كشفت أوساط نيابية عراقية عن استحواذ الميليشيات الموالية لإيران على نصف موارد النفط للدولة العراقية، في الوقت الذي تحتدم فيه الخلافات بين بغداد وأربيل حول من يدير ملفي النفط والغاز في إقليم كردستان.
وتلفت الأوساط إلى أن الفساد في قطاع النفط في العراق بلغ مستويات خطيرة، فيما عجزت الحكومات المركزية المتعاقبة على وضع حد لهذا النزيف نتيجة سطوة الميليشيات، ولعبة التوافقات التي تقود في النهاية إلى غض الطرف عن سلسلة من عمليات الهدر والنهب لثروات العراق.
حاكم الزاملي: جهات نافذة استعانت بشركات نفط عالمية لنصب معدات التهريب
ونجحت الميليشيات الموالية لإيران منذ العام 2014 في بناء شبكة اقتصادية متشعبة تتغذى في جانب كبير منها على النفط العراقي، حيث تمتلك هذه الميليشيات بعض الحقول النفطية في مناطق ذات غالبية سنية مثل علاس والقيارة ونجمة، مستفيدة من شركات نقل وإمداد وشحن تسيطر عليها في محافظة البصرة جنوب البلاد لتهريب النفط المسروق من هذه الحقول.
وأشار النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي حاكم الزاملي في بيان إلى أن “معلومات موثقة تشير إلى أن عمليات تهريب المشتقات النفطية تصل كمياتها إلى نصف حجم المصدر الفعلي من النفط العراقي، وهذا يعني هدر ثروات مالية ضخمة جدًا تذهب لصالح مافيات وجهات نافذة متخصصة استعانت بشركات نفطية عالمية لنصب معدات التهريب”.
وجاءت تصريحات الزاملي على إثر اجتماع عقدته لجنتا النفط والطاقة والأمن والدفاع النيابيتان برئاسته، واستضافتا خلاله قائد شرطة الطاقة غانم محمد وعدداً من الضباط.
وأوضح الزاملي أن التخريب طال أيضا قطاع الكهرباء حيث تتعرض أبراج الطاقة للتفجير مرة على يد الإرهابيين بهدف زعزعة الاستقرار، ومرات عدة على يد جهات نافذة تسعى للحصول على عقود صيانة وإعمار هذه الأبراج التي يتم تخريبها، وذلك حسب المعلومات المتوفرة، مشيرًا إلى أن هذه الخروقات تطال كذلك المنافذ الحدودية والضرائب والجمارك والموانئ وجميعها تحرم البلد والعراقيين من عوائد ضخمة ستحدث تغييرا إيجابيا كبيرا فيما لو ذهبت في الاتجاه الصحيح.
وأكد النائب الأول لرئيس مجلس النواب المنتمي للتيار الصدري أن “الحد من هذه الخروقات يتطلب وقفة جادة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية وتقديم دعم خاص للأجهزة الأمنية لتضع حدا لهذه الظاهرة التي باتت تهدد اقتصاد العراق، وتدمر مقدرات البلاد، ويجب ضربها مهما كانت الجهات التي تقف خلفها”.
ومن جهته كشف نهرو رواندزي نائب رئيس لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي عن وجود أنابيب متفرعة عن الأنبوب الرئيسي الناقل للنفط والذي يمتد بين البصرة في جنوب البلاد والناصرية، تصل إلى مقرات الميليشيات، مشيرا إلى أن “لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها”.
الفساد في قطاع النفط في العراق بلغ مستويات خطيرة، فيما عجزت الحكومات المركزية المتعاقبة على وضع حد لهذا النزيف نتيجة سطوة الميليشيات
وأوضح رواندزي أنه تمت ملاحظة أن “النفط الذي يمر عبر أنبوب البصرة إلى الناصرية تنخفض كمياته. فعندما يقولون مثلاً إنه تم ضخ مليون برميل عبر الأنبوب، وتفحص شرطة النفط الأنبوب بعد بضع كيلومترات من خلال أجهزة القياس، يتبين فقدان جزء من الكمية المعلن عنها”.
وأضاف النائب أن التحقيقات في المسألة أظهرت خروج أنابيب فرعية من الأنبوب الرئيسي إلى مقرات الميليشيات، لكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب منهم، قائلا “هذا هو التهريب والنهب الحقيقيان”.
ويرى مراقبون أن الجهات النافذة التي يتحدث عنها الزاملي ليست سوى الميليشيات لموالية لإيران، لكن لا أحد عمليا في السلطة يملك الإرادة الحقيقية لمواجهة مثل هذه الممارسات والتصدي لها، مشيرين إلى أن ما تم الكشف عنه سواء من قبل الزاملي ورواندزي هو أمر معلوم لدى جميع القوى لكن إثارته اليوم لا تخلو من غايات سياسية في علاقة بالسجالات الجارية حول أزمتي الحكومة ورئاسة الجمهورية، وأيضا في ارتباط بالتجاذبات الحاصلة بين أربيل وبغداد حول ملفي النفط والغاز.
وتضغط بغداد اليوم على قيادة كردستان لسحب يدها من إدارة النفط والغاز استجابة لقرار قضائي صدر في فبراير الماضي.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا العراقية أصدرت حكماً بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، وألزمت في قرارها حكومة الإقليم بتمكين وزارة النفط العراقية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بمتابعة إبرام عقود بيع النفط والغاز في إقليم كردستان.
وترفض حكومة الإقليم الامتثال لأمر المحكمة، معتبرة أن قرارها ناتج عن ضغط سياسي وهو غير قانوني، وأن للإقليم الحق في إدارة موارده من الطاقة بموجب قانون للنفط والغاز صادر عن برلمانه.
وقد دخلت مؤخرا الميليشيات الموالية لإيران على خط الأزمة من خلال التهديد بالتصعيد ميدانيا ضد الإقليم في حال لم تتم الاستجابة لطلب المحكمة الاتحادية، وجاءت اللهجة الخشنة للميليشيات بعد استهداف مجهولين لمنشآت نفطية في الإقليم.
ويقول المراقبون إن دوافع تحرك الميليشيات مرتبطة بموقف إيران، وبرغبة تلك الميليشيات نفسها في الاستفادة من الثروة النفطية والغازية في الإقليم، وأيضا لحرف الأنظار عن عمليات السرقة الممنهجة التي تمارسها بحق نفط العراق، في الوقت الذي يعاني فيه العراقيون من أزمة اقتصادية خانقة وبنية تحتية مهترئة.
ويوضح المراقبون أن جميع القوى في العراق تتحمل على مستويات مختلفة المسؤولية في عملية سرقة الميليشيات لثروات البلاد من خلال الصمت أو التواطؤ معها، ذلك أن النفط الذي يجري اليوم نهبه يتم تهريبه بالأساس إلى جهتين وهما إقليم كردستان وإيران.
وأشار قائد شرطة الطاقة العراقية غانم محمد خلال الاجتماع النيابي الذي حضره إلى أن جزءا من النفط يهرب من مناطق في وسط وجنوب العراق إلى إقليم كردستان.
صحيفة العرب