين قواه الرئيسة، وربما هذا ما دفع “الديمقراطي” إلى التحرك لتهدئة التوترات، بخاصة مع إدراكه أن التحالف مع التيار الصدري (الشيعي) قد لا يفضي فعلياً إلى تشكيل حكومة غالبية كان يطمح من خلالها لفرض إرادته بعيداً من ’الاتحاد الوطني‘ في بغداد كما في أربيل”. واستدرك نوح، “على الرغم من ذلك، أستبعد حصول انفراجة في التوترات بين الديمقراطي والاتحاد وبقية القوى جراء عمق الخلافات، لأن كل طرف يشعر بقدرته على فرض إرادته على الطرف الآخر، وما يخفف التوتر القائم إدراك الطرفين أن مصلحتهما المشتركة تدفعهما للعمل معاً وإلى حين”.
من جهتها، أعلنت المبعوثة الأممية إلى العراق جينين بلاسخارت، خلال الإحاطة الخاصة التي قدمتها أمام مجلس الأمن، الثلاثاء، أن “تعمق الانقسام السياسي في إقليم كردستان انعكس سلباً على مواطني الإقليم”، مشددة على “تهيئة الأوضاع لإجراء الانتخابات انطلاقاً من مبدأ تكافؤ الفرص لتوفير بيئة انتخابية مؤاتية”، وداعية إلى إنهاء “حالة الانقسام المناطقي في الإقليم بين منطقة خضراء وأخرى صفراء”، في إشارة إلى الانقسام الإداري القائم بين أربيل والسليمانية.
ويربط أعضاء في مفوضية الانتخابات إمكان إجراء العملية الديمقراطية في موعدها بتوفير شروط عدة، في مقدمتها “رغبة القوى السياسية، وتوفير الدعم المالي المطلوب للإسراع في إبرام العقود، إذ يمكن تقديم التكلفة التخمينية خلال بضعة أيام”، ويقولون إن المفوضية “سبق أن طالبت رئاسة البرلمان في ثلاث مذكرات بتفعيل عملها من دون جدوى”.
يؤكد الناطق باسم المفوضية شيروان زرار أن “اعتماد بيانات الناخبين المسجلين وفق النظام البيومتري من قبل مفوضية الانتخابات الاتحادية من شأنه اختصار كثير من الجهود والوقت، وكذلك تعاون الوزارات المعنية في مسألة عدد المتوفين، وهيئة النزاهة حول سجل المرشحين”.
أما القيادي في حزب بارزاني بلند اسماعيل، فأكد أن حزبه “قدم مقترحاً من أجل توحيد الموقف الكردي، تحديداً مع الإخوة في حزب الاتحاد، على صعيد العملية السياسية في بغداد، وصحيح أن هناك خلافاً وتقاطعاً في الآراء، لكن هناك نقاطاً مشتركة ومشجعة للتوصل إلى اتفاق، ومن المؤكد أن هناك مبادئ من المطلوب أن نتفق عليها”. وأوضح، “لدينا مشكلات وتحديات عدة في بغداد وفي الإقليم، فإذا كنّا نختلف على صعيد الإقليم، فإننا يجب أن نكون موحدين في بغداد لتعزيز ثقلنا من أجل حماية مصلحتنا القومية والوطنية”.
اندبندت عربي