بنها (مصر) – لم تقنع الزيادة التي أقرتها الحكومة المصرية في أسعار القمح المزارعين الذين يشتكون من غلاء تكاليف الإنتاج، إلا أن السلطات تصر على أن تشتري 60 في المئة من المحاصيل ويتعرض للسجن والغرامة كل من يرفض ذلك.
وفي مجمع صوامع بمدينة بنها المصرية في دلتا النيل، يتابع أحمد ناصر شاحنة تلو أخرى وهي تُفرغ حنطة تم درسها توا.
فمع غياب معظم القمح القادم من البحر الأسود نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، تبذل مصر -أكبر دولة مستوردة للقمح بالعالم في العادة- قصارى جهدها للحصول على كل ما يسعها جمعه من المحصول المحلي الذي هو في أوجه الآن.
وتوفر الحكومة خبزا مدعوما بقوة لأكثر من 70 مليون نسمة، وقد وضعت هدفا طموحا لشراء ستة ملايين طن من القمح المحلي، أي ما يزيد عن ثلثي ما كانت تشتريه في العامين الماضيين. ويبلغ عدد سكان مصر حوالي 103 ملايين نسمة.
معاناة المزارعين من ارتفاع التكاليف تثير تساؤلات حول مسعى قديم لاستخدام الأراضي الصالحة للزراعة والمياه النادرة في توسيع زراعة القمح
وعمال الصوامع من أمثال ناصر يعملون ساعات إضافية. وفي جو امتلأ بالغبار المنطلق من غرفة التفريغ تحت الصوامع الشاهقة قال “المفروض إن احنا ميعادنا من الساعة 4 نكون ماشيين. إحنا السنة دي طوّلنا للساعة 12”.
وبعد بداية بطيئة، يقول المزارعون والمسؤولون إن المحصول جيد، لكن كليهما ما زالا يواجهان ضغوطا كبيرة.
فبرنامج الدعم الغذائي في مصر يستلزم توافر حوالي تسعة ملايين طن من القمح سنويا. وفي السنة الماضية استوردت الحكومة 4.7 مليون طن، معظمها من روسيا وأوكرانيا، واشترت حوالي 1.9 مليون طن من الخارج للشحن في عام 2022. وهناك نحو 300 ألف طن عالقة في أوكرانيا، في حين تغلّف أجواء الضبابية الأسعار والإمدادات المستقبلية.
وبينما تسعى الحكومة لتعزيز احتياطيات القمح، تقول إن المزارعين يجب أن يزودوا الدولة بما لا يقل عن 60 في المئة من محصولهم، ارتفاعا من 40 في المئة العام الماضي. وهي تفرض غرامات وأحيانا عقوبات بالسجن على الممتنعين.
وتهدف القواعد إلى منع المزارعين من حجب المزيد من محاصيلهم لاستخدامها علفا للحيوانات ومنع التجار من بيع القمح في السوق المفتوحة.
من جانب آخر رفعت الحكومة سعر شراء القمح بنسبة 22 في المئة عن العام الماضي إلى ما بين 311.23 و318.40 دولار للطن، رغم أن هذا لا يزال أقل كثيرا من الأسعار في الأسواق العالمية، ويقول بعض المزارعين إن هذه الزيادة غير كافية.
وفي بنها إلى الشمال من القاهرة قال المزارع أحمد سمير (59 عاما) إنه زرع هذا العام قمحا أقل في أرضه التي تبلغ مساحتها ثلاثة أفدنة بسبب ارتفاع أسعار العمالة وتكاليف أخرى.
وهو يعتزم بيع حوالي ثلثي قمحه للحكومة والاحتفاظ بالباقي للاستهلاك الخاص.
وقال بينما كان خلفه عامل يضع القمح في كيس ضخم “في ظل التكلفة العالية دي (سعر الشراء) يُعتبر برضه مش قوي. فيه تحسين بس الحكومة اللي قدرت عليه كده. هنعمل إيه؟”.
ويرى مزارعون مميزات في البيع للحكومة منها الحصول على عائد مضمون لمن هم مدينون أو يحتاجون إلى أموال عاجلة. واشترت الحكومة حتى الخميس ثلاثة ملايين طن من المحصول المحلي في موسم الحصاد الذي يستمر حتى يوليو.
وربما كان التحدي الأكبر للحكومة هو التجارة مع طرف ثالث، وهو ما تحاول تقييده من خلال مطالبة المزارعين بالحصول على تصريح لبيع القمح في السوق بعد الوفاء بحصصهم.
وارتفعت أسعار القمح العالمية التي عادة ما تكون أقل من أسعار القمح المصري إلى حوالي 450 دولارا للطن في أحدث مناقصة طرحتها مصر في أبريل، مما حفّز التجار على شراء القمح المحلي.
الحكومة توفر خبزا مدعوما بقوة لأكثر من 70 مليون نسمة، وقد وضعت هدفا طموحا لشراء ستة ملايين طن من القمح المحلي
وقال اثنان من تجار القطاع الخاص إن بعض المطاحن الخاصة تعرض سبعة آلاف جنيه مصري (377 دولارا) لطن القمح المحلي بزيادة حوالي 1100 جنيه (59 دولارا) عما تقدمه الحكومة، لكن هذا يظل أقل بكثير من السعر العالمي.
وفي الأسابيع الأخيرة تواترت تقارير إخبارية عن مصادرة الحكومة لمئات الأطنان من القمح الذي تتاجر فيه مطاحن خاصة بشكل غير قانوني.
وتثير معاناة المزارعين من ارتفاع التكاليف ومنها تكاليف الأسمدة والعمالة تساؤلات حول مسعى قديم لاستخدام الأراضي الصالحة للزراعة والمياه النادرة في توسيع رقعة الأراضي المزروعة قمحا وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
ويقول حمادة، وهو مزارع عمره 45 عاما من محافظة المنيا الواقعة على بعد 220 كيلومترا جنوبي القاهرة، إنه زرع مساحات أكبر قمحا هذا العام بعدما شجعه ارتفاع سعر الشراء. لكنه سرعان ما أدرك أن الأمر له تكلفته.
وقال “إحنا بنلف وبندفعها في حاجات تانية. النفر زاد علينا.. العمالة، الكهرباء، الكيماوي، كل حاجة”، مضيفا أنه لا يزال عليه فواتير كهرباء بقيمة 200 ألف جنيه (10790 دولارا).
العرب