نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده ديريك براون وديفيد شيبارد، تحدثا فيه عن “المهمة المستحيلة” للرئيس الأمريكي جو بايدن لتدجين أسعار النفط والمشاكل التي يواجهها.
فهو يأمل من رحلته إلى السعودية، أن يقنع قادتها بزيادة معدلات إنتاج النفط على أمل شلّ النفط الروسي. وقالت الصحيفة إن بايدن سيصل السعودية يوم الجمعة حاملا معه خطة من شقين تؤدي إلى تخفيض أسعار النفط ومعاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت نفسه.
فالشق الأول من الخطة، هو إقناع السعوديين بزيادة معدلات الإنتاج، أما الثاني فهو تحديد سعر أقصى لما يمكن لروسيا أن تبيع نفطها الخام من خلاله. ويقول مدراء شركات النفط التنفيذيين والمحللين لحركة سوق النفط، إن الخطة بشقيها تواجه مصاعب ومحفوفة بالمخاطر، وربما ارتدت عكسا، بشكل يدفع روسيا لخفض معدلات إنتاجها مما يرفع أسعار النفط. وقال بيل فارين- برايس، المدير في شركة الاستشارات “إنفيروس”: “إنها تشبه المهمة المستحيلة”، مضيفا أن الدول الخليجية الأعضاء في منظمة أوبك “ربما استنفدت طاقتها في العرض” وأن تحديد سعر أقصى هو بمثابة “مداعبة للخطر”.
وتراجعت أسعار النفط في الأيام القليلة الماضية لأقل من 100 دولار للبرميل بسبب المخاوف من ركود عالمي. لكن البيت الأبيض لا يزال قلقا من أثر منع الاتحاد الأوروبي تأمين البواخر المحملة بالنفط الروسي ودفعه للأسعار مرة أخرى، مما سيؤثر على حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وترى المحللة السابقة في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) ومديرة استراتيجيات البضاعة حاليا في “أر بي سي كابيتال ماركتس”، هيلما كروفت، أن أزمة الطاقة هي “بلا شك المحفز الرئيسي” لزيارة الرئيس الأمريكي للسعودية يوم الجمعة. وسيكون أول لقاء للرئيس بايدن مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منذ تعهده قبل 3 أعوام بجعل السعودية دولة منبوذة على خلفية مقتل جمال خاشقجي، الصحافي في “واشنطن بوست”.
وتقول الصحيفة إن بايدن ربما عاد بأقل مما يأمل بالحصول عليه، وذلك حسب أشخاص على معرفة بتفكير المملكة. فقد ارتفع إنتاج السعودية إلى 11 مليون برميل في اليوم أو أكثر من 10% من حجم الإنتاج العالمي، ووافقت المملكة على زيادة معدلات الإنتاج خلال الشهرين المقبلين. وهذا يعني قدرة إنتاجية بأقل من مليون برميل في اليوم من القدرة الرسمية للإنتاج، وستكون مترددة باستخدام المخزون المؤقت هذا.
ويقول كريستيان مالك، من جي بي مورغان: “السبب الرئيسي للحفاظ على قدرة احتياطية لأنهم خائفون من خسائر في أماكن أخرى”. وأضاف أن زيادة السعودية للإنتاج، ستترك القدرة الإنتاجية الفائضة لأوبك خفيفة، مما سيثير القلق في سوق ضيق أصلا.
وفي نهاية حزيران/ يونيو، سُمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يتحدث مع بايدن في قمة الدول السبع، بأن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد أخبره بأن الإمارات تنتج بـ”الحد الأقصى” وأن قدرة السعودية مقيّدة على المدى القصير. ويرى فارين- برايس: “لو كان بايدن يأمل بأن تؤدي رحلته للرياض لزيادة إنتاج النفط السعودي مباشرة، فإن أمله سيخيب”.
ومن المتوقع أن يطلب بايدن من دول الخليج شحن مزيد من النفط إلى أوروبا من أجل تعويض النقص في النفط الروسي. وعملٌ كهذا سيؤدي إلى دعم الخطة الأمريكية بتقييد سعر النفط الذي تحصل عليه روسيا بدون تخفيض كميات النفط المصدرة. وبدأت مجموعة الدول السبع الشهر الماضي باستكشاف فكرة والتي تعمل بالترادف مع خطة الاتحاد الأوروبي لوقف تأمين البواخر المحملة بالنفط الروسي الخام، والتي ستبدأ في كانون الأول/ ديسمبر. وسيتم استثناء المستوردين الذي يريدون مواصلة استيراد النفط الروسي لو اشتروه بسعر مخفض. ولوّح بايدن بالفكرة مرة ثانية يوم الأربعاء، مقترحا أن تحديد السعر هو طريقة أخرى لتخفيض أسعار الوقود التي حمّل بوتين مسؤولية ارتفاعها.
ويرى بعض المراقبين مثل غريغ كيندي، الخبير في النفط الروسي بمركز ديفيس في جامعة هارفارد، أن روسيا هي في وضع ضعيف عندما ستبدأ أوروبا بتطبيق المنع، خاصة إذا انضمت بريطانيا كما هو متوقع، وقال: “لو جمعت حجم التصدير الروسي إلى فترات الإبحار الطويلة للصين والهند، فستجد روسيا مشكلة في العثور على عدد كاف من الناقلات لنقل نفطها بالحجم الحالي”.
وفي مواجهة هذا الوضع، فقد تضطر روسيا إلى قبول الحد الأقصى للسعر الذي تبيع به نفطها، أو قد تضطر لإغلاق آبار النفط، بشكل يضر بقدرتها الإنتاجية على المدى البعيد. ومع ذلك، فهناك شكوك من مدراء الصناعة وكذا مسؤولين في إدارة بايدن. وقال مدير تنفيذي في الصناعة: “هل يحاولون تخفيض أسعار النفط أم موارد روسيا؟”.
وأي خطة تحتاج إلى موافقة كل من الهند والصين، البلدين المستوردين للنفط الروسي بكميات كبيرة، وسيتردد البلدان في قبول الشروط الأمريكية على علاقة الطاقة مع روسيا. ويرى إمريت سن، من “إنيرجي أسبكتس” أن ” معظم، إن لم يكن كل مشتري النفط الروسي بحاجة للتعاون في مجال تطبيق الحد الأقصى للسعر حتى تتأثر الموارد الروسية” و”لكن الصين وتركيا والهند ستتردد في الموافقة”.
ويرى إد مورس، مدير البضائع في أبحاث البضاعة بـ”سيتي” إنه بدون الصين والهند، فسيتأثر العدد المتناقص من المشترين الأوروبيين بالخطة، بشكل لن تطال عملية وضع حد أقصى للسعر إلا ثلث الصادرات الروسية. ويقول إن متابعة عمليات شحن النفط الروسي ستكون صعبة، لو استخدم المستوردون مخازن ومنشآت وعمليات شحن عابرة لإخفاء حركة براميل النفط الروسي.
وقال مورس: “المدهش هو كيف ستضع حدا أقصى على سعر شيء، وأنت لا تتحكم بالوسطاء”. وأضاف أن على صناع السياسة الأوروبية تحضير أنفسهم لانتقام روسي. وقد يشمل هذا رفض موسكو فتح خط نوردستريم 1 لألمانيا الذي أغلقته روسيا للقيام بعمليات الصيانة، وأوقف عمليات الإمداد من قازخستان.
وفي الحالة المتطرفة، يمكن لروسيا أن توقف تصدير النفط، وفي هذه الحالة فقد يرتفع سعر النفط إلى 380 دولارا للبرميل، أي ضعف سعره أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ويقول كيفن بوك من شركة الاستشارات في واشنطن “كليرفيو إنيرجي بارتنرز” إن “لدى روسيا فيتو في هذا” وأضاف: “فكرة أن نتجول حول العالم لقطع تدفق الموارد عن الكرملين، قد تكون تفكيرا خياليا وخطيرا”.