وجهة نظر إسرائيلية حول تطور قدرات طهران في ساحة الحرب الافتراضية الدولية خلال 2013- 2014 2014-10-28

وجهة نظر إسرائيلية حول تطور قدرات طهران في ساحة الحرب الافتراضية الدولية خلال 2013- 2014 2014-10-28

إلى جانب تعزيز جهاز السايبر الدولاني، والتعاون مع مجموعات الهاكرز ، تقوم الهيئات الرسمية الإيرانية بجهود ومساع حثيثة ومتزايدة لتوسيع وتقوية قدرات “حرب السايبر” التي يمتلكها حلفاء إيران.  وعلى ما يبدو فإن إيران تسعى إلى إنشاء شبكة ناجعة من الوكلاء الذين يعملون لحسابها في الحيز الافتراضي.  وتشكل الساحة السورية، التي تحتل مكانة إستراتيجية مهمة لإيران، أحد مراكز الثقل في هذه الجهود الإيرانية.  وقد شرع الإيرانيون، في أعقاب اندلاع المواجهات المسلحة بين النظام السوري وقوى المعارضة، في تدريب قوات الأمن السورية وتزويدها بوسائل للرقابة والسيطرة على الحيز الافتراضي، الذي استخدمه المتمردون كمنصة مركزية لتنظيم الاحتجاجات والنشاطات ضد النظام.  وفي هذا الإطار قام خبراء إيرانيون بتدريب وتعزيز شرطة “السايبر” السورية، وقدموا لها العون والمساعدة في تعقب شبكات الحواسيب والهاتف الخليوي وتشويش قدرة المتمردين على نقل الرسائل والمعلومات سواء داخل الدولة أو إلى خارجها.  وينسب خبراء ومسؤولون غربيون لخبراء إيرانيين القيام بدور فاعل في تحسين وتطويرات قدرات حرب السايبر لمجموعة قراصنة مؤيدة لنظام الرئيس بشار الأسد، باشرت نشاطها في العام 2011 تحت اسم “جيش سوريا الإلكتروني” (SEA).

ونقل في هذا السياق عن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية الأسبق مايكل هايدن قوله إن مجموعة SEA ما هي إلا وكيل إيراني بكل معنى الكلمة. وقد وجد تطور هذه المجموعة تعبيرا له خلال العام الأخير في موجة هجمات تعرضت لها مواقع الكترونية تديرها جهات إعلام واتصالات ومنظمات حقوقية، يعتبرها النظام السوري مناوئة له، ومن ضمن ذلك مواقع اخبارية تابعة لشبكات وصحف متصدرة، مثل محطة بي. بي. سي البريطانية، ومحطة “الجزيرة” القطرية، ومواقع صحيفتي “نيويورك تايمز” و “واشنطن بوست” الأميركيتين.  وقد نجح أعضاء المجموعة في الحاق ضرر جسيم حيث تمكنوا من السيطرة على حساب “تويتر” التابع لوكالة أنباء AP،  ونشروا خبرا كاذبا عن هجوم مزعوم تعرض له البيت الأبيض، أصيب خلاله الرئيس أوباما، مما تسبب على الفور بحالة ذعر في بورصة “وول ستريت” أدت إلى هبوط حاد في أسعار الأسهم وأضرار قدرت بـ 136 مليار دولار.

إلى ذلك فقد ذكرت وكالة الأنباء الايرانية أن المجموعة هاجمت شبكة المياه في مدينة حيفا، لكن الصور التي أُرفقت بالخبر أظهرت أن عناصر المجموعة السورية اخترقوا فقط شبكة حاسوب مراقبة الري في إحدى مستوطنات شمالي إسرائيل.

مع ذلك فإن نجاح عناصر المجموعة في التسلل إلى منظومة مراقبة إحدى الشبكات الإسرائيلية، يشير إلى محاولة المجموعة توسيع نطاق نشاطها بصورة متقدمة أكثر في مجال الحيز الافتراضي.

هذه القدرات المتقدمة، التي يرى خبراء كثيرون أنها ثمرة تدريب وتوجيه ومساعدة إيرانية، حولت مجموعة SEA إلى لاعب مهم في الحيز الافتراضي، وحولت حرب السايبر بصورة عامة إلى مكون بالغ الأهمية في استراتيجيا الردع السورية.  وكانت عناصر المجموعة قد حذرت الولايات المتحدة، في بيان أرسلته إلى وكالة أنباء “رويتر”، من مغبة شن أي هجوم عسكري ضد سورية، ردا على الاتهامات لقوات جيش النظام باستخدام السلاح الكيميائي ضد معاقل المتمردين، وهددت المجموعة بتصعيد هجماتها ضد أهداف أميركية أكثر أهمية.  وأعرب ريتشارد كلارك، المستشار الأسبق في البيت الأبيض لشؤون حماية الحيز الافتراضي ومحاربة الإرهاب، عن تقديره بأن أي رد من جانب جهات سورية في الحيز الافتراضي- في حال قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد النظام السوري- سيتم بمساعدة جهات ايرانية.

وبالإضافة إلى تعزيز قدرات نظام الرئيس الأسد في مجال الحيز الافتراضي، تواصل إيران تقديم دعمها التقليدي في هذا المجال أيضا لحليفها الأقرب “حزب الله”.  وأشار تقرير أصدره “مركز مئير عميت لمكافحة الإرهاب” في العام 2013، إلى وجود تدخل ودعم عميقين من جانب ايران لجهاز مواقع الانترنت التي يديرها “حزب الله”.  ويشكل هذا الجهاز منبرا للدعاية والترويج لأفكار “الثورة الاسلامية”، ودعاية ومنشورات معادية لإسرائيل.

تشهد قدرات إيران في مجال حرب الحيز الافتراضي تقدما وتطورا بصورة مستمرة، وقد باتت إيران تشكل حاليا لاعبا مهما لا يجوز الاستخفاف بنواياه على هذا الصعيد.  ويعتقد أن القرار الايراني بتوسيع النشاط في الحيز الافتراضي ينبع من دافعين رئيسيين: الأول يتعلق بحقيقة أن ايران تعرضت لهجات “سايبر” خطيرة، جعلتها تدرك أهمية إقامة وامتلاك قدرات دفاعية في هذا المجال، إلى جانب بناء واستخدام قدرات هجومية.  أما الدافع الثاني فيتعلق بالتطور التكنولوجي العالمي، ومن ضمن ذلك في إيران ذاتها، والذي يتيح توسيع العمل والأنشطة لتشمل الحيز الافتراضي أيضا، وليس الحيز المادي فقط.  ويتماشى هذا التطور بصورة مثلى مع الرؤية الاستراتيجية غير المتناظرة لدى إيران.

ويشير تحليل هجمات السايبر المنسوبة إلى إيران ووكلائها إلى تشكيلة واسعة من الأساليب والأهداف. ويحيل أحد استنتاجات هذا المقال إلى تطور ونضوج قدرات السايبر الإيرانية، سواء في المجال الدفاعي أو في المجال الهجومي. وعلى الرغم من التصور بأن هذه القدرات ما زالت متخلفة مقارنة بالقدرات التي تمتلكها القوى التكنولوجية العظمى، إلاّ أن الايرانيين يعملون على تضييق الفجوات بسرعة وكفاءة.

إن أحد الاتجاهات الأكثر خطورة في أنشطة السايبر الهجومية هي تلك التي يمكن لإيران القيام بها ضد منظومات تنفيذية رئيسة، دولانية وغير دولانية.  فهذه المنظومات التي تتحكم في عمليات الانتاج والتوريد والخدمات الحيوية، يمكن أن تشكل هدفا لهجمات ايرانية.  وفي هذا السياق يمكن تفسير عمليات الإختراق والرصد والتفتيش التي تعرضت لها شبكات حاسوب شركات طاقة أميركية، والتي نسبت إلى جهات ايرانية، على أنها محاولة من جانب ايران لايجاد قدرة وصول وتسلل إلى بنى وشبكات تحتية حساسة.  فمثل هذا الوصول أو الاختراق يمكن أن لا يكتشف نهائيا، كما يمكن أن يستخدم في المستقبل لأغراض هجومية بموجب قرار ايراني، ومن الواضح أن أي هجوم ناجح يستهدف منظومات التحكم والسيطرة في منشآت الطاقة والغاز والمياه، يمكن أن يتسبب بأضرار جسيمة.

وعلى ما يبدو فإن إدراك حقيقة أن إيران باتت تشكل تهديدا لا يستهان به بواسطة القدرات التي تمتلكها في الحيز الافتراضي، أخذ يدفع الدولة المعرض لهذا التهديد، إلى إقامة تعاون وثيق فيما بينها.  غير أنه لا يجوز الاكتفاء فقط برفع مستوى التعاون الاستخباراتي وتطوير وتعميق القدرات الدفاعية في مواجهة خصم عنيد يمتلك قدرات تنفيذية واستخبارية وتكنولوجية. إن تعميق التعاون والتنسيق التنفيذي والاستخباراتي والتكنولوجي بين الدول الديمقراطية، يشكل حجر الأساس في مواجهة التهديد الايراني على هذا الصعيد.  كذلك فإن  الإعداد والتحضير لتوجيه “ضربة افتراضية” ضد ايران إلى جانب اختبار قدرات نوعية من حين إلى آخر، يمكن أن يساعد في كبح نشاطها في الحيز الافتراضي للبنى التحتية الحساسة.

بالاضافة إلى ذلك، يمكن لإسرائيل أن تجد حلفاء في مواجهة حرب السايبر الإيرانية، ومن ضمن ذلك أنظمة الحكم السنية في منطقة الخليج وفي مقدمتها المملكة السعودية، والتي تتعرض إلى تهديد دائم في هذا المجال من جانب عناصر ايرانية.  وفي هذا السياق، فإن مجال حماية الحيز الافتراضي الذي تعتبر إسرائيل لاعبا مهما فيه، يمكن أن يشكل أساسا لإقامة حوار استراتيجي مثمر في مسائل إقليمية أوسع، مثل التهديد الإيراني بمعناه الأشمل، والأزمة في سورية والمسألة الفلسطينية.

إن هذا الواقع المتعلق بالتطور والتنامي السريعين لقدرات إيران وحلفائها ووكلائها في مجال حرب الحيز الافتراضي، يتطلب من إسرائيل، وكذلك من دول غربية أخرى، العمل بصورة حازمة وحثيثة، من أجل المحافظة على تفوقها النوعي والتنفيذي في الحيز الافتراضي.  وقد أكد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، على أهمية هذا الحيز في نظرية الأمن الإسرائيلية، والحاجة الملحة لإيجاد وتوفير “قبة حديدية” ديجيتالية، بقوله إن “إسرائيل ملزمة ببلوغ مستوى قوة عظمى في مجال الحيز الافتراضي، ولا يجوز الانتظار أو التلكؤ في هذه المسألة.

غابي سيبوني وسامي كروننفلد

المركز الفسطيني للدراسات الاسرائيلية

http://goo.gl/ztJTNx

كلمات مفتاحية:قدرات طهران،التهديد الايراني،اسرائيل،نظرية الأمن الإسرائيلية، ،الحرب الافتراضية الدولية،إيران،سوريا.