بكين- قبل حرب روسيا على أوكرانيا، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن التعاون الإستراتيجي الصيني الروسي ليس له حدود نهائية، ولا مناطق محظورة.
وبالنظر للعلاقات الثنائية بين روسيا والصين، توقع الكثير أن تدعم الأخيرة موسكو بشكل لا لبس فيه في حربها على أوكرانيا أكثر من مجرد خطاب، خاصة من خلال مساعدة موسكو على تخفيف الضرر الناجم عن العقوبات الغربية.
ويرى محللون أن الصين فرضت بشكل متزايد اتجاه الشراكة وضغطت على المزيد من التنازلات من الروس، ورفعت الأسعار، وسارت في طريق دبلوماسي مع الدول الغربية التي لا تستطيع تحمل الانفصال عنها تجاريا.
وبعد 6 أشهر عززت حرب الرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا مكانة روسيا باعتبارها الشريك الأصغر الواضح في العلاقة الصينية الروسية، عسكريا واقتصاديا.
منجم الطاقة للصين
تستغل الصين الموقف بشكل أكثر حسماً في علاقاتها الاقتصادية مع روسيا. فقد سمحت العقوبات المفروضة على روسيا للصين بمساعدة شريكها في تقليل الضرر الاقتصادي من خلال زيادة التجارة، وفق مراقبين.
وتستمر التجارة بين البلدين في النمو. ولدى الصين متطلبات هائلة من الطاقة، بينما تمثل روسيا مصدرًا قيمًا لواردات الطاقة.
فقد ارتفعت التجارة بين روسيا والصين بنسبة 35.9% العام الماضي، لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 146.9 مليار دولار.
لكن هذه الأرقام توضح الخلل التجاري الهائل والمتزايد لصالح الصين، بحسب متابعين.
في عام 2013، شكلت الصين 11% من تجارة روسيا، وفي عام 2021، كان الرقم 18%، بينما كانت روسيا تمثل 2%من حصة التجارة الصينية فقط.
ويقول الباحث في الشأن الروسي تشانغ شوي فينغ، إن هذا الخلل في التوازن يصبح أكثر إثارة للدهشة عند الأخذ في الاعتبار أن 70% من صادرات روسيا إلى الصين مرتبطة بالطاقة.
ويضيف للجزيرة نت، أنه بالنظر إلى أسعار الفائدة المنخفضة، من الصعب وصف نمو صادرات الموارد الطبيعية إلى الصين بأنه إيجابي بالنسبة لروسيا، لكن العقوبات الغربية أجبرت روسيا على التطلع إلى الصين بحثًا عن فرص استثمارية.
مكافأة منخفضة لروسيا
في مقابل المخاطر التي تواجهها روسيا، تبدو المكافأة منخفضة للغاية بحيث لا يمكنها جذب العديد من المستثمرين من القطاع الخاص الصيني، والتي تقف في طريق زيادة الاستثمار هي بيئة الأعمال في روسيا وأساسيات السوق الضعيفة، إذ تعتبر روسيا أكثر خطورة من الاقتصادات المتقدمة، لكنها تحمل وعودا أقل من العديد من الاقتصادات النامية ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض عدد سكانها.
وتكشف هذه العوامل عن شراكة غير متكافئة ستصبح غير متوازنة أكثر في المستقبل، في وقت تمتلك فيه روسيا القليل من البدائل لتعميق العلاقات الاقتصادية مع الصين، وفق محللين.
شراكة بحكم الضرورة
وتكرر إعلان الجانبين سعيهما لترسيخ نفسيهما كشريكين متساويين، لكن ركود روسيا في ظل مواصلة الصين تعزيز قوتها الوطنية، سيجعل موسكو شريكا أقل نفعا بالنسبة إلى الصين، خصوصا في مواجهة الغرب.
ويرى الباحث في التاريخ أود أرني ويستاد في مقال له بمجلة فورين أفيرز”Foreign Affairs” الأميركية، أن روسيا والصين ليستا شريكين قامت الشراكة بينهما بحكم الطبيعة، بل بحكم ضرورة يريانها في هذه العلاقة.
وأضاف أن “التقارب الروسي مع الصين قائم بسبب الحاجة إلى نكاية الغرب، وليس لأي تآلف طبيعي بين القوتين”.
وأعطت العقوبات الغربية المجمع الصناعي العسكري الروسي زخما جديدا لبيع التكنولوجيا لجيش التحرير الشعبي (الجيش الصيني)، في وقت بات لدى الكرملين عدد أقل من العملاء أو الشركاء.
وبالاعتماد على التكنولوجيا الصينية بعد حرب أوكرانيا التي يمكن أن تسرع التنمية والعمليات المشتركة المزدهرة لفترة وجيزة، صار من الصعب على مصنعي الأسلحة في روسيا المراهنة على الصين للحفاظ عليها أو تنميتها على المدى البعيد.
ومع بروز الصين كمنافس في سوق تصدير الأسلحة، يرى مراقبون أن تأثير العقوبات وما يعتبرونه الأداء الضعيف للعتاد الروسي يبشر بمستقبل قاتم لروسيا.
فقد انخفضت مبيعات الأسلحة الروسية إلى جنوب شرق آسيا بشكل حاد بالفعل على مدى السنوات السبع الماضية، حيث انخفضت من 1.2 مليار دولار في عام 2014 إلى 89 مليون دولار فقط في عام 2021. والشركات الصينية في وضع جيد لسد الفجوات التي لم تعد الشركات الروسية قادرة على سدها.
ويقول الباحث الاقتصادي شو شي جون، إن “التعاون الصيني الروسي له حدود واضحة تماما، ليست القيادة الصينية مستعدة بعد لتجاوزها”.
وأشار -في حديث للجزيرة نت- إلى تجنب بكين مساعدة موسكو بشكل كبير في التغلب على العقوبات التي يؤدي استمرارها -ضد روسيا- إلى تعزيز المصالح الصينية.
المصدر : الجزيرة