فنلندا والسويد.. والعودة إلى سيناريو توسيع حلف شمال الأطلسي

فنلندا والسويد.. والعودة إلى سيناريو توسيع حلف شمال الأطلسي

تعيد حماسة إدارة بايدن لطلب فنلندا والسويد، الأربعاء، الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، التذكير بترحيب واشنطن بطلبات بلدان أوروبا الشرقية لعضويته بعد سقوط جدار برلين. آنذاك كان الانهيار السوفييتي مدخل واشنطن لتوسيع الحلف الذي دفعت إليه وشجعت عليه. واليوم يبدو أنّ الإدارة ترى في “فشل” الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب التوصيف الأميركي، في أوكرانيا، نكسة لن يخرج منها، وبما يوفر فرصة لاستئناف التوسيع. فتسويغ طلب البلدين بأنه جاء لدواعٍ أمنية دفاعية فرضتها حرب أوكرانيا، لا يستقيم مع المعطيات والواقع، لسببين رئيسيين.

الأول أنّ الحرب “كشفت عن محدودية القوة العسكرية الروسية وتخبط خططها”، حسب التقديرات الأميركية التي تعتبر أنّ الاجتياح كان “فضيحة” لموسكو من ناحية الأداء الميداني. فإذا كان الأمر كذلك، عندئذ من المفترض ألّا يكون هناك ما يبرر هرع البلدين إلى حلف الأطلسي إلا إذا كان الغرض زيادة إرباك وتوريط موسكو، التي يبدو أنها ورطت نفسها أصلاً في الاجتياح، وبما تصح فيها مقولة “وعلى نفسها جنت براقش”.

أما السبب الثاني، فهو أنّ فنلندا والسويد بلدان محايدان يتمتع كلاهما بقدرات دفاعية أفضل من أوكرانيا، وبوضعية واقية أكثر ضماناً لأمنهما. فالحياد تكفّل بالاستقرار للسويد طوال 200 سنة. وكذلك كان ضمانة لأمن فنلندا منذ معاهدة 1947 مع موسكو، والتي وضعتها في حال “المحايد الدائم”. وبقيت محايدة حتى بعد دخولها إلى الاتحاد الأوروبي في 1995. وقد جددت التوقيع على المعاهدة مع روسيا في 1992 بعد غياب الاتحاد السوفييتي. ويومذاك توافق الجانبان على الالتزام بحلّ الخلافات التي تنشأ بينهما “بالطرق السلمية”.

والمعروف أنّ هناك حالة عداء قديمة بين هلسنكي وموسكو، تعود لزمن الحرب العالمية الثانية، عندما فتحت فنلندا حدودها للجيش النازي الألماني، الذي دخل منها إلى الأراضي السوفييتية، وضرب حصاراً قاتلاً على مدينة سانت بطرسبرغ. لكن هذه التعهدات جرى التخلّي عنها اليوم على قاعدة أنّ هذه المعاهدة صارت بحكم الباطلة، بعدما تلاشى الطرف الثاني فيها، أي الاتحاد السوفييتي، بحيث باتت هلسنكي في حلّ من الالتزام بالحياد، وبما يبرر لها السعي إلى الانضواء تحت مظلة دفاعية باتت تحتاجها بعد اجتياح أوكرانيا.

في ضوء ذلك، بدا أنّ واشنطن كانت القوة الدافعة، وإلى حد بعيد، وراء هذه التطوّر، أكثر مما كانت مجرد مؤيدة له ومرحبة به، ولا تبدو صدفة أن يستقبل وزير الدفاع لويد أوستن نظيره السويدي بيتر هولتكفيست في البنتاغون، أمس الأربعاء، بعد ساعات قليلة من تسلّم أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ طلب البلدين رسمياً في بروكسل. واكب ذلك بيان دعم وتأييد صدر عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي سبق له خلال لقائه مع وزراء خارجية الحلف في برلين، يوم الأحد، أن شدّد على وقوف الإدارة “بقوة “مع السعي لهذه العضوية.

يذكر أنّ الإدارة توقفت بعد الغزو الروسي عن الإشارة إلى توسيع حلف الأطلسي وإلى سياسة “الباب المفتوح” أمام الراغبين بعضوية الحلف. وقد ابتعدت آنذاك عن هذا الموضوع لتعطيل حيثية توسيع الحلف التي تذرعت بها موسكو لتسويغ اجتياحها لأوكرانيا. لكن في الأسابيع الأخيرة، ومع تعثّر موسكو في حربها، تجدد الحديث عن التوسيع عبر الإشارة إلى “رغبة” الثنائي الإسكندنافي في الدخول إلى الحلف. وفي هذا السياق، جرى تسليط الأضواء على الاعتراض التركي على طلب المرشحين الجديدين دخول الحلف، الذي يشترط ميثاقه موافقة الأعضاء بالإجماع على منح العضوية للراغبين.

وفي بعض التقديرات أنّ أنقرة توظّف صوتها لاستدرار تنازلات من واشنطن، مثل تسليمها المعارض التركي فتح الله غولن المقيم في أميركا، ومن الدول الإسكندنافية لوقف دعمها واحتضانها للمعارضين الأكراد. بدورها، قالت السفيرة السويدية في واشنطن، الأربعاء، إنّ بلادها “تبحث الموقف مع تركيا”، كما أشير إلى احتمال معارضة المجر لطلبي الانتساب، من باب تعاطفها المعروف مع موسكو. لكن الاعتقاد أن الإدارة عازمة على انتزاع الإجماع.

لا شك أنّ حرب أوكرانيا دقت ناقوس الخطر. فالخيار النووي ما زال في دائرة الاحتمال، الذي يحمل المتخوفين على تكرار التحذير من الذهاب بعيداً في “إهانة” بوتين. بيد أنّ القناعة تتزايد في واشنطن بأنّ التعامل مع روسيا ما بعد حرب أوكرانيا لن يكون كما قبلها، لناحية تدفيعها الثمن، ومنه توسيع حلف شمال الأطلسي من جديد.

العربي الجديد