وكانت الشعوب العربية قد عانت هي الأخرى من الاستعمار الأوروبي ومرت بمخاض عسير حتى تمكنت من إثبات وجودها وتطلعت لعقد صداقات وللتعاون مع الشعوب المظلومة من أجل بناء تكتلات عالمية للدفاع عن مصالحها المشتركة.
ولم تكن هناك قطيعة بين العالم العربي والعالم الأمريكي اللاتيني، بل كان يوجد تواصل تجسد في الهجرات المكثفة من المشرق العربي إلى العالم الجديد في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حتى أصبحت هناك جاليات عربية كبيرة في مختلف دول أمريكا الجنوبية وعلى رأسها البرازيل والأرجنتين وتشيلي والإكوادور وفنزويلا. وعاشت هذه الجاليات في سلام وتعاون مع الشعوب الأمريكية وأسهمت في الإنجازات الاقتصادية والتطور السياسي في تلك الدول.
ومع ظهور المجموعة العربية كلاعب كبير على الساحة الدولية في أواخر القرن الماضي، تنبهت دول أمريكا الجنوبية إلى أهمية بناء علاقات متطورة مع الجانب العربي. وكان الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قد طرح فكرة إقامة قمة عربية لاتينية أثناء زيارته إلى الشرق الأوسط في ديسمبر/كانون الأول من عام 2003 فقد زار آنذاك خمس دول في المنطقة وتعرف على الواقع العربي عن قرب.
وباتت القمة العربية مع أمريكا الجنوبية تعقد كل ثلاث سنوات، حيث عقدت الأولى في برازيليا عاصمة البرازيل في 10-11 مايو/أيار 2005، والثانية في العاصمة القطرية الدوحة 31 مارس/آذار 2009، والثالثة في ليما عاصمة بيرو 2 أكتوبر/تشرين الأول 2012، تلك القمة التي تميزت بوضع القضايا الاقتصادية على رأس الأولويات، وتأتي القمة العربية اللاتينية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض في 10 – 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 كتتويج للعمل العربي الأمريكي الجنوبي المشترك، وطغى عليها الجانب السياسي، وانبثق عنها ما سمي «إعلان الرياض» الذي احتوى على 61 بنداً تصب في صالح الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية. فقد أكدت هذه الوثيقة على المساواة في حق جميع الشعوب في العيش في عالم خال من أي أسلحة نووية وإدراك هذا لن يتحقق إلا من خلال الإزالة التامة من دون رجعة لجميع الترسانات النووية الموجودة، وأيضاً دعوة المجتمع الدولي للانخراط في مفاوضات حول معاهدة لمنع وإزالة الأسلحة النووية تحت رقابة دولية صارمة وفعالة. وإعادة التأكيد على استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية هو حق لا يمكن مصادرته للدول الموقعة على اتفاقية منع الانتشار وأن تطبيق هذا الحق بطريقة تمييزية أو انتقائية سوف يؤثر على مصداقية المعاهدة.
كما أشارت الوثيقة إلى أن الاستثمار هو أحد أعمدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويمثل آلية مهمة تسهم بشكل فاعل في خفض معدلات الفقر وعدم المساواة. والدعوة إلى تبني إجراءات إضافية لتسهيل وتكثيف نقل التكنولوجيا وتدفق الاستثمار والتبادل التجاري خاصة في مجالات الغذاء والصناعات الزراعية والطاقة والابتكار والبنية التحتية والسياحة وقطاع التصنيع وتكنولوجيا المعلومات.
والواقع أن قمة الرياض كانت فرصة لتدارك ما فات الدول العربية من علاقات مع دول أمريكا اللاتينية، التي تتخذ مواقف مناصرة للقضايا العربية. ورغم أن العلاقات العربية اللاتينية لم تصل إلى المستوى المطلوب بسبب تقصير المجموعة العربية في تسريع الانفتاح وتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي مع المجموعة اللاتينية. لكن كانت قمة الرياض محطة مهمة في تاريخ العلاقة بين المجموعتين، نظراً لما تمثله المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون من ثقل اقتصادي وسياسي كبير في العالم العربي، ولقدرة هذه الدول على إدارة الملفات المختلفة بكفاءة عالية.
ولا شك أن الشراكة بين دول أمريكا الجنوبية والدول العربية ستؤدي إلى تشكيل قوة متوازنة على الساحة الدولية قادرة على التعبير عن موقفها من أجل حماية مصالحها الحيوية المشتركة، فالتعاون العربي- اللاتيني لن يسهم فقط في تطوير المبادلات التجارية والاستثمارات بين الجانبين، لكنه سيؤدي إلى انبثاق تجمع سياسي واقتصادي يتمتع بقدرات تنافسية ضخمة تعود بالنفع على الشعوب العربية والأمريكية الجنوبية. وقد أبرزت تقارير ارتفاع قيمة المبادلات التجارية بين المنطقتين من 13.6 مليار دولار عام 2005 إلى 27.4 مليار عام 2011.
محمد خليفة
صحيفة الخليج