العراق.. من الدولة الفاشلة إلى الكيان الهش

العراق.. من الدولة الفاشلة إلى الكيان الهش

630

من مظاهر الدولة الفاشلة عدم قدرتها على تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي وعجزها عن تحقيق التنميةوالعدالة الاجتماعية، فما بالك بـالعراق، حيث يضاف إلى ذلك شح المشاركة السياسية الحقيقية باستمرار الظاهرة الطائفية.

هذا فضلا عن عدم التمكن من إنجاز المصالحة الوطنية الحقيقية، الأمر الذي أدى إلى انحداره تدريجيا من الدولة الفاشلة إلى الدولة الرخوة والكيان الهش المعرض للتفتت.

نقول إن العراق دولة رخوة وكيان هش، وقد بدأ يتحلل بشكل خاص منذ الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، حيث بدأت بعض الإرهاصات الطائفية تأخذ طريقها إلى الممارسة السياسية بتهجير عشرات الآلاف من العوائل العراقية إلى إيران بحجة التبعية الإيرانية وضعف الولاء للدولة العراقية.

“العراق دولة رخوة وكيان هش، وقد بدأ يتحلل بشكل خاص منذ الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، حيث بدأت بعض الإرهاصات الطائفية تأخذ طريقها إلى الممارسة السياسية بتهجير عشرات الآلاف من العوائل العراقية إلى إيران بحجة التبعية الإيرانية وضعف الولاء للدولة العراقية”

وزاد تدهور الدولة بعد غزو القوات العراقية للكويت في 2 أغسطس/آب 1990 وحرب قوات التحالف ضد العراق عام 1991، وقاد الأمر إلى ضعف الشعور بالمواطنة وارتفعت موجات التمييز، وتدريجيا بدأت الدولة بالتراجع حتى أن إقليم كردستان أصبح خارج سيطرتها منذ أواخر العام 1991، ثم وقع العراق تحت الاحتلال في العام 2003 في حرب محسومة النتائج سلفا، وبعد حصار دولي دمر النسيج المجتمعي العراقي دام نحو 13 عاما، خصوصا أن دخول العراق في حروب لا معنى لها قد أضعف مكانة الدولة العراقية، ولا سيما بعد غزو الكويت في 2 أغسطس/آب 1990.

ولا يقل العجز السياسي عن العجز الاقتصادي، بل إن كليهما يثبت هشاشة ورخاوة وعجز الدولة، ذلك أن عدم التمكن من تحقيق الاستقلال الوطني قاد إلى عدم التمكن من تحقيق الاستقلال الاقتصادي في ظل تخبطات عرفتها الدولة وسياساتها المالية والاقتصادية وغياب الحوكمة، وقد ارتبط العجز في مجال التنمية وتدهور مستوى الخدمات إلى عجز مماثل في ميدان العدالة، اجتماعيا وقانونيا ومدنيا ودينيا، وبسبب ذلك أيضا تعرض مسيحيون وإيزيديون وصابئة وأبناء طوائف أخرى لسلسلة من عمليات القمع والإرهاب والتنكيل وغير ذلك.

وجعل العجز في الحقول الثلاثة الدولة العراقية قابلة للاختراق من الخارج مثلما عرض المجتمع العراقي والمواطن العراقي لامتحانات شديدة القسوة بسبب ذلك، خصوصا بضعف الحصانة وشعور فئات واسعة من السكان بالتمييز والتهميش، والأمر له علاقة بغياب المشاركة السياسية الضرورية وتسلط نخب تجهل آليات عمل الدولة وأجهزتها، فضلا عن انخراطها في عمليات الفساد المالي والإداري.

لا يمكننا فقط التركيز على الوضع الذي وصلت إليه البلاد بفعل العامل الدولي ونقصد بذلك الاحتلال وإن كان أساسيا، لكن العامل الإقليمي مهم جدا بوضع مثل العراق، فلإيران مشروعها السياسي القومي المذهبي الأيديولوجي، ولتركيا مشروعها السياسي القومي المذهبي الأيديولوجي، أما العراق فقد انقسم إلى طوائف وإثنيات وكتل وجماعات متناحرة متضاربة لا يجمعها جامع يمثل الحد الأدنى من الانتماء إلى الوطن وحمل صفة المواطنة، وقد يكون مناسبا في هذا المقام استعادة مذكرة الملك فيصل الأول عام 1933 بخصوص غياب المواطنة العراقية، وذلك بعد أكثر من 12 عاما على حكم البلاد التي وجدها مقسمة طائفيا وإثنيا بين ملل ونحل وطوائف وعشائر لا يجمعها جامع.

إن عدم وجود مشروع عراقي موحد أو مشروع عربي جامع للعب دور توازن مع المشروعين الإيراني والتركي، إضافة إلى المشروع الصهيوني الذي له يد طويلة في الامتداد والاختراق، ولعب دور التنفير والتوتير بين دول المنطقة وشعوبها ولدى كل دولة في الوقت نفسه يعني أن العراق الذي نعرفه قد يتعرض كيانه للتفتيت أو للتجزئة، وذلك سيناريو محتمل بسبب استفحال الأزمة وإمكانية تفاقمها في المستقبل لأسباب داخلية أو خارجية.

وإذا ما تحقق مثل هذا السيناريو فسيمثل ذلك بداية فقط لمسلسل يستهدف الدول العربية، فقد تلحقه سوريا واليمن وليبيا، وهناك إشارات إلى بعض دول الخليج، خصوصا في ظل التداخل الإقليمي.

إن التحديات التي تواجه استمرار العراق كدولة قائمة هي:
1- تحديات سياسية خارجية، إضافة إلى تحديات اقتصادية دولية بسبب شروط التبادل التجاري واستيراد الغذاء وانخفاض أسعار النفط واستيراد السلاح والمديونية، الأمر الذي يجعل البلاد أكثر خضوعا للهيمنة الخارجية، خصوصا في ظل وجود النفط، وذلك يطرح تحديات جيوسياسية من خلال روابط التبعية، ولا تأتي هذه فقط من الغرب الإمبريالي، بل من إيران وتركيا و”إسرائيل“، سواء باستخدام القوة العسكرية أو لاقتطاع الأراضي، أو لإجبار العراق على توقيع اتفاقيات سلام استسلامية مع “إسرائيل” وإنهاء كل علاقة بقضية العرب المركزية (فلسطين) وفتح أسواقه للصناعات والتكنولوجيا الإسرائيلية، وكذلك لإحداث المزيد من التصدع داخل المجتمع العراقي.

2- تحديات داخلية، وأولها وأهمها وأخطرها الاحتراب الطائفي المعلن والمستتر، وهيمنة الطائفية السياسية على مقاليد الدولة وأجهزتها وممارستها التقاسم الوظيفي الطائفي والإثني.

“التحدي الأساسي في العراق هو التحدي الطائفي المحتدم والمصحوب بالكثير من عناصر الكراهية والحقد والبغضاء، ولا سيما تلك التي يقوم أمراء الطوائف والمستفيدون من الانشطار الطائفي بتغذيتها، خصوصا منها ما يتصل بالعلاقة بين الشيعة والسنة”

يضاف ذلك عدم الإقرار بالتنوع الثقافي، ولا سيما أن مشاكل الإثنيات والأديان والطوائف أخذت بالظهور على نحو شديد بعد الاحتلال إما بسبب كبت طويل الأمد واضطهاد وعدم مساواة، أو بسبب رغبة في التعبير عن هوية فرعية وخصوصية جرى طمسها أو تغييبها خلال مسار الدولة العراقية.

والمسألة تتعلق بالكرد والتركمان والآشوريين والكلدان والسريان كتعبيرات قومية وإثنية وغيرهم، وبالأديان مثل المسيحية والإيزيدية والصابئة، وفي إطار الأديان بما فيها الإسلام والمسيحية وطوائفهما، وبالطبع فإن نهج الاستعلاء والإقصاء والتهميش الذي عانت منه هذه المجموعات الثقافية على مر تاريخ الدولة العراقية دفعها للتعبير عن نفسها وهويتها الفرعية وفي بعض الأحيان انغلاقها وضيق أفقها بسبب ما عانت منه.

وتبقى المسألة الأساسية هي التحدي الطائفي المحتدم والمصحوب بالكثير من عناصر الكراهية والحقد والبغضاء، ولا سيما التي يقوم أمراء الطوائف والمستفيدون من الانشطار الطائفي بتغذيتها، خصوصا ما يتصل بالعلاقة بين الشيعة والسنة، حيث أدى هذا الانقسام إلى احترابات وتكفير، خصوصا أن دعاة الطائفية هم في الأغلب الأعم “طائفيون بلا دين” على حد تعبير عالم الاجتماع علي الوردي، واستخدموا الطوائف بما يسيء إلى الدين بتقديم ذلك على مبادئ الوطنية والمواطنة، وليس ذلك بعيدا عن التداخل الخارجي الإقليمي والدولي.

إن التحدي الديني وفروعه الطائفية قاد إلى موجات مختلفة من التعصب والتطرف والإرهاب والعنف، وانتشار ما سميت الحركات الأصولية “الإرهابية” سواء اتخذت اسم جماعات القاعدة أو جبهة النصرة أو داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) أو جماعات مسلحة خارج دائرة القانون سنية كانت أم شيعية، ولاحظنا كيف اهترأت دولة مثل العراق واقتطع جزء عزيز منه هو الموصل بكل تلك الخفة واللامسؤولية، والأمر ذاته في سوريا، حيث لا تزال الرقة ونحو ثلث الأراضي السورية تحت هيمنة داعش.

وللإرهاب أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية مثل الفقر والأمية والتخلف وعملية غسل الأدمغة التي تقوم بها الجماعات الإرهابية والتفسيرات الخاطئة للدين وغير ذلك.

عبدالحسين شعبان

الجزيرة نت