يعاني الناس في مختلف دول العالم من ارتفاع تكاليف المعيشة يوما بعد يوم. ثمن كل شيء يرتفع بشكل جنوني، من أسعار السكر والأرز والزيت والفواكه والخضروات في البقالة، وحتى ثمن التدفئة أو التبريد في بيوتنا ومنازلنا.
ولا توجد دولة واحدة في هذا العالم نجت من ارتفاع الأسعار، من الدول الكبرى والغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي إلى الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا.
في الولايات المتحدة، مثلا، ارتفعت أسعار المستهلك عند مستوى لم تشهده أميركا منذ عام 1982، ومع هذا الارتفاع المهول زادت تكلفة كل شيء تقريبا، من حفاظات الأطفال إلى الغذاء وأسعار السيارات، وكذلك تكاليف النقل والعمالة، مما يجعل التضخم هو الكلمة الطنانة في الوقت الحالي، كما ذكرت شبكة “سي إن إن” (CNN) في تقرير لها مؤخرا.
أما في الدول النامية والفقيرة فالأمر أكثر سوءا بكثير، فقد ذكر تقرير صدر عن البنك الدولي في العام الماضي أن أكثر من 100 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وازداد الأمر سوءا هذا العام مع النقص الحاد في إمدادات القمح والغذاء بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
الجميع يعاني، والجميع يدفع المزيد والمزيد من الأموال كي يحصل على السلع الضرورية لاستمرار الحياة.
وما يزيد من تفاقم الأمر هو أن ارتفاع هذه الأسعار لم يرافقه ارتفاع مماثل في الرواتب والأجور التي بقيت على حالها تعاني كما يعاني أصحابها.
الكاتبان بيث تيمينز ودانيال توماس من شبكة “بي بي سي” (BBC) رصدا 7 أسباب وراء هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار، وذلك في تقرير موسع لهما مؤخرا، لنتعرف عليها:
ارتفاع أسعار الطاقة
تراجعت أسعار النفط في بداية الوباء، لكن الطلب عاد إلى الارتفاع منذ ذلك الحين، ووصل إلى أعلى مستوى له في 7 سنوات. وتبلغ تكلفة البنزين في الولايات المتحدة حاليا 5 دولارات للغالون في المتوسط، وذلك ارتفاعا من 2.39 دولار للغالون قبل عام، وتتكرر القصة في دول الاتحاد الأوروبي وباقي دول العالم.
كما ارتفعت أسعار الغاز أيضا تاركةً الناس في جميع أنحاء العالم يعانون من فواتير التدفئة المركزية التي أصبحت عالية بشكل لا يكاد يصدق.
كذلك قادت زيادة الطلب من الدول الآسيوية إلى ارتفاع الأسعار، إلى جانب شتاء بارد في أوروبا العام الماضي، مما أدى إلى استنزاف احتياطات الغاز في معظم الدول الأوروبية.
النقص الحاد في البضائع والسلع
المستهلكون الذين بقوا في منازلهم خلال فترة الإغلاق أثناء الجائحة شغلوا أوقاتهم بالإنفاق على الإصلاحات المنزلية والسلع اليومية، ولم يذهب عشرات ملايين العمال إلى المصانع التي أغلق معظمها، أو عمل بشكل جزئي أثناء فترة الإغلاقات الطويلة أيام الجائحة، وهذا أدى إلى نقص كثير من المواد التي كانت تنتجها هذه المصانع، مما أدى إلى ارتفاع أسعار معظم السلع، من البلاستيك إلى الخرسانة والحديد والصلب، وصولا للمواد الغذائية.
مثلا، ارتفعت قيمة الأخشاب بنسبة 80% عام 2021 في المملكة المتحدة عن قيمتها قبل الجائحة، ووصلت إلى أكثر من ضعف سعرها المعتاد في الولايات المتحدة، وقام كبار تجار التجزئة الأميركيين برفع أسعارهم بسبب ارتفاع تكاليف سلسلة التوريد.
كما حصل نقص شديد في “الرقائق الدقيقة” (microchips)، وهي مكونات حيوية في السيارات وأجهزة الحاسوب والسلع المنزلية الأخرى، وكل هذا أدى لارتفاع الأسعار في مختلف دول العالم.
برادات افرغت حمولاتها بانتظار تحميل بضائع أخرى. الجزيرة . الحدود الأردنية السورية معبر جابر – نصيب
تكاليف الشحن
لقد أنهكت شركات الشحن العالمية -التي تنقل البضائع حول العالم- بسبب ارتفاع الطلب بعد الوباء، وهذا يعني أن تجار التجزئة اضطروا إلى دفع الكثير من المال للحصول على هذه السلع وإيصالها للمحلات والمتاجر، وطبعا -وكما هي العادة دائما- تم تحميل هذا الفرق في أسعار الشحن للمستهلكين والناس العاديين.
مثلا، تبلغ تكلفة إرسال حاوية واحدة حجم 40 قدما من آسيا إلى أوروبا حاليا 17 ألف دولار، وهو أعلى بـ10 مرات مما كان في السابق عندما كانت التكلفة لا تزيد عن 1500 دولار فقط.
وصاحب هذا الارتفاع في تكاليف الشحن البحري ارتفاع آخر مماثل في تكاليف الشحن الجوي، ومما زاد من تفاقم المشكلة النقص في سائقي الشاحنات الذين سينقلون هذه البضائع من الموانئ والمطارات إلى مستقرها الأخير في المتاجر كي تصل للمستهلكين.
ارتفاع الأجور
استقال الكثير من الموظفين والعمال أثناء الجائحة أو تمت إقالتهم بسبب الإغلاقات الطويلة، كما انتقل عدد كبير منهم للعمل في مهن أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، استقال أكثر من 4 ملايين شخص من وظائفهم في الولايات المتحدة خلال شهر أبريل/نيسان الماضي فقط، وفقًا لوزارة العمل الأميركية، وهو أكبر ارتفاع في عدد العمال المستقيلين على الإطلاق. ونتيجة لذلك، تواجه الشركات مشاكل كبيرة في تعيين موظفين جدد مثل السائقين ومعالجي الطعام ونوادل المطاعم.
وأشارت دراسة استقصائية شملت 50 من كبار تجار التجزئة في الولايات المتحدة إلى أن 94% منهم يواجهون مشكلة في ملء الوظائف الفارغة التي يحتاجونها.
نتيجة لذلك، يتعين على الشركات زيادة الرواتب والأجور أو تقديم مكافآت مالية لجذب الموظفين والاحتفاظ بهم. مثلا، تقدم “ماكدونالدز” (McDonald’s) و”أمازون” (Amazon) مكافآت توظيف تتراوح بين 200 دولار وألف دولار.
وهذه التكاليف الإضافية لصاحب العمل يتم نقلها مرة أخرى إلى المستهلكين والناس العاديين، مما يقود إلى ارتفاع الأسعار.
التغير المناخي
أسهمت تقلبات الطقس المتطرفة في أجزاء كثيرة من العالم في زيادة نسبة التضخم، وارتفاع الأسعار. مثلا، تعرضت إمدادات النفط العالمية لضربة من الإعصارين “آيدا” (Ida) و”نيكولاس” (Nicholas)، اللذين ضربا خليج المكسيك وألحقا أضرارا بالغة بالبنية التحتية النفطية الأميركية.
وتفاقمت مشاكل تلبية الطلب على الرقائق بعد عاصفة شتوية شديدة أغلقت المصانع الكبرى في تكساس العام الماضي. كما قفزت تكلفة إنتاج البن في البرازيل، وهي أكبر منتج في العالم، بعد انخفاض الإنتاج في أعقاب أشد جفاف شهدته تلك الدولة منذ ما يقرب من قرن.
الحواجز الجمركية
انخفاض الإيرادات المالية بسبب الجائحة دفع عددا كبيرا من دول العالم لرفع الجمارك لتعويض النقص في موازناتها، وهو ما قاد إلى ارتفاع آخر في الأسعار، كما أسهمت بعض التقلبات السياسية في بعض الدول في زيادة الجمارك، مثلا قامت الولايات المتحدة برفع الجمارك على عدد كبير من السلع الصينية مما أدى إلى ارتفاع أسعارها على المستهلكين.
وفي هذا السياق، قالت شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هواوي” (Huawei) العام الماضي إن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الشركة في عام 2019 أثرت على الموردين الأميركيين والعملاء العالميين.
انتهاء الدعم المادي بعد الجائحة
تتراجع الحكومات في جميع أنحاء العالم عن الدعم الذي كانت تقدمه للشركات والأفراد للتخفيف من تأثير فيروس كورونا، حيث زاد الإنفاق العام والاقتراض في جميع أنحاء العالم أثناء الوباء. أدى ذلك إلى زيادات ضريبية أسهمت في ضغط تكلفة المعيشة، في حين ظلت أجور معظم الناس على حالها دون تغيير.
وفي الحقيقة، فإن انتهاء الدعم أدى إلى زيادة الأعباء والتكاليف على العائلات والأسر في مختلف أرجاء العالم.
المصدر : مواقع إلكترونية