تمثّل تصعيد الزعيم الديني الشيعي العراقي مقتدى الصدر ضد خصومه في “الإطار التنسيقي” بالضغط على البرلمان لإعلان إجراء انتخابات مبكرة على شكل تهديد مشروط زمنيا بنهاية الأسبوع المقبل، وإضافة إلى استمرار أنصاره بمحاصرة البرلمان والاعتصام حوله، فقد وجه جماهيره التي اندفعت، أمس الجمعة للتظاهر في ثماني محافظات (باستثناء كربلاء والنجف والمناطق السنية والكردية).
اتخذ الصدر خطوة سياسية ذكية أخرى بالعمل على اجتذاب جماهير الحراك المدني، وكذلك على دعوة جماهير “الإطار” للتظاهر تحت رايته، قائلا إنه لا يختلف مع أولئك الجماهير “على وجود الفساد واستشرائه في البلاد”، مطالبا إياهم بمشاركته في “إنقاذ الوطن الذي وقع أسير الاحتلال والإرهاب والفساد”.
لم ينس الصدر أن يوجّه خلال رسالته إلى جمهور خصومه، وقياداتهم، تحذيرا غير مباشر، بنصحهم بأن تكون المظاهرات سلمية كي يحافظوا على “السلم الأهلي”، مشيرا إلى أنه في حال رفض ذلك فإن تياره ماض في طريق الإصلاح، وهو ما يمكن أن يقرأ على أن تيّاره سيرد على أي محاولة للاشتباك العنيف مع الجماهير التي تتظاهر تحت رايته.
“الإطار التنسيقي” الذي أحست قياداته بثقل ضغط “التيار الصدري” وتزايد تأثيره على الجمهور الشيعي عموما، رأت أن خروج مظاهرات حاشدة لأنصارها سيسحب ورقة “الجماهير” التي يقوم الصدر باستخدامها إلى حدودها القصوى، وفي مواجهة دعوة الصدر “لإصلاح ما فسد” استخدم “الإطار” شعار “دعم الشرعية”، وأطلق حملة تتهم الصدر بمحاولة تدمير الديمقراطية العراقية.
تتضمن دعوة الصدر لإجراء انتخابات جديدة فكرة مضمونها الباطني أن “الإطار” سيخسر مقاعد أكثر، فيما يُظهر تمسك “الإطار” بالبرلمان الحالي، رغم أنه قاد مظاهرات تندد بعد ظهور النتائج بـ”تزوير الانتخابات”، احتمال عدم قدرته على ضمان نتائج أفضل في مواجهة في صناديق الاقتراع ضد الصدر وحلفائه من الكرد والسنّة.
تتجاوز مطالبات الصدر حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة إلى الدعوة لتأسيس نظام رئاسي جديد، وهي مطالبات يمكن عدّها ضمن محاولات ترميم الوطنية العراقية المتهتكة بعد 19 عاما من الاحتلال الأمريكي للعراق، والحكومات المتعاقبة التي جمعت بين الفساد والطائفية والإجرام.
على عكس التنظيمات الشيعية التي تخاصمه حاليا، اشتبك الصدر مع الأمريكيين بعد الغزو وسجّل لنفسه مسافة أمان مع إيران، التي يتهم “الإطار” بالتبعية لها، لكنّه، من جهة أخرى، كان طرفا فاعلا في المجازر الطائفية، كما أن الوزراء والمسؤولين من تياره كانوا بدورهم جزءا من منظومة الفساد التي ينادي حاليا بالخلاص منها.
تحمل التظاهرات الأخيرة كذلك مخاطر انتقال المواجهة من تكتيكات إثبات وزن جماهيرية كل طرف إلى احتمالات العنف المتبادل، وهو أمر لم تخف التسريبات التي نسبت إلى نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، رغبته في حصولها، وبذلك يتحوّل الأمر من ضغوط سياسية وجماهيرية لإحداث تغييرات في الحصص المختصم عليها حاليا، من الرئاسة ورئاسة الوزراء وتشكيل البرلمان، إلى مقدمة لحرب أهلية بشعة.
القدس العربي