جاء التدخل الروسي العسكري على الاراضي السورية ليشكل منعطفا جديدا وخطيرا في حل المشكل السوري ويعطي انطباعا سياسيا حول الستراتيجية السياسية والعسكرية التي تسعى اليها القيادة الروسية في منطفة الشرق الاوسط ولتؤشر حقائق ونقاط مهمة اصبحت اكثر وضوحا بعد ان امتد التدخل الروسي ليشكل حالة جديدة وواقعية ارغم الجميع على التعامل معه بحذر ودقة ،ولكن لو نظرنا الى هذا التدخل والتفويض الذي اعطي للحكومة الروسية من قبل الكرملين واعلانه منح الرئيس فلاديمير بوتين تفويضا بنشر قوات عسكرية في سورية بعد ان طلب رئيس النظام السوري بشار الاسد تقديم مساعدة عاجلة له تنفيذا للاتفاقية المشتركة بين البلدين ، فسنرى ان ما حصل هو سياسة جديدة ونظرة ستراتيجية احكمتها ظروف المنطقة وبعد تداعي الموقف الامريكي وضعف الدعم الموجه لمقاتلي المعارضة السورية وانكسار وانحسار تواجد الجيش السوري على الاراضي السورية وظهور ملامح التهديد باسقاط النظام واستمرار النزيف الدموي وسقوط العديد من القيادات العسكرية السورية ومقتل الكثير من مقاتلي حزب الله اللبناني ومقاتلي المليشيات العراقية والايرانية في المواجهات المستمرة مع مقاتلي وفصائل المعارضة السورية ، وشعور اركان النظام السوري بان الوضع في سورية اصبح يعاني مأزقا سياسيا ووضعا عسكريا صعبا يهدد كيانهم وبقائهم.
وعليه يمكن قراءة المشهد السياسي السوري واسباب التدخل الروسي العسكري بعد مضي أكثر من شهر على هذا الاجراء العسكري وفق المعطيات التالية :
1.ضعف الدور الامريكي وتراجعه على الارض السورية وعدم جدية واشنطن في التعامل مع قيادات المعارضة السورية وضعف الدعم العسكري الذي يتلقاه مقاتلي المعارضة.
2.عدم جدية التحالف الدولي في مواجهة تمدد وانتشار مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية وانحسار ضرباتهم وضعف تأثيرها في اصابة اهدافهم العسكرية بدقة اضافة الى عدم وجود ألية ستراتيجية واضحة في معالجة الاهداف الميدانية لتنظيم الدولة الاسلامية.
3.جاء التدخل الروسي ليقوض السياسة الستراتيجية العسكرية التي يتبعها التحالف العربي الدولي ضد نظام الاسد ممثلة بالدعم السعودي الخليجي الاوربي الامريكي ويضعف من فعالية هذا التحالف على الارض السورية.
4.الحفاظ على وحدة التراب السوري ومنع الدولة السورية من التشتت والضياع والتفكك والانقسام حسب المنظور الروسي ، وهذا ما اكده الرئيس بوتين في كلمته التي القاها في (نادي فالداي الحواري) بتاريخ 24 تشرين الاول 2015 عندما اشار الى(ان الارهابين كانوا قاب قوسين او ادنى من العاصمة السورية) 5.شعر الروس ان حليفهم الستراتيجي في منطقة الشرق الاوسط اصبح اكثر ضعفا وانكساراوبغية الامساك به والحفاظ على مصالحهم بالمنطقة عمدوا للتدخل العسكري الذي يوازي حفاظهم على النظام السوري مع ستراتيجيتهم الجديدة في التعامل مع تطورات الاحداث في المنطقة.
6.تغيير الواقع العسكري والميداني على الساحة السورية الذي فرض قيام القوات الروسية الجوية بتوجيه ضربات على مواقع جميع مقاتلي المعارضة السورية ولو انهم يشيرون ببياناتهم الى استهدافهم لقواعد وانتشار مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية.
7.استطاعت القيادة الروسية من ايجاد موقع مهم ومتقدم لها في ان تعيد لنفسها موقعها ومكانتها كلاعب اساسي في منطقة الشرق الاوسط وجعل اللاعبين الاخرين ينظرون الى هذا التغيير بشكل سليم فرض عليهم ضرورة التعامل معه بواقعية وجدية.
8.جعل الولايات المتحدة الامريكية تستخدم اعلى درجات المرونة السياسية في التعامل مع الشأن السوري بعد الوجود الروسي مما شكل ضمانة اساسية لنجاح اللقاء التشاوري الذي جرى في فيينا بتاريخ 30 تشرين الاول 2015 وقبول الامريكان ببعض المعايير والاهداف التي سعى اليها الروس في تعزيز دورهم في المسألة السورية،ومنها ان يقرر الشعب السوري مصير الاسد وان يكون له دور في المرحلة الانتقالية القادمة.
فهل تسارع الاحداث في سورية وقرب انعقاد اللقاء التشاوري الثاني في فيينا سينبئ بوقائع جديدة ومواقف سياسية تعيد رسم الخارطة السياسية في منطقة الشرق الاوسط من جديد، هذا ما سنرا في الايام القادمة .
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية