بعد سنة من الانسداد السياسي في العراق، بدأت ملامح الحل تظهر مع الإعلان عن تشكيل تحالف سياسي جديد يضم مختلف المكونات العراقية، بما فيها حلفاء للتيار الصدري، وهو ما يقلل من فرص إسقاط التيار للحكومة الجديدة.
بغداد – يبعث الحديث عن تشكيل ائتلاف جديد في العراق من المتوقع أن يربك حسابات التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، آمالا بتجاوز الانسداد السياسي الحاصل في البلاد منذ سنة وتشكيل حكومة جديدة.
وتداولت وسائل إعلام محلية منذ الخامس والعشرين من سبتمبر، أنباء تفيد بتوقيع قوى سياسية وثيقة اتفاق للإعلان عن تحالف جديد يضمّ أبرز القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري، والقوى السنية ممثلة بتحالفي “السيادة” و”العزم”، والقوى الكردية الممثلة بالحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة إلى حركة “بابليّون” وقوى أخرى لم تحسم موقفها بعد.
وأشارت قوى الإطار التنسيقي لأول مرة رسميا إلى اسم “ائتلاف إدارة الدولة”، في بيان أصدرته في الثامن والعشرين من سبتمبر بمناسبة استئناف مجلس النواب جلساته الاعتيادية، حيث قال البيان “إن الائتلاف يتولى المفاوضات مع من قالت عنهم باقي الكتل الراغبة في تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات”.
لكن تحالف “ائتلاف إدارة الدولة” قد يكون كيانا حقيقيا غير معلن عنه رسميا، أو على الأقل فإن قوى الإطار التنسيقي قد تتخلى عن هذا الإطار وتعلن عن نفسها لاحقا باسم “ائتلاف إدارة الدولة”، الذي ورد اسمه لأول مرة في بيان الإطار التنسيقي، الذي صدر بعد انتهاء جلسة مجلس النواب لتجديد الثقة برئيس المجلس وانتخاب نائب أول له بدلا من النائب عن الكتلة الصدرية حاكم الزاملي، الذي استقال مع زملائه نواب الكتلة في الثاني عشر من يونيو.
ويرى مراقبون أن المسار السياسي يمضي نحو تشكيل حكومة توافقية تضمّ جميع القوى السياسية الفائزة بالانتخابات الأخيرة من جميع المكونات وفق المحاصصة السياسية، أي إنها ستكون حكومة “ائتلاف إدارة الدولة”، بدلا من حكومة الإطار التنسيقي.
يأتي ذلك مدعوما بإصرار من الإطار التنسيقي، وقبول ضمني من “تحالف السيادة” والحزب “الديمقراطي الكردستاني” شريكي التيار الصدري في تحالف “إنقاذ وطن”، ورغبة منهما بالخروج من حالة الانسداد السياسي وتشكيل حكومة تتولى إقرار القوانين الخاصة بالموازنة العامّة وتسيير شؤون الدولة ومؤسساتها.
لذلك، فإن “ائتلاف إدارة الدولة” سيُنظر إليه على أنه التحالف السياسي الأوسع في تاريخ العملية السياسية، وأن محمد شياع السوداني هو مرشح “ائتلاف إدارة الدولة”، وأن حكومته هي حكومة هذا الائتلاف وليست حكومة الإطار التنسيقي.
وعلى ما يبدو، فإن الإطار التنسيقي بتبنّيه إنشاء “ائتلاف إدارة الدولة”، إنما يسعى لخلق حالة تجعل التيار الصدري في موقف شائك في حال سعى لإسقاط حكومة تضمّ شركاء الأمس، تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتضمّ كتلا سياسية من جميع مكوّنات الشعب العراقي.
ومر عام كامل على انتهاء الانتخابات التشريعية في العراق في أكتوبر 2021، ولا تزال الأطراف السياسية بعيدة عن التوافق على تشكيل حكومة جديدة.
الخلاف في المشهد السياسي العراقي يتركز بين القوّتين الشيعيتين الرئيسيتين، “الإطار التنسيقي” و”التيار الصدري”، والتنافس بينهما على أشدّه للاستحواذ على السلطة والموارد بالدرجة الأولى.
إلى جانب ذلك، تأتي التفاصيل المتعلقة بتبعات الخلافات الشخصية بين رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، القيادي الأبرز والأكثر نفوذا في الإطار التنسيقي الذي يضمّ أكبر القوى السياسية الشيعية الفاعلة.
وبعد 8 أشهر من الفشل في مفاوضات تشكيل حكومة غالبية وطنية، ومناورات سياسية وإعلامية على أكثر من صعيد، دعا رئيس التيار الصدري نواب الكتلة الصدرية الـ73 إلى تقديم استقالاتهم في يونيو الماضي.
واعتبارا من الثلاثين من يوليو، دعا الصدر أتباعه إلى اقتحام المنطقة الخضراء والاعتصام داخل مبنى مجلس النواب، لمنع عقد أي جلسات ستفضي حتما إلى تشكيل حكومة تقودها قوى الإطار التنسيقي، التي أصبحت مؤهّلة دستوريا بتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء وتكليفه من قبل رئيس الجمهورية المنتخب بتشكيل الحكومة الجديدة.
وفي محاولة أخيرة للاستيلاء على السلطة وإقصاء الإطار التنسيقي، اقتحمت مجاميع مسلّحة من الأجنحة العسكرية للتيار الصدري الممثلة بسرايا السلام ولواء “اليوم الموعود” وجيش المهدي، المنطقة الخضراء لأكثر من 18 ساعة يومي التاسع والعشرين والثلاثين من أغسطس الماضي.
لكن هذه الاقتحامات لم تحقق أي نجاحات ميدانية في الوصول إلى أهدافها بالاستيلاء على القصرين الرئاسي والحكومي، أو مبنى التلفزيون الرسمي وغيره من المؤسسات السيادية، في عملية مسلحة صنّفها مراقبون بأنها “محاولة انقلابية مكتملة الأركان تهدف إلى الاستيلاء على السلطة كاملة وتقويض النظام السياسي القائم منذ عشرين عاما”.
والواقع أن جميع القوى السياسية تتفق على خيارات التيار الصدري في حلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة، لكن ثمة خلافات حول آليات حلّ المجلس.
فغالبية الأطراف السياسية ترى أن أيّ حل للمجلس يجب أن يكون وفق الآليات الدستورية التي تفرض وجود حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، بديلة عن حكومة مصطفى الكاظمي التي تعدّ بحكم المستقيلة، أو بتوصيف أدقّ هي حكومة تصريف أعمال يومية لا تمتلك صلاحيات كاملة.
ولدى جميع الأطراف السياسية، بما فيها معظم قوى الإطار التنسيقي، رغبة حقيقية بمشاركة التيار الصدري في الحكومة المنتظر تشكيلها برئاسة محمد شياع السوداني مرشح الإطار التنسيقي، والذي يعارض التيار الصدري ترشيحه أو القبول بأي مرشح من قوى الإطار.
لكن التنافس السياسي على السلطة والموارد بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، أدى إلى منع تشكيل الحكومة الجديدة بعد عام كامل على إجراء الانتخابات.
ومع كثرة التصريحات عن قرب الإعلان عن تحالف جديد يحمل اسم “ائتلاف إدارة الدولة”، إلا أنه لم يُعلن عنه رسميا بعد، فيما يرجح أن حراكا حقيقيا شهدته الأيام الأخيرة لوضع أسس تفاهم جديد بين القوى السياسية لإدارة الدولة في المرحلة القادمة، عبر تحالف واسع في حال نجح مجلس النواب بانتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وكما كان متوقعا، أعاد مجلس النواب في الثامن والعشرين من سبتمبر تجديد الثقة لرئيسه محمد الحلبوسي، الذي اتخذ قرارا في السادس والعشرين من سبتمبر بدعوة أعضاء المجلس إلى التصويت على استقالته، أي بعد يوم واحد على تصريحات لقيادات في الإطار التنسيقي في الخامس والعشرين من سبتمبر عن تشكيل تحالف “ائتلاف إدارة الدولة”.
وطيلة 8 أشهر، فشل التيار الصدري في تشكيل حكومة غالبية وطنية عابرة للطائفية والعرقية ضمن تحالف “إنقاذ وطن”، الذي يضمّ ممثلين عن العرب السنّة والأكراد، لأسباب تتعلق بموقف الإطار التنسيقي الذي لعب دورا في تعطيل عقد مجلس النواب جلسات انتخاب رئيس جديد للجمهورية مخوّل دستوريا بتكليف مرشح الكتلة الصدرية لتشكيل الحكومة الجديدة.
لكن الإطار التنسيقي هو الآخر فشل في تشكيل حكومة جديدة، بعد 4 أشهر من استقالة أعضاء الكتلة الصدرية، وتسمية مرشح الإطار محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء. ويعود فشل قوى الإطار التنسيقي إلى أسباب تتعلق بلجوء التيار الصدري إلى خيار الشارع وتعطيل جلسات مجلس النواب، والتهديد بمنع أي جلسة للتصويت على انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو تكليف السوداني.
ومع حقيقة إعلان رئيس التيار الصدري اعتزاله العمل السياسي “نهائيا” في التاسع والعشرين من أغسطس الماضي، إلا أن التيار لا يزال اللاعب السياسي الأهم في معادلة تشكيل الحكومة الجديدة.
العرب