هل ستحاسَب إسرائيل؟

هل ستحاسَب إسرائيل؟

لم تبدأ قضية فلسطين بالتأكيد في العام 1948. كان هناك عنصر تمييز ضد عرب فلسطين منذ بداية هجرة اليهود (إلى) فلسطين، التي بدأت في نهاية فترة الإمبراطورية العثمانية. وقد أشار الفلسطينيون دائماً إلى هذا الواقع. عندما تم اتخاذ قرار تقسيم الأرض، كنا في ذروة حقبة الاستعمار. لم يكن يُنظر إلى مبدأ ’فرق تسد‘ على أنه قضية إشكالية”. وعلاوة على ذلك، خلقت معاداة السامية في أوروبا و”مأساة الهولوكوست” حساسية أكبر تجاه هذه القضية. “لفترة طويلة، وحتى اليوم، كان (وما يزال) يُنظر إلى انتقاد إسرائيل على أنه غير مقبول”.

  • * *
    لم تشغل امرأة قط منصب مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. أعني، حتى 1 أيار (مايو) 2022.
    تم اختيار فرانشيسكا ألبانيز Francesca Albanese، المحامية الدولية والأكاديمية المرموقة، لشغل هذا المنصب المهم في وقت حرج بشكل خاص. كان سلفها، مايكل لينك، قد خلص مسبقاً إلى أن “النظام السياسي للحكم المترسخ في الأراضي الفلسطينية المحتلة… يلبي معيار الإثبات السائد لوجود ممارسة الفصل العنصري”. وقد ورد هذا التصريح في تقريره إلى الأمم المتحدة المؤرخ بتاريخ 25 آذار (مارس). وبالتوصل إلى هذا الاستنتاج، أضاف لينك صوته إلى أصوات المنظمات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، وكذلك خبراء القانون الدولي.
    من غير المفاجئ ولا المثير للدهشة أن إسرائيل لا تهتم بمبعوثي الأمم المتحدة، الذين تتمثل مهمتهم في مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة والإبلاغ عنها. ومثل أي دولة أخرى منخرطة في احتلال عسكري، فإن إسرائيل حساسة بشكل خاص تجاه أي انتقادات صادرة عن المؤسسات الدولية. ومع ذلك، فإنها تشكل حالة فريدة أيضًا. على عكس المحتلين العسكريين الآخرين، لم تتم محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها وأعمالها، على الرغم من حقيقة أنها متهمة بانتهاك العديد من القوانين الدولية والإنسانية في فلسطين المحتلة.
    بعد أربعة وسبعين عامًا من إنشاء دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية، سعت إسرائيل بشدة إلى الحصول على الشرعية السياسية والقانونية. وفي المقابل، يواصل الفلسطينيون ومؤيدوهم في جميع أنحاء العالم السعي وراء عكس ذلك: نزع الشرعية عن إسرائيل كمحتل عسكري ودولة فصل عنصري.
    في مقابلة سابقة مع البروفيسور ريتشارد فولك، الذي شغل أيضًا منصب مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، أخبرنا أن هناك نوعين من الحروب يشكلان النتائج في وقت واحد في فلسطين: الحرب الملموسة، التي من الواضح أن إسرائيل تكسبها بسبب تفوقها العسكري على الفلسطينيين. و”حرب الشرعية” التي يربحها الفلسطينيون الآن -ويفعلون بشكل حاسم.
    وتعرف إسرائيل ذلك جيدًا. ولهذا السبب حاولت بلا هوادة منع إجراء أي تحقيقات دولية في سوء سلوكها في فلسطين، وهاجمت مبعوثي الأمم المتحدة بشراسة، ووصفت أي نوع من الانتقاد لاستخدامها الوحشي وغير المتناسب للقوة في فلسطين بأنه “معاداة للسامية”.
    إلا أن الاستراتيجية الإسرائيلية فشلت في ثني العديد من الأفراد والمنظمات المحترمين عن مواصلة سعيهم إلى تحميل إسرائيل المسؤولية عن أعمالها أمام القانون الدولي. وقد لعب مبعوثو الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين دورًا حاسمًا بشكل خاص في استمرار الضغط على تل أبيب، بهدف نهائي هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي واحترام حقوق الإنسان للفلسطيني، على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي.
    في 3 أيار (مايو)، بعد يومين من توليها منصبها الجديد، حاورنا ألبانيز. سألناها عن دور المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين، وخططها للسنوات الست المقبلة، وما إذا كانت تعتقد أن الضغط الدولي المستدام سيجلب إسرائيل إلى المحاسبة في نهاية المطاف.
    “العوائق كثيرة”
    طلبنا من ألبانيز تزويدنا بتعريف أساسي لدور المقرر الخاص للأمم المتحدة، وعن خططها الخاصة لأداء هذه المهمة، مع الأخذ في الاعتبار العقبات التي واجهها أسلافها، لينك وفالك وجون دوغارد، على سبيل المثال لا الحصر.
    أوضحت ألبانيز أن “المقررين الخاصين هم خبراء مستقلون في مجال حقوق الإنسان، تتمثل مهمتهم في جوهرها في إعداد التقارير وتقديم المشورة للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويشكل نظام المقررين الخاصين عنصراً مركزياً في آلية مراقبة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ويحاول تغطية جميع أنواع الحقوق”.
    قالت إن مسؤوليتها ستكون نفس مسؤولية أسلافها: تقديم تقارير سنوية إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة. “وسأفعل ذلك مع الالتزام التام بالاستقلالية والكفاءة والنزاهة”.
    لكنها أشارت إلى أن “العوائق كثيرة. إن حقوق الإنسان بشكل عام هي قضية تمس حساسية الدولة في جميع أنحاء العالم. وفي حالة المقررين الخاصين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كان التعاون مع الدولة قليلاً ومنقوصاً. لم يكن التعاون، وخاصة مع السلطات الإسرائيلية، متاحاً أبدًا لمايكل لينك، سلفي المباشر، أو سلفه ريتشارد فولك”.
    سألنا ألبانيز عما إذا كانت تشعر بأنها مقيدة بانتدابها، الذي يغطي فقط الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران (يونيو) 1967. وكان الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين قد بدأ قبل ذلك بكثير، حيث يشمل التطهير العرقي لفلسطين التاريخية في العام 1948، المعروف باسم النكبة. وقد سلطت “منظمة العفو الدولية” الضوء على هذه النقطة بالذات في تقريرها الذي صدر مؤخراً بعنوان “الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة وحشي وجريمة ضد الإنسانية”.
    قالت ألبانيز: “أشعر، بطريقة ما، بأن هذا لن يكون عقبة بالنسبة لي الآن كما كان بالنسبة للذين سبقوني، لأنها توجد الآن لجنة للتحقيق عينها مجلس حقوق الإنسان العام الماضي، بعد الأحداث المأساوية التي وقعت في أيار (مايو) 2021. ولن يقتصر عمل اللجنة إقليمياً على الأرض الفلسطينية المحتلة، ولديها تفويض واسع جداً. ولذلك، فإن النظر في الأسباب الجذرية، كما يقر مجتمع حقوق الإنسان بشكل متزايد، هو أمر ضروري، لأن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم لا يمكن أن يُفهم إذا تم نسيان الماضي وإهماله”.
    وأضافت أنها ستقوم “بالتحقيق و… الإبلاغ عن الانتهاكات التي حدثت منذ العام 1967، لكنني لست ممنوعة من الاعتماد على التاريخ أو الإشارة إليه والرجوع إلى الحقائق التي وثقتها الأمم المتحدة والمؤرخون جيداً -إذا، وبالقدر الذي يكون فيه ذلك ضرورياً- لشرح الواقع الحالي من نزع ملكية الأراضي، والتهجير، والانتهاكات الأخرى”.
    الفصل العنصري: لماذا الآن؟
    بالإشارة إلى تقرير لينك عن الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي جاء في أعقاب تقارير أخرى لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل “هيومان رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، سألنا ألبانيز لماذا، في رأيها، استغرق الأمر كل هذا الوقت الطويل للوصول إلى هذا الاستنتاج الواضح؛ فبعد كل شيء، كان الفصل العنصري والتمييز العنصري في فلسطين متأصلين في مفهوم دولة إسرائيل.
    قالت: “قضية فلسطين لم تبدأ بالتأكيد في العام 1948. كان هناك عنصر تمييز ضد عرب فلسطين منذ بداية هجرة اليهود (إلى) فلسطين، والتي بدأت في نهاية فترة الإمبراطورية العثمانية. وقد أشار الفلسطينيون دائماً إلى هذا الواقع. عندما تم اتخاذ قرار تقسيم فلسطين، كنا في ذروة حقبة الاستعمار. لم يكن يُنظر إلى مبدأ ’فرق تسد‘ على أنه قضية إشكالية”.
    علاوة على ذلك، خلقت معاداة السامية في أوروبا و”مأساة الهولوكوست” حساسية أكبر تجاه هذه القضية. “لفترة طويلة، وحتى اليوم، كان (وما يزال) يُنظر إلى انتقاد إسرائيل على أنه غير مقبول”.
    “لماذا اليوم؟ لأنني أعتقد أن (انتهاكات) حقوق الفلسطينيين وصلت الآن إلى ذرى غير مسبوقة. بعد الانتفاضة الثانية، تم تشديد مصفوفة للسيطرة على الفلسطينيين، وهناك شعور لديهم بأنهم خاضعون للاعتقال الجسدي والنفسي. الآن، هناك شعور أوضح بالنظام التمييزي الذي فرضته إسرائيل بشكل تدريجي”.
    هل ستحاسَب إسرائيل؟
    إذا كانت هناك حقيقة واحدة ثابتة في سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، فهي أن إسرائيل لم تخضع أبدًا للمساءلة من قبل المجتمع الدولي بأي طريقة ذات مغزى. ومع وضع ذلك في الاعتبار، سألنا ألبانيز عما تعتقد أنه السبب في أن هذا هو واقع الحال، وما إذا كانت تعتقد أن لدى المؤسسات الدولية الحالية السلطة والقدرة على تغيير هذا الواقع.
    أصرت ألبانيز على أن “القانون الدولي كان دائمًا إلى جانب الفلسطينيين، منذ البداية الأولى. القضية هي قضية قرارات سياسية. هل لدى المجتمع الدولي القوة لتغيير هذا الواقع؟ نعم، بالطبع. هل لديه الإرادة للقيام بذلك؟ لا يبدو الأمر كذلك. كما أشار مايكل لينك في أحدث تقرير أرسله إلى الجمعية العامة (للأمم المتحدة) العام الماضي، فإن تقاعس المجتمع الدولي -ولا سيما بعض الدول- هو الذي يمكّن الإجراءات الإسرائيلية وهو الذي سمح لإسرائيل بالتحول إلى نظام لا يمتنع أي فاعل جاد في مجال حقوق الإنسان اليوم عن وصفه بالفصل العنصري”.
    “هل يمكن تغيير هذا؟ أعتقد أن آلية حقوق الإنسان وقانون حقوق الإنسان ما يزالان ضروريين لتذكير الجميع بالحد الفاصل بين القانوني وغير القانوني؛ بما هو ممكن وما هو غير ممكن”.