مشكلة الكهرباء بُعد إضافي لمتاعب الاقتصاد السوداني

مشكلة الكهرباء بُعد إضافي لمتاعب الاقتصاد السوداني

يطارد السودان هدف تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء وتوفير الإمدادات بشكل مستدام بعدما شكلت الأزمة التي يعاني منها القطاع منذ فترة إحدى السمات البارزة لعلل اقتصاد البلاد في ظل وضع سياسي يتسم بالقتامة، ما يعقد من مهمة إصلاح الأوضاع سريعا.

الخرطوم – أضيفت أزمة قطاع الكهرباء مؤخرا في السودان إلى أزمات أخرى سابقة تشهدها البلاد على الأصعدة المالية والاقتصادية والنقدية والبنى التحتية والخدمات.

وتشكل انقطاعات الكهرباء لساعات، وخاصة في فصل الصيف الذي بات أشد حرارة جراء الاحتباس الحراري بالمنطقة العربية، هاجسا يؤرق الخرطوم، لاسيما أن نسبة الطلب تزداد سنويا بمعدل يصل أحيانا إلى ضعف المعدل الدولي.

ويعاني هذا القطاع الحيوي لحياة أكثر من 40 مليون سوداني تحت حزمة من المعيقات والتحديات التي تتزامن مع الأوضاع السياسية والاقتصادية القاتمة التي تسود البلاد.

وبدأ عاملون في القطاع احتجاجات منذ مطلع الشهر الماضي، أعقبها إضراب عن العمل رفضا للرواتب المتدنية التي يتقاضونها، باعتبارها لا تتناسق مع تكلفة المعيشة ومعدلات التضخم العالية.

وعلى الرغم من سوء أحوال الاقتصاد تشير آخر البيانات الرسمية إلى أن معدل التضخم بالبلاد تراجع في أغسطس الماضي إلى 117 في المئة، مقابل 125 في المئة تم تسجيلها قبل شهر.

وحددت لجنة تعديل هيكل الرواتب لعمال الكهرباء المفوضة من العاملين أدنى أجر 500 ألف جنيه (ألف دولار) للعمال، أما الدرجات الوظيفية العليا فحدد لها 1.8 مليون جنيه (2500 دولار).

جبريل إبراهيم: من الصعب زيادة رواتب الموظفين لاقتراب نهاية الموازنة
وبدأ الإضراب بتسليم العاملين وزارة الطاقة والنفط السيارات العاملة في مجال الطوارئ وتخفيض الحمولات بنسبة 40 في المئة والتهديد بإدخال البلاد في مرحلة ظلام تام.

وفي منتصف سبتمبر تم تعليق الإضراب من قبل لجنة تعديل هيكل الرواتب بعد أن انصاعت وزارة الطاقة لمطالب لجنة الإضراب ووافقت على زيادة رواتب العمال في القطاع.

غير أن اللجنة عادت وجددت الدخول في إضراب الأحد الماضي، عقب إعلان وزارة المالية عن جدولة مطالب العمال لعام كامل، وبعد يومين أعلنت اللجنة تعليق الإضراب إثر تلقيهم وعودا من المسؤولين بحل مشكلة الرواتب.

وكان وزير المالية جبريل إبراهيم قد أكد في تصريحات إعلامية “صعوبة زيادة الرواتب خلال الوقت الحالي من العام المالي لاقتراب نهاية الموازنة”.

ولم تكن رواتب العاملين في قطاع الكهرباء هي المشكلة الوحيدة التي تقف حجر عثرة أمام قضايا الطاقة في البلاد، والتي تعد من أكبر المشكلات التي تحول دون دخول البلاد في منظومة الدول المنتجة.

وبحسب إحصائيات حكومية فإن محطات توليد الطاقة قادرة على إنتاج أربعة آلاف ميغاواط، بينما الطاقة الفعلية لا تتعدى 1820 ميغاواط.

ويبلغ متوسط استهلاك السودانيين للطاقة الكهربائية نحو 4500 ميغاواط، توفر كافة الاحتياجات المنزلية والصناعية في البلاد.

وتشمل تحديات قطاع الكهرباء عوامل عديدة، أبرزها عدم توفر وقود كاف للمحطات بسبب شح موارد النقد الأجنبي للبلاد، مع حاجة المحطات إلى قطع غيار وصيانة عجزت وزارة المالية عن الإيفاء بها خلال الفترة الماضية.

ويمتلك السودان ستة سدود بغرض توليد الكهرباء بالاستفادة من مياه النيل، وهي مروي والروصيرص وسنار وجبل أولياء وعطبرة وستيت، فيما يبلغ عدد محطات التوليد الحراري ثلاث محطات، وهي محطتا قري وبحري شمال البلاد ومحطة أم دباكر في الجنوب.

وصرح متحدث لجنة تعديل الهيكل الراتبي لعمال الكهرباء شاكر إسماعيل لوكالة الأناضول بأنه “تم التوصل إلى تفاهمات مع مدراء شركات الكهرباء بهدف فك الإضراب الأخير بعد أن تضررت أجزاء واسعة من البلاد من انقطاعات التيار”.

والاثنين الماضي انقطع التيار الكهربائي عن عدد كبير من أحياء العاصمة الخرطوم لفترة تزيد عن 30 ساعة بسبب تعطل في محطة بحري الحرارية وامتناع العمال عن الصيانة بسبب الإضراب.

وأغلق عدد من المواطنين جسري النيل الأزرق وشرق النيل في الخرطوم احتجاجا على انقطاع التيار الكهربائي لفترة تزيد عن 24 ساعة.

وأعلن شاكر عن خطة لتنفيذ عملية هيكلة الرواتب خلال فترة زمنية مدتها أقل من عام، وتحفّظ على الإدلاء بتفاصيلها.

1820 ميغاواط تنتجها محطات التوليد، بينما يبلغ متوسط الاستهلاك السنوي 4500 ميغاواط

وتعاني شبكة الكهرباء المحلية منذ عقود من الإهمال وصعوبة سداد تكاليف الوقود وقطع الغيار، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.

ويقول الصحافي المتخصص بشؤون الطاقة عبدالوهاب جمعة إن “قطاع الكهرباء عانى من إهمال كبير خلال السنوات السبع الماضية بسبب قلة الاستثمارات في التوليد المائي والحراري”.

وأكد عدم قدرة السلطات على إجراء صيانة دورية للمحطات، بسبب عدم قدرتها على توفير التمويل وعدم هيكلة الشركات العاملة في مجال الكهرباء.

وتعمل خمس شركات حكومية في مجال الكهرباء، وهي الشركة القابضة وشركة التوزيع وشركة النقل وشركة التوليد الحراري وشركة التوليد المائي.

وأوضح جمعة أن 20 في المئة من الكهرباء المنتجة حاليا ناتجة عن مصادر خارجية، كربط الشبكة مع مصر وإثيوبيا، وعن البارجة التركية على ساحل البحر الأحمر التي تمد السودان بأكثر من 10 في المئة من الاستهلاك الحالي.

وقال إن “مشكلة الكهرباء في البلاد تتزايد مع نمو الطلب بمقدار 15 في المئة سنويا”.

ورغم اتساع فرص السودان للحد من احتداد أزمة نقص الكهرباء، بعد أن لاحت بوادر إيجابية للتخفيف من وقع هذه المشكلة المزمنة عبر التوسع في بناء محطات إنتاج من المصادر المستدامة رغم الضبابية التي تلف مناخ الأعمال، قد لا تنتهي الأزمة.

ولا يزال السودان من بين البلدان المتأخرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال، وقد كانت لسياسة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الأثر الكبير في عدم تركيز مشاريع بيئية تساهم في خفض الإنفاق السنوي.

وتستهدف الخرطوم إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بنحو 4500 ميغاواط، منها 2500 ميغاواط من شمال أم درمان إلى وادي حلفا و1500 ميغاواط في البحر الأحمر و500 ميغاواط في كردفان ودارفور.

أما بالنسبة إلى طاقة الرياح فتريد إنتاج كمية كهرباء تصل إلى ثلاثة آلاف ميغاواط، نصفها سيتم إنتاجه من المنطقة الشمالية وألف ميغاواط في البحر الأحمر و500 ميغاواط في كردفان ودارفور.

ويحتاج البرنامج إلى ملايين الدولارات كاستثمارات من القطاع الخاص لإطلاق حزمة من المشاريع المزمعة، إلى جانب رصد تمويل حكومي لمساعدة الأقاليم على تنفيذ هذا البرنامج.

العرب