الطائرات الإيرانية المسيّرة إلى روسيا: القدرات والقيود

الطائرات الإيرانية المسيّرة إلى روسيا: القدرات والقيود

يبدو أن عملية النقل المحتملة للطائرات بدون طيار من إيران إلى موسكو ليست حلاً مؤقتاً إلى أن تصبح الطائرات الروسية المسيّرة المتطورة جاهزة فحسب، بل تشير أيضاً إلى أن إيران قد غيّرت سياستها نحو الدعم العسكري النشط لحرب روسيا في أوكرانيا.

خلال الشهر الماضي، كشف مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جيك سوليفان عن معلومات استخباراتية رُفعت عنها السرية حول خطط إيرانية لنقل مئات الطائرات القتالية بدون طيار وغيرها من المركبات الجوية غير المأهولة إلى روسيا، وتدريب المشغلين الروس في الجمهورية الإسلامية. كما نشرت إدارة بايدن صوراً التقطتها الأقمار الصناعية والتي أفادت بعض التقارير أنها تعود لوفد عسكري من الكرملين يزور “قاعدة الشهيد عبد الكريمي” للمركبات الجوية في وسط إيران، التي تديرها “القوات الجوية” في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ويُعرف عن المنشأة، التي تتشارك مدرجها مع مطار شبه مدني في كاشان، أنها شاركت بشكل كبير في عمليات نفذتها طائرات إيرانية بدون طيار وأخرى تابعة لوكلاء إيران في سوريا ومناطق أخرى.

ولم يتمّ الكشف بعد عن شروط الاتفاق الدقيقة، لذلك من غير الواضح ما إذا كان سيتمّ بيع الطائرات المسيّرة مباشرة إلى روسيا أو إعارتها لها، أو نقلها إليها بشكل دائم باعتبارها مدفوعات جزئية لديون طهران النووية الكبيرة لموسكو. وعلى أي حال، تشير عملية النقل المقترحة إلى أن مشاكل سلسلة الإمداد الناتجة عن العقوبات وغيرها من القضايا تعيق الإنتاج المحلي للطائرات بدون طيار في روسيا، التي كانت متأخرة أساساً في هذا المجال للأسباب التي سترد أدناه. كما تُظهر استعداد طهران لتقديم دعم عسكري كبير على الرغم من احتمال حدوث تداعياتسياسية سلبية على إيران، وهو خطر قد تقابله إمكانية تعزيز الصناعات العسكرية الإيرانية ودعمها.

لماذا تحتاج موسكو إلى طائرات إيرانية مسيّرة؟

على مدى العقد الماضي عملت كل من روسيا وإيران على توسيع قدراتهما في مجال الطائرات بدون طيار، وذلك بعد أن نجحت موسكو في اكتساب خبرة قتالية في شبه جزيرة القرم ودونباس منذ عام 2014، وبعد أن راقبت طهران مدى فعالية الطائرات المسيّرة التابعة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. وتستخدم إيران أيضاً الطائرات المسيّرة بشكل متزايد في حربها غير المتناسقة.

وفي خضم هذا التطور، أنتجت صناعة الطائرات بدون طيار في إيران مجموعة كبيرة من النماذج الاستطلاعية والهجومية والانتحارية، والتي تمّ تصدير بعضها إلى دول أخرى (على سبيل المثال، إثيوبيا وطاجيكستان وفنزويلا). ففي تشرين الأول/أكتوبر 2013، قدّمت القوة الجيوفضائية في “«الحرس الثوري» الإيراني طائرة “ياسر” – وهي طائرة استطلاع صغيرة مسيّرة على طراز طائرة “سكان إيغل” الأمريكية – هدية إلى قائد “القوات الجوية الروسية” أثناء زيارته لإيران.

وبالمثل، تسعى روسيا إلى أن تصبح قوة رئيسية في مجال الطائرات بدون طيار، وتعمل مجموعة ” كرونشتات” حالياً لإكمال خط الإنتاج الحديث الأول في البلاد لصناعة طائرات مسيّرة كبيرة في دوبنا. ومع ذلك، نظراً لأن وتيرة تطوير موسكو لهذا القطاع كانت بطيئة، فقد لجأت حالياً إلى طهران لتلبية احتياجاتها العاجلة من الطائرات المسيّرة في أوكرانيا، والتي تشمل نماذج استطلاعية حربية وربما حتى الطائرات المسيّرة الانتحارية.

وبالفعل، تلعب الطائرات بدون طيار دوراً أساسياً في الحرب الراهنة، كما أن تسيير عدد كبير من الطائرات المسيّرة الجديدة فوق ساحة المعركة قد يمنح روسيا النوع نفسه من الدعم النفسي والتكتيكي الذي تمتعت به القوات الأوكرانية عندما بدأت باستخدام الطائرات المسيّرة “بيرقدار” المستوردة من تركيا. وقد تأمل موسكو حتى في تغيير مسار الصراع بأكمله باستخدام الطائرات بدون طيار على نطاق أوسع. ومع ذلك، لمّ يتمّ بعد إنتاج التصاميم الروسية الحديثة، ناهيك عن دخولها الخدمة الفعلية، بما في ذلك النماذج القتالية على غرار  طائرة “أوريون-إي” و” إنوخوديتس-آر يو” (“سيريوس”) و”هيليوس – آر إل دي” و”غروم” و”مولنيا” والتي تتميز بأداء أفضل بكثير، وتتمتع بحمولات أكبر، وقدرات اتصال عبر الأقمار الصناعية لمدى أطول. ويتم استخدام [طائرات] الذخيرة المتسكعة “زالا/كلاشنكوف كاي يو بي” في أوكرانيا، لكن قصر مداها ورأسها الحربي الصغير يجعلانها أقل كفاءة من التصاميم الإيرانية المشابهة. باختصار، بإمكان الطائرات المسيّرة الإيرانية أن تكون حلاً مؤقتاً مثالياً إلى أن تصبح الطائرات “الحقيقية” الروسية قابلة للاستخدام.

ما الذي يمكن أن تقدمه إيران

بإمكان إيران توفير مجموعة متنوعة من الطائرات المسيّرة المتعددة الأغراض لروسيا:

  • “شاهد 129″، وهي طائرة استطلاع وهجوم بدون طيار تتمتع بقدرة تحليق طويلة (تصل إلى 24 ساعة وفقاً لبعض التقارير)، وحمولةقصوى تصل إلى 400 كلغم، ويصل مداها الفعلي إلى نحو 2000 كيلومتر عند استخدامها عبر محطات ترحيل برية أو جوية (تفتقر نسختها الأساسية إلى قدرة الاتصال عبر الأقمار الصناعية)
  • طائرة “مهاجر 6” المتوسطة المدى (يبلغ مداها 200 كم، وحمولتها 40 كغم، وقدرة تحليقها 12 ساعة)
  • طائرة “شاهد-123″ الأصغر حجماً و”شاهد-131/136″ الموجهة بدقة و”كيان-2” (التي يبلغ مداها 1500-2000 كم، وفقاً لبعض التقارير)
  • “أبابيل-3” (انظر أدناه)

وتشمل طلبية روسيا الحالية على ما يبدو تسليمها مباشرة طائرات “أبابيل-3” بدون طيار ذات المدى المتوسط الذي يتراوح بين 50 و100 كلم من صنع “شركة صناعات الطائرات الإيرانية” ويستخدمها حالياً «الحرس الثوري» الإيراني و “القوات المسلحة الوطنية” (“أرتيش”). وكان هذا النوع قيد الإنتاج في منشأة “شاهين شهر” التابعة لـ “شركة صناعة الطائرات الإيرانية” بالقرب من أصفهان منذ عام 2010 على أقل تقدير، ولكن من غير المعروف ما هي نسبة الطائرات المسيّرة الجديدة ضمن طلبية روسيا. ونشر الجيش الإيراني الكثير من هذه الطائرات المسيّرة بطراز “أبابيل-3” الأصلي، والنسخة المحدثة قليلَا منها “A3N”، ونموذج “أبابيل-4″، وذلك باستخدامها لتنفيذ هجمات ولأغراض المراقبة/رصد المدفعية. وبالنسبة للهجمات المفاجئة، يمكن لطائرة “أبابيل-3” بدون طيار حمل قنبلتين موجهتين صغيرتي القطر من نوع “قائم” تتمتعان برأس حربي وزنه 1.7 كلغم وبمدى يصل إلى 6 كلم، أو صواريخ “ألماس” الموجهة المضادة للدروع بمدى يصل إلى 8 كلم. ويصل المدى الأقصى للطائرة بدون طيار إلى 250 كلم، ويمكن أن تحلق لفترة تصل إلى 8 ساعات وعلى ارتفاع 5 كلم وفقاً لبعض التقارير.

والجدير بالذكر أن طائرة “أبابيل-3” المسيّرة تعمل بمحرك “MD550” رباعي الأسطوانات من صنع شركة “مادو”، وهي نسخة أدنى أقل جودة من محرك “L550e” من صنع شركة “ليمباخ” الألمانية تستخدم قطع صينية وتُجمع في الصين. وتُعتبر حالياً “شركة أوجي بارفاز مادو نفار” التابعة لـ «الحرس الثوري»، ومركزها في مدينة “شكوهية” الصناعية شمال غرب قم، أكبر منتج لمحركات المكبس المستخدمة في الطائرات بدون طيار في إيران. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الشركة ومدرائها بسبب تصنيع محركات وقطع للصناعة العسكرية وقطاع الطائرات بدون طيار في إيران.

ويقيناً، ربما لا يمكن للمصانع الإيرانية تصنيع طائرات بدون طيار جديدة بالسرعة الكافية لتلبية الطلب الروسي الملح. فحتى لو أنتجت بطاقتها القصوى في خطوطها الإنتاجية الثلاثة للطائرات المسيّرة العاملة أو العاملة جزئياً بالقرب من طهران وأصفهان، فقد تضطر إلى استيراد أو تصنيع الكثير من الأجهزة الإلكترونية وقطع المحركات. وبالتالي، من المفترض أن تتمّ تلبية قسم كبير من طلبية روسيا من المخزون الحالي. وبالنظر إلى أن الاتفاق يتضمن “مئات” الطائرات المسيّرة وفقاً لبعض التقارير، فسوف تستغل إيران بشكل كبير قواتها الجوية وترسل مزيجاً من أنواع مختلفة.

وسيؤدي استلام مجموعة مختلطة من الطائرات بدون طيار أيضاً إلى إطالة فترة تعريف العناصر الروسية إلى الطائرات وتدريبهم عليها، كما سيعقّد عملياتها. فلكل مجموعة من طائرات “أبابيل-3” المسيّرة المكونة من 100 طائرة، يتعيّن على إيران تدريب 200 طيار واختصاصيي اتصالات، وفنيين، ومسؤولين روس عن حركة الطائرات، علماً أن كل دورة تدريب لن تستغرق أكثر من أسبوعين على الأرجح. بالإضافة إلى ذلك، على إيران توفير أعداداً كافية من المحطات المتنقلة للقيادة والتحكم والاتصالات، وإلا فلن تتمكن روسيا من استخدام الطائرات بدون طيار بكفاءة في ساحات القتال الأوكرانية الواسعة الانتشار. ويمكن لكل محطة إيرانية التحكم بطائرة مسيّرة واحدة في الوقت نفسه.

أما بالنسبة إلى طاقم العمل الإيراني، فسيتمّ إرسال عدد كبير نسبياً من الفنيين والمهندسين إلى روسيا – وربما أوكرانيا – من أجل التعامل مع مشاكل توحيد استخدام المعدات والبرمجيات. وعلى الرغم من أن ذلك قد يعرّض الإيرانيين للخطر، إلا أن وجودهم قد يبدد العقبات التي قد تواجهها روسيا عند إدماج منظومات الأسلحة الجديدة من مزودين جدد في ظل ظروف القتال. ولا شك أن طهران ستحاول التقليل من التداعيات المحلية لأي ضحايا من خلال إخفاء الأمر.

الخاتمة

إذا تم تسليم شحنات الطائرات بدون طيار الإيرانية إلى روسيا، فستكون على الأرجح انطلاقة لمزيد من التعاون العسكري الثنائي في أوكرانيا. ولم يتضح بعد ما إذا كان هذا التعاون سيؤدي في النهاية إلى قيام «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني بنشر قواته الوكيلة في جبهات القتال الأوكرانية، لكنه قد يفسح المجال في الوقت نفسه أمام تسليم أسلحة أكثر إثارة للجدل مثل الصواريخ الباليستية الإيرانية القصيرة المدى. ونظراً لتضاؤل ​​مخزون روسيا من صواريخ “اسكندر” الباليستية وصواريخ كروز، فإن تدفق الذخائر الإيرانية سيمكّنها من ضرب المزيد من الأهداف الطويلة الأمد والمهمة في أوكرانيا.

وستتماشى عمليات تسليم مماثلة أيضاً مع الرؤى الاستراتيجية للقيادة الإيرانية بشأن تنافس القوى العظمى مع الولايات المتحدة. ففي 21 تموز/يوليو، أشار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري، إلى مدى سرور طهران لكون روسيا تخرج من “همودها” وتواجه بفعالية “سياسة حلف «الناتو» التوسعية نحو الشرق”، في إشارة إلى أوكرانيا. وفي رأيه، ستتزامن “الفترة الانتقالية” الحالية مع “تراجع القوة الأمريكية”.

وبالمثل، أشادت افتتاحية نشرتها صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي في 24 تموز/يوليو بالغزو الروسي كإجراء “استباقي” منع حلف “الناتو” من القيام بأعمال عدائية في شبه جزيرة القرم وحتى في إيران. ووفقاً للمتشددين في الدائرة المقربة من خامنئي، فإن حرب أوكرانيا هي استمرار للنزاعات التي يقودها “محور المقاومة” في العراق وسوريا، لذلك يجب دعم جهود روسيا – بواسطة الطائرات المسيّرة والفنيين المتخصصين بها في الوقت الحالي.

معهد واشنطن