زيارة ماكرون إلى الجزائر.. الكثير من الصخب والقليل من النتائج

زيارة ماكرون إلى الجزائر.. الكثير من الصخب والقليل من النتائج

الجزائر – رغم الصخب الإعلامي والسياسي الذي أحاط بزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، إلا أن الحصيلة كانت هزيلة ولم تتعد حدود تجديد اتفاق شراكة واتفاقيات شكلية، مع إذابة شيء من الجليد المترسب في العلاقة بين البلدين وخطاب استعراضي لم يقدم الحلول الفعالة لملف الذاكرة والتاريخ المشترك.

ولم ترق زيارة ماكرون إلى الجزائر إلى مستوى التطلعات التي علقت عليها، لأنها لم تقدم إجابات حاسمة بشأن الأسئلة الأزلية بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بملف الذاكرة، واكتفت بخطابات وتصريحات استعراضية تلاعبت بمفردات المجاملة لتجاوز عقدة الأشهر الماضية، بينما لم تقدم شيئا لتعاون حقيقي وشامل بين الطرفين.

ويبدو أن الزيارة التي اكتفت بإعادة الدفء إلى العلاقات الجزائرية – الفرنسية، وإذابة الجليد الذي ترسب خلال الأشهر الماضية، فشلت في ضخ دماء جديدة لشراكة ثنائية، وهو ما يكون قد اضطر قيادتي البلدين إلى اختراع تجديد للاتفاقية المذكورة من أجل إنقاذ الزيارة أمام الرأي العام في الجزائر وفرنسا.

واكتفى الرئيسان عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون بتقديم عرض تطورات ما دار بينهما في اللقاء الذي جمعهما، والذي جاء في شكل عموميات ورؤى شكلية، ولم يفسحا المجال أمام الصحافيين لطرح أسئلتهم لأنهما كانا يدركان أنها ستكون محرجة لهما وقد تعصف أي زلة لسان بغرض الزيارة وباللقاء الذي جمعهما.

الفرنسيون يراهنون على جيل جديد من الشباب الجزائري لا يحمل شيئا من الماضي المثير للجدل بين البلدين

وفي المقابل ظهر الرئيس ماكرون أكثر جرأة في محطات الزيارة، بينما انحصرت التعليقات الرسمية الجزائرية في كلمتين مقتضبتين للرئيس تبون عقب اللقاء وخلال توديع ماكرون في مطار هواري بومدين الدولي، واستطاع الرئيس الفرنسي تمرير العديد من الرسائل التي تضمنت مواقف ثابتة للنخب الحاكمة في باريس تجاه القضايا الثنائية والإقليمية.

وقدم ماكرون رؤية قصر الإليزيه لمسألة التاريخ والذاكرة المشتركة، وبدل تحمل المسؤوليات السياسية والأخلاقية للحقبة الاستعمارية لبلاده للجزائر، أبدى رهانه على فئة الشباب والتعاون الفئوي تمهيدا لبناء المستقبل المنشود، بدل معالجة القضية من جذورها.

ورغم أنه كان في شهر أكتوبر من العام الماضي قد صرح بأن “الجزائر لم تكن أمة قبل استعمارها من طرف بلاده”، وأن “الرئيس تبون عالق في نظام سياسي عسكري يتاجر بالتاريخ وباستعداء فرنسا” إلا أنه لم يقدم ما يجبر خواطر الجزائريين، خاصة وأن الرئيس تبون نفسه كان قد اشترط عوده سفير بلاده إلى باريس باعتذار فرنسي عن المسألة.

واختصر الرئيس الفرنسي المرحلة في ما أسماها بـ”قصة حب” اعترضتها “مراحل مؤلمة”، واعتبر أن الحل يكمن في “المصالحة والحقيقة والتفكير في المستقبل بدل الندم”، وهي رسالة واضحة على أن قضية “الاعتراف والاعتذار” لا مكان لها في أجندة قصر الإليزيه.

ويبدو أن الفرنسيين يراهنون على جيل جديد من الشباب لا يحمل شيئا من الماضي المثير للجدل، وعلى إحداث شرخ بين الأجيال في ما يتعلق بالعلاقات مع فرنسا، فضلا عن فرض رواية فرنسية للحقبة الاستعمارية تمتص الزخم الإجرامي للاستعمار الذي تقدمه السردية الجزائرية، ولذلك أدرج مفردة “الحقيقة” مع المصالحة.

ويبدو أن الزيارة الخاوية من شراكة حقيقية أو قرارات حاسمة قدمت خدماتها للسلطتين في الجزائر وباريس أكثر ما أسست لعلاقات حقيقية بين البلدين والشعبين، فالسلطة في الجزائر تسوق لمكاسب سياسية عبر خطاب شعبوي بإجراءات شكلية كحذف الفرنسية من شعار المنصة التي تحدث فيها الرئيسان، وحديث تبون باللغة العربية أثناءها، كدليل على تحرر لغوي لبلاده من هيمنة اللغة الفرنسية، بينما يكون ماكرون قد وجه رسائله لخصومه السياسيين في بلاده على أنه أعاد الدفء إلى خط مهم لفرنسا دون تقديم أي تنازلات تحرج فرنسا أمام الرأي العام.

الزيارة الخاوية من شراكة حقيقية أو قرارات حاسمة قدمت خدماتها للسلطتين في الجزائر وباريس أكثر ما أسست لعلاقات حقيقية بين البلدين والشعبين

وفي خطوة تجسد رغبة الطرفين في تجاوز الماضي من أجل الذهاب إلى مستقبل واعد، تم الاتفاق بينهما على تشكيل لجنة من الخبراء والمؤرخين لدراسة ملف الذاكرة، لكن يبدو أنه لا حل جذريا للملف في الأفق لأن إرادة الإليزيه لا تزال متمسكة برؤيتها المتنكرة لمسؤوليتها التاريخية والأخلاقية لحقبة بلغت قرنا و32 عاما من الاستعمار ومن الممارسات اللاإنسانية البشعة، بينما أبدى تبون عدم ممانعة في التنازل عن الخطاب الشعبي المناهض لفرنسا.

وجاء الاجتماع الأمني غير المسبوق بين البلدين ليضفي لغطا كبيرا على الزيارة، قياسا بالغموض الذي اكتنفه والتأويلات التي قدمت لمضمونه، فرغم أن بيان الرئاسة الجزائرية تحدث عن إثارة قضايا أمنية وعسكرية مشتركة بين البلدين، كما هو الشأن في الساحل والصحراء وليبيا والدور الفرنسي في أفريقيا والحرب على الإرهاب، إلا أن تقارير أخرى ذهبت إلى أن الاجتماع خصص لدراسة إمكانية تسليم باريس مطلوبين جزائريين من طرف سلطات بلادهم على خلفية نشاطهم وانتمائهم الإرهابي، بينما يروجون لأنفسهم على أنهم معارضون سياسيون للنظام.

وشكلت نوعية الحضور في الاجتماع والذي يكون قد تجاوز إطار التشريفات المطبقة، حيث حضر عن الجانب الفرنسي وزير الجيوش وقائد أركان الجيش ومدير الأمن الخارجي، بينما تجاوزه عن الجزائري إلى مدير الأمن الداخلي ومدير مكافحة التخريب، الأمر الذي أثار استفهامات عن دور وسبب حضور هؤلاء في الوقت الذي تعاني فيه السلطة من شبهة تغلغل المؤسسة العسكرية في الشأن العام.

ووصفت الزيارة بكل مفردات الإشادة والمجاملة، غير أن الحصيلة كانت هزيلة ولم تتعد حدود اتفاق شراكة متجدد، واتفاقيات شكلية تتمحور حول الشباب والمؤسسات الناشئة، والتعاون الصحي والعلمي والثقافي والفني وفي مجال الطاقة، وتخفيف إجراءات تنقل الأشخاص، وتفعيل عمل اللجان المشتركة والحوار الإستراتيجي، بينما غابت الاستثمارات والمشروعات المشتركة ونقل التكنولوجيا التي يحتاج إليها الاقتصاد الجزائري للخروج من بوتقة التبعية للنفط والغاز.

العرب