يحمل الحديث عن علاقة الدين بالسياسة إشكاليات كبرى لدول وعلماء السياسة في معظم أفرعها، حيث تثار أسئلة عدة نظرية وتطبيقية تحمل في جانب كبير منها تحيزًا كبيرًا سواء مع أو ضد العلاقة. وفي هذا الإطار، تناولنا في الجزء الأول من الدراسة محورين مهمين؛ الأول الإطار العام للعلاقة بين الدين والدولة في الفكر السياسى الإسلامي؛ حيث تم الانتهاء إلى ثلاثة اتجاهات تعرضها الدراسة مبتعدة تماما عن عرض أبعادها الشرعية؛ تحدثنا عن الدولة الدينية: وهو اتجاه يقوم على الخلط بين الدين والدولة ويجعل العلاقة بينهما علاقة تطابق، ثم الدولة العلمانية: وهو اتجاه يقوم ابتداءً على فصل الدين عن الدولة، وبالتالي رفض أن يكون الدين في صدارة المشهد السياسي، وأخيرًا مدنية السلطة ودينية التشريع: وهو اتجاه يقيم العلاقة بين الدين والدولة على أساس الارتباط لا الخلط والتطابق. والمحور الثاني تناول موضع الإسلام في الدول الآسيوية من حيث دخول الإسلام إلى القارة الآسيوية وعدد المسلمين فيها وبداية الإشكالية الحديثة بين الإسلام والدولة في آسيا في نظرة تحليلية خاصة بالواقع الآسيوي المختلف.
وفي هذا السياق، نتحدث في هذا الجزء عن بقية القضايا المتعلقة بإشكالية العلاقة بين الدين والدولة في آسيا، على النحو التالي:
نجحت الدول المسلمة في جنوب شرقي آسيا في دمج الإسلام في الحياة السياسية، بدرجة فاقت تجربة دول المركز في الشرق الأوسط
القسم الثالث: موقف الدول الآسيوية من الإسلام وقوى الإسلام السياسي
فصلت الدول الآسيوية خاصة المسلمة من خلال نخبها السياسية في تعاملها بين قوى الإسلام السياسي المعتدل والمتشدد وهو ما تتناوله الدراسة فيما يلي:
أولًا- موقف الدولة من قوى الإسلام المعتدل
وتتناول الدراسة فيما يلي كلا من ماليزيا وأندونيسيا فضلًا عن بعض دول آسيا الوسطى.
فقد نجحت الدول المسلمة في جنوب شرقي آسيا (خاصة ماليزيا وإندونيسيا) في دمج الإسلام في الحياة السياسية، بدرجة فاقت تجربة دول المركز في الشرق الأوسط. وقد لعب هذا الدمج دورا مهما في تقليل النزعة لدى شعوب المنطقة إلى تشكيل الحركات الأصولية. وقد أخذ هذا الدمج أشكالا ومستويات عدة، بدءا من السماح بتأسيس أحزاب سياسية إسلامية (حالة الحزب الإسلامي في ماليزيا Parti Si-Islam Malaysia( PAS) الذي تأسس في عام 1951)، وتشكيل الحركات الاجتماعية الدينية (جماعتا نهضة العلماء والمحمدية في إندونيسيا) والتي منحت أوضاعا قانونية، والمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، بحيث عملت تلك الأحزاب والجمعيات من داخل النظام السياسي ووفق قواعد اللعبة السياسية والأطر القانونية والدستورية القائمة.
وفي ماليزيا قد وصل هذا الدمج إلى المشاركة المباشرة في الحكومات، مثل انضمام الحزب الإسلامي في ماليزيا إلى الحكومة الائتلافية في عام 1974 وتشكيله الحكومة المحلية في ولاية كيلنتان في عام 1990 وولاية تيرينجانو في عام 1999، واستقطاب أنور إبراهيم، أحد قيادات ومؤسسي حركة الشباب المسلم بماليزيا (ABIM)، داخل حزب منظمة المالاي.
وقد مثلت انتخابات سنة 2004 مناسبة مهمة للتأكيد على تلك التصورات، إذ طرح حزب الامنو شعار الإسلام التقدمي مقابل شعار الإسلام للجميع الذي طرحه الحزب الإسلامي. كما انتقد أومنو الحزب الإسلامي بأنه حزب علماء دين، يفتقد إلى الكوادر السياسية القادرة على إدارة الدولة الحديثة. واستند أومنو في هذا الصدد إلى تجرية الحزب الإسلامي في إدارة الحكم المحلي في ولايتي كيلنتان وتيرينجانو، متهما الحزب بالفشل في إحراز تقدم محدد بشأن قضيتي التنمية والفقر. وقد لقي هذا النقد قبولا واسعا لدى الناخبين بما في ذلك المالاي، وأصبح هناك إدراك عام بضرورة ارتباط الطرح الإسلامي برؤية متكاملة وواضحة لقضية التنمية. وقد أدى تنامي هذا الإدراك إلى تراجع شديد في عدد مقاعد الحزب الإسلامي في تلك الانتخابات، سواء على مستوى مجالس الولايات أو مجلس النواب.
كما قام نظام محاضير بوضع عدد من السياسات للتأكيد على هويته الإسلامية، شملت الإعلان عن مراجعة النظام القانوني بما يضمن توافقه مع المبادئ والقيم الإسلامية، وزيادة حجم ومضمون البرامج الدينية في الإعلام المحلي، والإعلان عن إعادة الاعتبار للإسلام في مجالات التعليم والسياسة والإعلام والاقتصاد. كان أبرز تلك السياسات الإعلان عن إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الماليزي بحيث يصبح أكثر توافقا مع قواعد ومبادئ الإسلام، مثل التأكيد على مبدأ أن التنمية الاقتصادية لا يجب أن تكون على حساب التنمية الروحية، وتأسيس عدد من المؤسسات الاقتصادية الإسلامية مثل البنك الإسلامي والمؤسسة الاقتصادية الإسلامية، وطرح نظام للتمويل الإسلامي، وإنشاء إدارة تعزيز الإسلام تحت إشراف مكتب رئيس الوزراء مباشرة، والتوسع في إنشاء الجامعات الإسلامية وزيادة محتوى المقررات الدينية في المدارس والجامعات..إلخ، كما شاركت الدولة ذاتها في أنشطة الدعوة الإسلامية من خلال إنشاء منظمة الرفاه الإسلامية ومؤسسة الدعوة الإسلامية لتكون مسئولة عن تنسيق أنشطة الدعوة الإسلامية داخل ماليزيا، وزيادة مساحة البرامج الدينية في الإعلام، ولم تتردد الحكومة، ردا على مطالب العرقيات غير الإسلامية بتحقيق التوازن بين الديانات في البرامج الدينية في أجهزة الإعلام. في التأكيد على أن الإسلام فقط هو صاحب الحق في المساحة الإعلامية الرئيسية، بدعوى أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة وأن جميع المواطنين مطالبون بمعرفة القيم الإسلامية.
ولم يقتصر التوجه الإسلامي على السياسات الداخلية فقط، إذ امتد ليشمل السياسة الخارجية أيضا. فقد شكل الإسلام أحد أهم محددات تلك السياسة مع وصول محاضير محمد إلى السلطة بالمقارنة بعقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وشهدت توجهات السياسة الخارجية الماليزية ابتداء من عقد الثمانينيات تحولا مهما في الاتجاه نحو التركيز على دائرة الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي حاليًا) مقابل التراجع الملحوظ في الأهمية النسبية للعلاقات الماليزية مع الدول الغربية. وقد اتضح هذا التحول أثناء مشاركة محاضير في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في جدة في عام 1981 الذي دعا فيه الدول الإسلامية إلى تحويل شعاراتها إلى واقع مادي، واعتماد العالم الإسلامي على نفسه وتقليل الاعتماد على الغرب. وفي هذا السياق، أبدت ماليزيا مزيدا من الاهتمام بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي والجهاد ضد الاحتلال السوفيتي.
وتجدر الإشارة إلى أن ارتباط عملية دمج القيم والمبادئ الإسلامية بعملية التنمية والتحديث الاقتصادي والاجتماعي في الدول الآسيوية قد أسهم في تطور علاقة إيجابية بين هاتين العمليتين، والحيلولة دون تطور الإدراكات السلبية للإسلام لدى شعوب وحكومات المنطقة، أو إدراك الإسلام باعتباره تهديدا لعملية التنمية والتحديث.
جاء اتجاه نظام محاضير إلى احتواء الإسلام أو أسلمة السياسات الحكومة تحت تأثير عاملين رئيسيين اقتضيا ضرورة التوسع في تلك السياسة في محاولة للحفاظ على سيطرة حزب أومنو على الحياة السياسية.
العامل الأول: هو تصاعد ظاهرة الدعوة الإسلامية في ماليزيا، والتي شهدت نموا متسارعا مع بداية عقد الثمانينيات. وقد ارتبطت ظاهرة الدعوة الإسلامية بعدد من المؤسسات الدينية والحزبية، كان أبرزها مؤسسة دار الأرقم، وحركة الشباب المسلم بماليزيا والتي نادت منذ تأسيسها في عام 1971 بإقامة دولة إسلامية في ماليزيا، بالإضافة إلى نشاط الحزب الإسلامي في هذا المجال. وقد أدى انتشار ظاهرة الدعوة الإسلامية داخل ماليزيا إلى إثارة المخاوف لدى نظام محاضير، فكان من شأن اتساع تلك الظاهرة اتساع قاعدة الحزب الإسلامي على حساب حزب أومنو. ورغم أن معظم المنظمات الدعوية قد أكدت على أنها ليست جماعات ضغط سياسية وأنها لا تعدو كونها جماعات دينية ذات طابع ديني- اجتماعي بالأساس، فإن هذا لم ينف آثارها السياسية المحتملة آنذاك خاصة تأثير الأنشطة الدعوية لتلك الجمعيات على توسيع القاعدة الاجتماعية للحزب الإسلامي.
وفي الوقت نفسه، لم يستطع نظام محاضير الخضوع لتأثير تلك الظاهرة أو الذهاب بسياسة الأسلمة إلى حد إقامة دولة إسلامية أو تطبيق الشريعة، باستثناء إعلان الحكومة في مايو 1992 استعدادها لتطبيق الشريعة الإسلامية بشكل تدريجي استجابة لإعلان الحزب الإسلامي خطته لتطبيق الشريعة في ولاية “كيلنتان” بعد نجاحه في السيطرة على مقاعد الولاية في انتخابات 1990 والتي لم تخرج عن كونها محاولة لتحجيم نفوذ الحزب الإسلامي، فمزيد من عملية الأسلمة كان من شأنه أن يؤدي إلى تهميش غير المسلمين واستبعادهم. وفي هذا الإطار، اضطر نظام محاضير إلى اتباع سياسة مزدوجة إلى حد ما في التعامل مع ظاهرة الدعوة الإسلامية، ففي الوقت الذي اتجه فيه النظام إلى أسلمة سياساته، اتجه بدءا من التسعينيات إلى فرض المزيد من الضوابط والقيود على مؤسسات الدعوة الإسلامية.
العامل الثاني: هو تصاعد دور الحزب الإسلامي ونمو الاتجاهات المتشددة داخل الحزب، فقد استطاع الحزب أن يوجه انتقادات شديدة إلى حزب أومنو، منها اتهامه بالعلمانية والافتقاد إلى الشرعية الإسلامية بسبب موقفه من قضية الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة والحدود الإسلامية، والتأكيد على عدم قدرة أومنو على تحقيق إنجاز متوقع في هاتين القضيتين بسبب عدم قدرة الأخير على التخلص من قيود التوازنات والحسابات العرقية والدينية داخل المجتمع الماليزي. وقد حاول الحزب الإسلامي طرح نفسه كبديل لأومنو بما في ذلك بالنسبة للعرقيات غير الإسلامية من خارج المالاي، سواء من خلال التأكيد على أن الدولة الإسلامية لا تشكل تهديدا لغير المسلمين، أو من خلال التحالف المباشر مع بعض أحزاب الأقليات غير الإسلامية ذات القاعدة غير المالايوية. وكان التهديد الذي مثله الحزب الإسلامي أكثر وضوحا مع نجاحه في السيطرة على المجلس التشريعي لولاية كيلنتان في انتخابات 1990، وإعلان الحزب عن خطة لتطبيق الشريعة والحدود الإسلامية في الولاية، وإقرار البرلمان المحلي لتلك الخطة.
تقوم أيديولوجية البانكاسيلا على خمسة مبادئ عامة هي الألوهية الربانية، والإنسانية العادلة، وإندونيسيا المتحدة، والديمقراطية الموجهة، والعدالة الاجتماعية
ورغم النجاح الذي حققه الحزب الإسلامي في التأثير على السياسات الحكومة في ماليزيا فإنه أدى إلى تعميق الخلاف داخل المجتمع الماليزي وداخل القوى السياسية حول قضية الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة بما في ذلك داخل المالاي أنفسهم، خاصة بعد موافقة البرلمان المحلي لولايتي كيلنتان وتيرينجانو خلال التسعينيات على تطبيق الحدود الإسلامية ثم فشل الحزب في تطبيق تلك الحدود بسبب اصطدامه بالإطار الدستوري القائم، فتطبيق تلك الحدود كان يتطلب إدخال تعديلات مهمة على الدستور الوطني فيما يتعلق بقضية عقوبة الإعدام التي تعد قضية دستورية. ولم يستطع الحزب تحقيق تقدم جوهري سواء فيما يتعلق بمفهوم الدولة الإسلامية والتصورات العملية المطروحة لتطبيق الشريعة، أو فيما يتعلق بإقناع مسلمي ماليزيا بتصوراته بشأن تلك القضايا. ومن ثم، ظلت هناك مساحة فاصلة مهمة لدى الناخب بين تأييد الحزب الإسلامي وتأييد فكرة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وهو ما يثير بدوره التساؤل حول المصادر الحقيقية لتصاعد شعبية الحزب الإسلامي.
ويمكن أن نعزو تصاعد شعبية الحزب الإسلامي نسبيا إلى عدد من العوامل، أبرزها هو تصاعد التوجهات الدينية بشكل عام داخل المجتمع الماليزي، ونجاح الحزب في بناء علاقات جيدة مع المنظمات غير الحكومية بالمقارنة بحزب أومنو، وإبداء الحزب درجة كبيرة من المرونة النسبية وتفهم مصالح غير المالاي رغم استناده إلى المسلمين المالاي كقاعدة أساسية، ومن الأمثلة المهمة في هذا السياق إلغاء الحزب بعد توليه الحكم المحلي في ولاية تيرينجانو في عام 1999 السياسة المقيدة لحق المسيحيين في بناء الكنائس، والسماح للصينيين بتربية الخنازير، والتأكيد على المساواة بين مختلف الجماعات الإثنية. وأخيرا، يمكن الإشارة إلى موقف الحزب من المرأة، فباستثناء موقفه من قضية الحجاب، اتخذ الحزب موقفا عقلانيا إلى حد ما بخصوص دور المرأة، فقد أيد بقوة حق المرأة في الترشيح للبرلمان، والتمثيل داخل المستويات القيادية العليا للحزب حيث قام بتعديل ميثاقه بما يسمح بتخصيص أحد مواقع نائب رئيس الحزب للمرأة وزيادة عدد مقاعد المرأة داخل لجنة العمل المركزية للحزب(i).
وقد أدى توسع نظام محاضير في سياسة أسلمة السياسات والأجهزة الحكومية إلى خلق بيئة محفزة لنمو تلك السياسات على مستوى حكومات الولايات. كما لا يمكن فصل عملية التوسع تلك على مستوى الولايات بمعزل عن طبيعة النظام الفيدرالي. فقد وفر هذا النظام قدرا أوسع من الحرية لحكومات الولايات لاتخاذ مواقف أكثر تقدما من السياسات الحكومية المركزية بخصوص قضية تطبيق الشريعة الإسلامية والحدود. وقد أدت تلك المواقف إلى توتر في العلاقة بين الحكومة المركزية وبعض الولايات في الكثير من المناسبات. ومن أمثلة تلك الخلافات ذلك الذي نشأ بين الحكومة المركزية وحكومة ولاية سيلانجور في يونيو 1997 بسبب إقدام الأخيرة على القبض على ثلاث سيدات شاركن في إحدى مسابقات الجمال، بموجب قانون الجريمة الإسلامية الذي أصدرته الولاية في عام 1995. وعلى الرغم من الهجوم الذي شنه محاضير محمد ضد تلك الإجراءات وتحذيره من انتشار التطرف الإسلامي داخل المؤسسات الرسمية المحلية فإنه ووجه بهجوم مضاد من جانب رجال الدين داخل تلك الولايات، وظلت الضمانة الوحيدة لتأسيس دول إسلامية على مستوى الولايات وتطبيق الشريعة والحدود الإسلامية هى اصطدام قوانين الولايات بالإطار الدستوري القائم، على نحو ما حدث في ولايتي كيلنتان وتيرينجانو.
وفي هذا الإطار، ظل الاختلاف الجوهري بين أومنو والحزب الإسلامي يتعلق بقضيتي مفهوم الدولة الإسلامية، وتطبيق الشريعة والحدود الإسلامية. ورغم طرح أومنو لنفسه باعتباره أكبر حزب إسلامي في ماليزيا، فإن الخطاب السياسي للحزب حرص على تمييز نفسه عن الحزب الإسلامي، فطرح أومنو نفسه باعتباره تعبيرا عن الرؤية الحداثية المعتدلة للإسلام التي تكفل الدفاع عن الإسلام الصحيح، بينما رسم صورة للحزب الإسلامي باعتباره نموذجا للمعارضة الإسلامية الراديكالية التي تسعى إلى تغيير النظام القائم، والمحافظة بمعنى التقليدية التي تطرح رؤية خاطئة للإسلام.
وفيإندونيسيا اتجه الرئيس سوهارتو مع بداية تسعينيات القرن الماضي إلى كسب ود الحركات الإسلامية ومخاطبة الحس الديني للشعب ومحاولة امتصاص غضب التيارات الاسلامية المتشدد حيث اتخذ عديدًا من الإجراءات منها:
1. حظر الأنشطة والمؤتمرات الدينية غير المسايرة للخط العام للدولة.
2. إنشاء المؤسسة الخيرية الإسلامية.
3. تنفيذ حملة واسعة لإنشاء وترميم أكثر من 265 مسجدًا ووقفًا اسلاميًا.
4. إدخال المواد الدينية بصورةإلزامية في المدارس الحكومية مع السماح بإنشاء المدارس الإسلامية الخاصة.
5. تأسيس الاتحاد الإسلامي للمفكرين الإندونيسيين الذي جمع عديد من العناصر الإسلامية المعتدلة.
حيث أتبع كل هذابالتمسك بأيديولوجية البانكاسيلا كأيديولوجية أساسية للدولة ما زال يتمسك بها جميع رؤساء إندونيسيا منذ استقلالها عام 1945 إلى إعداد هذه الدراسة كما تم تضمينها في الدستور، وتقوم على خمسة مبادئ عامة هى الألوهية الربانية، والإنسانية العادلة، وإندونيسيا المتحدة، والديمقراطية الموجهة، والعدالة الاجتماعية، وهي مبادئ تم أخذها من الإسلام والنصرانية والبوذية، ويتم تدريسها في المدارس.
وبالانتقال إلى دول آسيا الوسطى يتبين أن واحدة من المشاكل التي تواجهها أوزبكستان تتمثل في تصنيف علمانية الحكومة، وهل هي نوع من العلمانية السلبية أم الإيجابية. فالدستور يبدو أنه يعزز الحياد الديني في الدولة ولكن منذ اعتماده، وضعت الدولة العديد من الأدوات القانونية الأخرى التي تتعامل مع التطرف الديني، مثل التعديلات على قانون العقوبات.
ومن أجل الوصول إلى قبضة قوية على النشاطات الدينية في البلاد، أقامت حكومة أوزبكستان هيئات دينية وجعلت هذه الهيئات تحت إدارة مجلس الوزراء (الحكومة) مباشرة، وعلى رأسها لجنة الشئون الدينية، التي تتألف من خبراء في مختلف المجالات، والتي تشرف على جميع الأنشطة الدينية في البلاد. وباستثناء الإسلام، هناك (16) ديانة معترفا بها رسميا في أوزبكستان، وأكثر من 2000 منظمة دينية مسجلة، والتي يجب أن تحصل على ترخيص من اللجنة.
وجدت العديد من المآخذ على مشاركة القوى الإسلامية في السلطة السياسية من أبرزها التشرذم والانقسام في التوجهات الإيديولوجية
ونظرا لكون الإسلام، يشكل دين غالبية السكان، فبطبيعة الحال يتمتع بموقف متميز، إذ يجب أن تكون جميع المساجد ومؤسسات التربية الإسلامية تابعة لمجلس مسلمي أوزبكستان، وهو هيئة تمثيلية تتكون من الأئمة والشيوخ من جميع مناطق البلاد. ويشرف المجلس أيضا على إعادة بناء وصيانة المساجد والأماكن المقدسة مثل المقابر وأضرحة الأولياء المختلفة. والأيديولوجية الرسمية لهذا المجلس هي الإسلام السني الحنفي -على الرغم من وجود أقلية صغيرة من الشيعة الإسماعيلية-، ويرأس هذا المجلس المفتي الذي يتم ترشيحه من قبل المجلس، بشرط موافقة الحكومة عليه.
وعامة تدل هذه الممارسات الحكومية على التوجه نحو مزيد من التدخل الحكومي في القضايا الدينية مما قد يفيد في فهم نظرة الحكومة الأوزبكية للعلمانية، والتي قد تبدو نوعا من السيطرة والهيمنة على الدين لصالح تقوية النفوذ الحكومي على حساب احتواء الدين.
في عام 1992، في مدينة نمنكان في وادي فرغانة، قامت مجموعة من الشباب المتشدد اسلاميا بالاستيلاء على مقر محلي للحزب الشيوعي السابق. وأجبروا الرئيس كريموف على الحضور إلى نمنكان، وهو ما فعله، واستمع إلى عدد من المطالب، بما في ذلك إقامة دولة إسلامية في أوزبكستان، واعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع.
وقد تشكلت في نمنكان منظمة الشباب المتشددة باسم “العدالة”، تحت قيادة الإمام الشاب طاهر يولداش وبقيادة هذه المنظمة انتشرت انتفاضة اسلامية في جميع أنحاء وادي فرغانة -وهي منطقة معروفة حتى في زمن الاتحاد السوفيتي بكونها معقل الحركات الإسلامية- وقامت هذه الانتفاضة بتحدي الحكومة علنا، وأعربت عن أملها في إسقاط نظام كريموف. ومع ذلك بقي نظام كريموف الذي ضرب بيد من حديد على هؤلاء المتشددين الاسلاميين، الذي اضطر الكثير منهم إلى مغادرة البلاد والانضمام إلى الحركات الجهادية في طاجيكستان وأفغانستان. وكان ذلك بداية عصر من التحول نحو مزيد من سيطرة الحكومة على الدين.
ثانيًا- موقف الدولة من قوى الإسلام المتشدد
فيإطار تتبع مواقف النظم السياسية الآسيوية من قوى الإسلام المتشدد تبين اتباع الحكومات سياسات عدة تراوحت ما بين الاحتواء والمجابهة.
أ. سياسة الاحتواء
استخدمت الحكومات في هذا الإطار أساليب عدة تراوحت ما بين احتواء المسلمين المنضمين إلى الحركات الإسلامية العنيفة، واحتواء هذه الحركات.
ففي مجال احتواء المسلمين: اتبعت الدول اساليب عدة تقوم على برامج للإصلاح الاقتصاديوالاجتماعي مع إضفاء بعدإسلامي على عديد من سياساتها. وذلك عقب أن تبين لها أن السببين الاقتصادي والديني يعدان من الأسباب الأساسية التي تجتذب أفراد الشعب إلى هذه الأحزاب والحركات الإسلامية والنماذج التي يمكن إيرادها بهذا الخصوص كثيرة من ذلك ماليزيا، وإندونيسيا، والفلبين.
أما في مجال احتواء الحركات الإسلامية: اتجهت الحكومات الآسيوية لاتباع هذه السياسة تحت ضغط عاملين أساسيين:
العامل الأول: الرغبة في الحفاظ على شكل الدولة وتماسكها القومي.
العامل الثاني: الضغوط الخارجية الموجهة بالأساس من الولايات المتحدة الأمريكية والموجهة لمعظم الدول والتي تتمثل في دعوة معظم الدول للحرب على الإرهاب وخاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث نشر في أكتوبر 2002 تقرير استخباراتي أمريكي يحذر الحكومة الأمريكية من تنامي خطر المد الإسلامي العنيف في عديد من الدول منها إندونيسيا وماليزيا والفلبين. وكان كولن باول وزير الخارجية الأمريكي قد زار بعض دول منطقة جنوب شرق آسيا بدأها بخطاب ألقاه من تايلاند في يوليو 2002 قال فيه “إن حكومات المنطقة عليها إبداء التعاون الوثيق لمكافحة الإرهاب الديني المتشدد”.
وتعد من أهم سياسات الاحتواء التي تتبعها الحكومات الآسيوية سياسة التفاوض مع الأحزاب والحركات الإسلامية لتحقيق عدد من مطالبهم التي يمكن تحقيقها، وهي السياسة التي بدأها ماركوس في الفلبين مع جبهة تحرير مورو الوطنية وحرص رؤساء الفلبين عليها.
ب. سياسات المجابهة
وهي سياسات تلجأ إليها الحكومات لمجابهة الحركات والأحزاب الإسلامية عندما تصل تهديدات هذه الحركات والأحزاب إلى حد زعزعة أمن واستقرار الدولةن حيث يتم اتباع وسائل عدة أبرزها التضييق القانوني والأمني التي تتمثل في السجن والإعدام والإبعاد مع حظر الحزب أو الحركة من ذلك الحكم الذيأصدرته المحكمة العليا في قازاقستان على حركة أوزباكستان الإسلامية، وحزب تركستان الشرقية الإسلامية بكونهما حركات إرهابية محظورة تقوم بأعمال تعارض الدستور(ii). ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أنه يوجد في آسيا الوسطى ما يقارب من عشرين تنظيمًاإسلاميًا سبعة منها فيأوزباكستان، وستة في قازاقستان، وأربعة في قيرغيزيا، واثنان في طاجكستان وواحد في تركمانستان وهي أحزاب لا تزال محلية وصغيرة والاستثناء الوحيد بينها ثلاثة أحزاب هي حزب النهضة الإسلامي (طاجيكستان) والحزب الإسلامي لتركستان (أوزباكستان) وحزب الاشى (قازاقستان)حيث تتصف هذه الأحزاب الثلاثة بوجود برنامج سياسي واضح، مع امتلاك وسائل إعلام خاصة، رغم عدم الاعتراف الرسميبها وقد أخذت على الرغم من ذلك في التوسع وخاصة في علاقتها بالعالم الخارجي عامة، والإسلامي خاصة.
القسم الرابع: موقف قوى الإسلام السياسي من الدولة
عقب توضيح الموقف العام من الدولة تجاه الدين الإسلامي، وقوى الإسلام السياسي تتبقى الإشارة إلى موقف هذه القوى من الدولة، وهي الناحية التييمكن تناولها بتوضيح موقف قوى الإسلام المعتدل، وقوى الإسلام المتشدد.
أولًا- موقف قوى الإسلام المعتدل من الدولة
اتجهت معظم هذه القوى إلى الدخول إلى ساحة العمل السياسي مستفيدة في هذا من التحولات الديمقراطية وهو المسلك الذي يعود لأسباب عدة من أبرزها:
أ. تلاقي المنطلقات الفكرية لبعض قوى الإسلام السياسي مع المناخ الديمقراطي
وهو السبب الذي قدم أرضية صلبة لقوى الإسلام السياسي من أصحاب الاتجاه المعتدل، حيث أوجد علاقة طردية بين عدد من مقولاتهم مع قيم التحول الديمقراطي وخاصة قيم التعددية والتدوال السلمي للسلطة وحكم القانون، هذا مع الالتزام خاصة فيإندونيسيا وتركيا على أن تدخل التعاليم الإسلامية فيتشريعات الدولة، وهو الأمر الذي اعتبرته إندونيسيا –كما سبقت الإشارة-مشكلة تخلق تمييزًا عنصريًابين أبناء الدولة، حيث آمنت اندونيسيا بضرورة توحيد التشريعات لتكون ملزمة للجميع ليس تحت سقف الدين الإسلامي ولكن تحت سقف العدالة والحفاظ على التعددية(iii).
ب- الاستفادة من عدد من متغيرات الواقع السياسي
استطاعت عدد من قوى الإسلام السياسي من تعزيز مكانتها فيعدد من دول جنوب شرق آسيا مستفيدة من عدد من إشكاليات ومتغيرات الواقع السياسي.
عند النظر إلى مساحة الخصوصية التي تتحرك في إطارها قوى الإسلام السياسي في دول جنوب شرق آسيا يبدو عدد من الفوارق التي تشير للتنوع والاختلاف في الدوافع التي دفعت هذه القوى للاشتراك في التحولات الديمقراطية.
ففيإندونيسيا خضعت قوى الإسلام السياسي بشقيها المعتدل والمتشدد تحت وطأة الضغوط التي مارستها عليها الحكومات، حيث حرصت هذه الحكومات على تحجيم اطار عمل قوى الإسلام السياسي خاصة في عهدي سوكارنو وسوهارتو، وهو الأمر الذي تغير في مطلع التسعينيات من القرن الماضي فمع انتهاء حكم سوهارتو تخلصت القوى الإسلامية المعتدلة من كثير من قيودها وراحت تنخرط في مسيرة التحولات الديمقراطية فخلال 3 أشهر بعد استقالة سوهارتو عام 1998 تأسس 42 حزبًا من بينهم 24 حزبًا اسلاميًا.
ومن ثم كان بدهيا أن تستفيد قوى الإسلام السياسي من هذه الانفراجة الديمقراطية التي شهدت إطلاق الحريات وأهمها حرية تكوين الأحزاب، ليس هذا فحسب بل إن الحكم الذاتي الذي طبقته الحكومة في أقاليم مثل عزب سومطره وأتشيه أغرى القوى الإسلامية ودفعها لمزيد من تطبيق الشريعة الإسلامية في هذه الأقاليم، وهو ما عد أداة لتقوية وتفعيل دور الإسلاميين في الواقع السياسي وتجلى ذلك في مطالبة بعض الأحزاب الإسلامية في البرلمان بتطبيق الشريعة الإسلامية.
كما أضافت الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد أحداث سبتمبر 2011 بعدًا دوليًا مهمًا حيث عملت الحركات الإسلامية المعتدلة بعد قيام الولايات المتحدة بغزو أفغانستان والعراق بتوظيف هذه الأعمال لتعزيز صورتها في المعادلة السياسية من خلال خطاب عام ساعد على تأجيج المشاعر الشعبية لصالحها مما دفعها لاستعادة جزء من شعبيتها المفقودة والدخول للعملية الديمقراطية دخول الواثق من النجاح.
ج- دور الموروث الحضاري والثقافي
عملت العوامل الحضارية والثقافية على تقديم المساعدة لقوى الإسلام السياسي لإيجاد موطئ قدم لها على الساحة السياسية، حيث استطاعت هذه القوى أن تستحضر من الإسلام عددًا من القيم الديمقراطية التي ساعدتها على الانخراط الإيجابي الفاعل في مسار التحولات الديمقراطية.
يضاف إلى هذا ارتفاع الوعي الثقافي والحضاري في عديد من دول جنوب شرق آسيا بفعل عوامل عدة أبرزها التعليم الذي أدى لتوسيع إدراك وتنامي وعي المسلمين بدينهم وقضايا العالم الإسلامي، وأسهم في بروز جيل من القادة والمفكرين الشباب الذين حاول بعضهم إبراز المنظور الفلسفي للقيم الدينية الإسلامية.
كما اتجه عدد من الأحزاب الإسلامية إلى تبني الصبغة الديمقراطية في برامجهم السياسية عبر مداخل علمانية من ذلك ما طرحه المفكر الإسلامي الإندونيسي نور كوليش في سبعينيات القرن الماضي من ضرورة الفصل الموضوعي بين الإسلام كدين والإسلام كبرنامج سياسي.
على الرغم من أن الإسلام واحد فإنه لا يمكن أن يكون له تطبيق واحد، فلكل دولة تجربتها ولكل نموذج خصوصيته
ثانيًا- موقف قوى الإسلام المتشدد من الدولة
على حين انتقل عدد قليل جدًا من الحركات والأحزاب المتشددة من صفوف التشدد إلى الاعتدال تمسكت معظم قوى الإسلام المتشدد بمنطلقاتها الفكرية وأدواتها الحركية في السباحة عكس التيار، ورفضوا منطق الدولة الذي ينادي باعتبار الإسلام المعتدل أحد المكونات الأساسية للدولة للحفاظ على تماسكها القومي، حيث عارضوا هذا بل وذهبوا إلى حد تأثيم فكرة الانتماء القومي على أساس مخالفته للشرع الذي هو أولى أن يتبع(iv).
وعليه تسعى هذه الحركات والأحزاب لتصعيد مقوماتها المسلحة ضد الدولة، وإن شاب هذا بعض فترات من الهدوء النسبي، حيث يتم الوصول إلى بعض اتفاقات التهدئة فتسود حالة مؤقتة من الهدنة ثم ما يلبث الصراع بين الطرفين أن يعود مرة أخرى. ففي تايلاند توجد ثلاث حركات رئيسة تتمثل في الحركة الثورية القومية، ومنظمة تحرير فطاني المتحدة، ومنظمة تحرير فطاني المتحدة الجديدة، تعمل هذه الحركات على مطالبة الدولة بإقامة دولة مستقلة في الجنوب يعيش فيها المسلمون لكى يعودوا إلى الوضع الذي كانوا عليه قبل قيام تايلاند بضم دولتهم، وهو يتبعون لتحقيق هدفهم الأساسي هذا أساليب عنيفة تتمثل في شن هجمات مستمرة ضد الحكومة(v).
القسم الخامس: أساليب تأثير قوى الإسلام السياسي المعتدل في تطور العملية الديمقراطية
دخلت قوى الإسلام السياسى في خضم العملية السياسية في دول جنوب شرق آسيا من خلال مسالك عدة يعد من أبرزها: العملية الانتخابية، المشاركة في السلطة السياسية، التأثير على الرأي العام.
1- العملية الانتخابية
استطاع عديد من قوى الإسلام السياسي، الاستفادة من المناخ المؤيد للتحول الديمقراطي بالدخول في سياق العملية الديمقراطية في إطار المنافسة الانتخابية.
وقد استطاعت بعض قوى الإسلام من الحصول على تأييد جماهيري لدورها الذي تقوم به على الساحة السياسية. فقد استطاع حزب العدالة والرفاة الإسلامي الإندونيسي من تحقيق عدد من المكاسب الشعبية ليس فقط بفضل برنامجه السياسي فحسب وإنما فضل بنيته التنظيمية ووضوح أفكاره.
إلا أنه وعلى الرغم من اشتراك عديد من قوى الإسلام السياسي في العملية الانتخابية، وجد عديد من المشكلات التي وقفت حجر عثره في وجه عديد من هذه القوى تتصل بالمشكلات التي تعاني منها الأحزاب السياسية في هذه الدول من ذلك غياب القيادة الموحدة، وتفرق القاعدة الشعبية بين عديد من القوى والتيارات الإسلامية، مع تغليب المصالح الضيقة الحزبية والشخصية على المصلحة الوطنية، وهي جانب من الأسباب التي تفسر تضاؤل وأحيانًا تراجع شعبية الأحزاب الإسلامية حتى في الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل إندونيسيا وماليزيا.
2- المشاركة في السلطة السياسية
استطاعت قوى الإسلام السياسي أن تصل إلى مقاعد السلطة التنفيذية والتشريعية في عدد من دول جنوب شرق آسيا المسلمة، في إطار النجاح الذي حققته في مجال السلطة التنفيذية ففيإندونيسيا استطاع الإسلاميون الوصول إلى الرئاسة وهي قمة السلطة التنفيذية لأول مرة في تاريخ إندونيسيا الحديث وذلك بعد فوز عبد الرحمن واحد في انتخابات 1999 حيث حظي اختياره بقبول الفرقاء السياسيين لما عرف عنه من مواقف معتدلة وداعمة لقضية التعددية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، حيث استطاع خلال فترة رئاسته تحقيق عديد من الإصلاحات الديمقراطية أبرزها توسيع هامش الديمقراطية من ذلك الاهتمام بملف حريات وحقوق الانسان، وتعزيز معايير الكفاية في تعيين موظفي الخدمة المدنية بدلًا من الاعتماد على معايير الولاء والانتماء الحزبي. هذا وإن انتهت فترة حكمه بتنازع الأحزاب الإسلامية فيما بينها وعدم القدرة على صيانة البناء الديمقراطي، فإنه وعلى الرغم من مشاركة القوى الإسلامية في السلطة السياسية (التنفيذية والتشريعية) فإنه وجدت العديد من المآخذ على مشاركتهم السياسية من أبرزها التشرذم والانقسام في التوجهات الايديولوجية الأمر الذي سحب من قدرتهم على التأثير السياسي، وقلل من دورهم في الاهتمام بعدد من القضايا الاسلامية العامة التي كانت تستوجب منهم الاهتمام بها.
3- التأثير على الرأي العام
إذ اتبعت قوى الإسلام السياسي عددا من الآليات التي تمكنها من الوصول للرأي العام للتأثير عليه من خلال اعتمادهم على طرق عدة أبرزها عدد من المؤسسات والجمعيات التي تقدم للمواطنين عددًا من الأنشطة الخدمية التي تلبي احتياجاتهم.
يضاف إلى هذا استغلالهم للمساجد كمنابر مهمة وخاصة في الدول غير المسلمة مثل الفلبين وتايلاند حيث تحولت المساجد لوسائل للتنديد بالممارسات القمعية للسلطات المركزية مع قيامها بدورها في ترسيخ قيم الحوار والتسامح والدعوة إلى احترام التنوع العرقي.
كما اعتبرت وسائل الإعلام والمظاهرات من الأدوات المهمة التي استخدمها قوى الإسلام السياسي لتعزيز نفوذها وتأثيرها لدى الجماهير.
القسم السادس : تقييم أثر قوى الإسلام في تطوير العملية الديمقراطية لدول جنوب شرق آسيا
وفقًالما سبق يتم فيما يلي عرض أهم الإيجابيات والسلبيات الناشئة عن تأثير قوى الإسلام السياسي على التحول الديمقراطي لدول جنوب شرق آسيا.
أولًا- الآثار الإيجابية
يمكن الإشارة لأهم هذه الآثار كالتالي:
1- المساعدة على ترسيخ وتنمية الوعي الديمقراطي من خلال عدد من الإصلاحات والمراجعات التي أجرتها لمنظومة القيم الآسيوية.
2- توسيع مجال المشاركة السياسية من خلال أربع نواحٍ أساسية:
أ. التغيير في عديد من القواعد واللوائح القانونية المنظمة للمشاركة السياسية.
ب. زيادة عدد القوى الإسلامية العاملة في الساحة السياسية فقد ارتفع عددها في إندونيسيا من ثلاثة أحزاب رئيسية في عهد سوهارتو إلى 181 حزبًا منها 40 حزبًا اسلاميًا.
ت. المساهمة في تفعيل مبدأ التداول السلمي للسلطة.
ث. المساعدة في تكريس مبدأ احترام حقوق وحريات الإنسان.
وهي عدد من الآثار الإيجابية المهمة التي أسهمت في ترسيخ وجود الأحزاب السياسية المعتدلة على ساحة دول آسيا المسلمة إلا أنه تبقى حقيقة أساسية يجب الإشارة إليها في هذا الصدد تتمثل في أن المواطن المسلم وإن أعطى صوته الانتخابي لهذه الأحزاب السياسية الإسلامية إلا أن معظم المواطنين يعطون الأولوية للاعتبارات القومية واعتبارات الأمن والاستقرارن وذلك عندما تتعارض مع الاعتبارات الدينية(vi).
ثانيًا- الآثار السلبية
يمكن تقسيم هذه الآثار إلى آثار داخلية وخارجية:
1- الآثار الداخلية
أ. الاصطدام بالنظام السياسي والتشكيك في توجهاته الإسلامية، وهي الناحية التي تدفع النظام خاصة في الدول غير المسلمة إلى اتباع عديد من السياسات العنيفة لمواجهة هذه الحركات والأحزاب كما أسلفت الدراسة.
ب. مساهمة الأحزاب والحركات الإسلامية في زيادة حدة التوترات الدينية والنزاعات العديدة التي تصل لحد الانفجارات الطائفية بين المسلمين المتشددين وغير المسلمين من ذلك ما يحدث في إندونيسيا حيث تتصاعد الهجمات على الأقليات المسيحية والشيعة وأتباع الطائفية الأحمدية.
ت. استمالة عدد من القادة الدينيين واستخدامهم لأهداف سياسية حيث تتم استمالة بعضهم كوسائل لتحقيق أجندات معينة ويرتبط بذلك استخدام بعض المنابر الإسلامية لدعم مرشحين سياسيين نظير مقابل مادي وهو ما يؤديإلى انعدام الثقة في هؤلاء. فعلى سبيل المثال، تأسس في إندونيسيا منتدى الشعب للتناغم الديني للتعامل مع مشكلات تتعلق بالعلاقة بين الأديان، والعمل على إنشاء مؤسسات دينية، غلا أن المنتدى تم استغلاله في عديد من الحالات من جانب السلطات المحلية لإغلاق دور العبادة(vii).
ث. أسباب تعود إلى تقاعس عدد من الأحزاب والحركات الإسلامية عن تطوير خطابهم الحزبي ليتلاءم مع ما تنتظره الجماهير منهمن بحيث يأتي الخطاب معبرًا عن قضاياهم ومشكلاتهم الحقيقية مع الاعتماد على الإنجاز كقيمة أساسية يسعون من خلالها لنيل القبول الجماهيري.
2- الآثار الخارجية
تتمثل في الضغوط لخارجية المتتالية التي تأتي بالأساس من الولايات المتحدة الأمريكية لإقصاء أو حتى تحجيم التيار الإسلامي حيث تتبع في هذا الصدد عديدا من الأساليب منها:
أ. محاولات لنشر الإلحاد خاصة في المعاهد والجامعات.
ب. جهود منتظمة متوالية لتنصير المسلمين حيث انطلقت في هذا الصدد معلومة في غاية الخطورة وتذهب إلى القول بوجود 2 مليون مسلم ينصّرون سنويًا في إندونيسيا، وهو ما جعل البعض يرى أن استمرار الحال لن يجعل إندونيسيا دولة ذات أغلبية مسلمة بحلول عام 2035.
يضاف إلى هذا حملات التنصير القوية في بنجلاديش والتي كان عدد النصارى فيها لا يزيدون على 50 ألف نسمة عام 1947، بلغوا عام 1971 نحو 200 ألف، ومع عام 2010 بلغوا 2 مليون، وذلك في إطار خطوات منظمة وأهداف معلنة من المنظمات التنصيرية التي تعهدت بتنصير 20 مليون بنجلاديشي عام 2020، حيث يعمل لهذا الهدف جيش من المنصّرين يصل عددهم إلى 30 الف منظمة منأبرزها منظمة الرؤية العالمية وكارتياس وجمعية الشبان المسيحية، حيث تشمل الأنشطة التنصيرية جميع الطوائف من المسلمين والبوذيين والهندوس والذين يدخلون المسيحية حلًا لمشكلاتهم الاقتصادية وأبرزها الفقر.
وعامة فمن المهم القول في هذا الصدد:إن هذه الأنشطة التنصيرية التي تحتاج دراسة منفصلة كاشفة للظاهرة لم تكن لتتم لولا الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر من الدولة(viii)
ت. الضغط على الأنظمة السياسية لمواجهة الحركات الإسلامية خاصة المتشددة واعتبارها تنظيمات إرهابية محظورة مثل جماعة أبو سياف والجماعة الإسلامية وجماعة مجاهدي ماليزيا فضلًا عن القاعدة.
حيث تريد واشنطن انتشار النموذج التركي للإسلام، وعليه تنظر إلى معظم الجماعات الإسلامية في منطقة جنوب رق ووسط آسيا نظرة واحدة سلبية مختزلة بذلك الفوارق الأساسية بينها،إذ تعتبرها اتجاهات مضادة لها وهو ما يجعلها تفرض أجندتها السياسية على النظم الآسيوية تحت دعوى مكافحة الإرهاب وهو ما يرتبط بالإستراتيجية الأمريكية المعروفة بشد الأطراف وخلق كيانات إسلامية معتدلة بديلة للكيانات الأكثر تشددًا في دول الشرق الأوسط، والتي تقوم على دعم الدول الإسلامية البعيدة عن مركز الدول الإسلامية، والتي يوجد بها أعداد كبيرة من المسلمين لضمان عدم ارتباطهم بحركات أو سياسات دول المركز. وعليه تتلاقى هذه الإستراتيجية الأمريكية مع مصالح عديد من دول آسيا غير المسلمة ومنها بنجلاديش التي يعمل نظامها السياسي –كما سبقت الإشارة- بعدائية شديدة ضد الجماعة الإسلامية، وهي الإستراتيجية ذاتها التي تؤيدها دولة مثل الهند التي تريد من دول الجوار أن تكون أكثر انصياعًا لسياساتها الإقليمية، حيث ترى في قوة الجماعة الإسلامية في بنجلاديش دعمًا وتواصلًا مع مسلمي الهند يؤثر سلبًا على ملفات عدة شائكة تعمل على عدم انفجارها كما في كشمير وعدد من الملفات التي تتصل بسعي مسلمي الهند وحكومة عوامي في بنجلاديش ضد الجماعة الإسلامية في الوقت الذي تحرص فيه على مد يد العون لكثير من الجماعات الصوفية والقاديانية الذين ترى فيهم أفرعًا للإسلام من تأثيره السياسي.
كما تسعى كل من بنجلاديش ومعها الهند وواشنطن للضغط على باكستان لتقليص مساحة الإسلام فيها، وتقليل دورها الإستراتيجي في الملفين الأفغاني والكشميري(ix).
الخاتمة:
يمكن القول في نهاية الدراسة:إن الجدل حول علاقة الدين بالدولة لم ولن ينتهين وإن كنا نأمل ذلك على ضوء حقيقة مهمة هي أن السياسة لا تنفصل عن الدين إلا أنها لا تتطابق معه، وعليه فيجب المزاوجة بين الدين والعقل من أجل أن يكون للدين دور في الدول المسلمة دون أن يتقيد هذا بأشكال تاريخية محددة فيجب أن يتميز بالمرونة، وهو ما أكدته لنا خبرة الفكر السياسي الإسلامي، وخبرة الدول الآسيوية المسلمة التي اتجهت لاعتبار الدين الإسلامي أحد المكونات الأساسية للثقافة السياسية وليس المكون الوحيد في إطار الرغبة في الحفاظ على التماسك القومي للدولة كهدف أعلى، وهي القيمة المحورية التي حكمت العلاقة بين الدين والدولة في هذه الدول وبرزت في الحفاظ على تماسكها وثقافتها القومية كونها دول متعددة الأعراق والأديان والثقافات، وعليه فقد تم دمج الإسلام في البيئة المحلية ومعه أديان أخرى كالمسيحية بأنواعها، والبوذية، والهندوسية وغيرها من أديان محلية، وهو ما جعل الإسلام –على نحو خاص- يختلف في فهمه وممارسته من منطقة لأخرى، فاختلط بالثقافة والقيم المحلية وأضحى أحد العناصر الأساسية المكونة للثقافة السياسية، وسمح له أن يمارس دورًا معتدلًا في الحياة السياسية، هذا مع الاستفادة على نحو خاص من قدرة المنظمات الدينية على أن تكون الأساس الناظم لإيجاد مجتمع مدني متسامح، فضلًا عن الموافقة المشروطة على تأسيس أحزاب اسلامية معتدلة وذلك وفقًا لما تراه النخبة الحاكمة.
وفي هذا الاطار يمكن القول إنه على الرغم من أن الإسلام واحد فإنه لا يمكن أن يكون له تطبيق واحد، فلكل دولة تجربتها ولكل نموذج خصوصيته وهي نماذج يعد المعتدل منها له أهميته ودلالته، حيث أخذت من الإسلام أساسًا للانطلاق الأيديولوجي وفق ممارسات عدة. وعليه فيعد من النقاط ذات الدلالة في هذا الصدد هو ضرورة الحكم وفقًا لمعرفة الأثر الإيجابي للإسلام من الناحية السياسية على مجال التحول الديمقراطي في الدولة، حيث إنه في الحالة الآسيوية برز هذا الأثر من خلال المساهمة بدور في ترسيخ الحياة الديمقراطية، وهي ناحية مهمة يمكن ان تستفيد منها النظم في الدول الآسيوية في مجال تكثيف الجهود لدمج القوى الإسلامية في الحياة السياسية، وهو ما يمكن ان يساعد في مجال تقليل حدة وجود وانتشار الاتجاهات الإسلامية المتشددة وعملها على إيجاد مزيد من الأنصار، إذ يجب أن يسعى القائمون بالأمر على السماح بنشر صحيح الدين الإسلامي وإزالة ما به من مغالطات وشبهات من جراء تيارات عدة عمدت لمحاربة الإسلام وتشويهه جاءت من الداخل والخارج، وإن كان الخطر الحقيقي يأتي من الداخل سواء بقصد أو دونه، وعليه فإن سمحت النخبة السياسية للإسلام أن يظهر بصورة صحيحة سيظهر بشكل معتدل، وإذا دخل مجال السياسة سيكون إضافة ونهوضًا، وليس نقصًا أو تخلفًان وذلك على ضوء حقيقة مهمة نبعت من واقع التاريخ الإسلامي هي أن الصراع على الحكم في معظم فترات هذا التاريخ الإسلامي لم يكن صراعًا بين سياسيين غير مختلفين على مرجعية الأمة الثقافية والتي يشكل الدين الإسلامي عمودها الأساسي. وهو ما يثير سؤالًا مهمًا وهو لماذا أصبح الصراع اليوم بين المتمسكين بمرجعية الأمة الثقافية وبين الرافضين لها باعتبارها -كما يرددون- سببًا لتخلف الأمة، وهو الصراع الذي اتسع مجاله وأصبح صراعًا بين منظومات قيمية امتدت من الداخل إلى الخارج على المسرح العالمي؟ وهو سؤال مهم لكن يخرج مجال الاجابة عليه عن نطاق الدراسة الحالية.
المصادر
- Mohammad Hashim , ” Islam in Southeast Asia: Political, Social and Strategic Challenges for the 21st Century”, (Singapore: Institute of SEA Studies, 2005), pp 263-270.
ii- د/ ماجدة صالح، “الحركات الانفصالية في دول آسيا الوسطى”، في د/ هدى ميتكيس، آسيا الوسطى والتنافس العالمي، (القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية، 2008)، ص 102 – 103.
iii- Shireen T. Hunter, Miriam Mahlow, “Post Suharto Politics in Indonesia: what Role For Islam?”, (Washington D.C: Center for Strategic and International Studies, Vol no. 2, July 1998), p.6.
iv- ليث الشبيلات، “الحركات الإسلامية والدولة المدنية”، رؤية تركية، خريف 2012، ص 169-170.
v- Southern Thailand : moving towards political solutions?, Asia Report No. 181, International Crisis Group, Bangok/ Brussels, 8 December 2008.
Kristen Eichonsehr and W. Michael Reisman: Stopping Wars and making peace: Studies in International intervention, International Humanitarian Law series, MartinusNijhoff Publishers, Netherland, 2009, pp 159-160.
vi- انظر اتجاهات التصويت في الانتخابات البرلمانية الإندونيسية، رؤية مقارنة بين عامي 1999 و 2004
vii- HenricikOhlsson, “Islam and Secular State in Uzbekstan: State Control of Relegion and its Implications for the understanding of Secularity”, available at: http://asiecentrale.revues.org.
viii-رضا عبد الودود، “علمنة دستور بنجلاديش: هل تمهد لمخطط تنصير 20 مليون في 2020 “، متوافر على الرابط التالي: almoslim.net/node/159852
ix- المرجع السابق
أ.د. ماجدة علي صالح
المركز العربي للبحوث والدراسات