تستمر تداعيات حرب أوكرانيا بأبعادها المختلفة على جميع الصعد بتهديد الأمن الدولي وأمن الطاقة والأمن الغذائي، يضاف إليها بعد تلميحات الرئيس الروسي بوتين بخطر التصعيد لحرب غير تقليدية، تقلب الموازين وتعمق السيناريوهات الكارثية بطريقة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية السلاح النووي لأول وآخرة مرة في هيروشيما وناغازاكي في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من77 عاماً! ويتصاعد الاستقطاب الدولي الحاد داخل النظام العالمي لكسر هيمنة الغرب وتسريع التحول لنظام عالمي متعدد الأقطاب يكون للتحالف الاستراتيجي الروسي-الصيني حضور ودور يكسر احتكار وغطرسة الأنانية الغربية وتدخلاتها السافرة والمستفزة، كما ورد في البيان الصيني-الروسي المشترك الشهر الماضي في قمة مجموعة شنغهاي للتعاون 22 في مدينة سمرقند عاصمة اوزباكستان.
تخلى الرئيس الأمريكي جو بايدن عن تحفظه تجاه لجوء الرئيس الروسي بوتين إلى استخدام سلاح يوم القيامة، الخيار النووي وهدم المعبد على من فيه، بإطلاق تحذير حول الخيار النووي في 6 أكتوبر 2022-في حفل جمع تبرعات لمرشحي حزبه الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي لجميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ وحكام بعض الولايات وفي سعي محموم منه، ومن قيادات حزبه لمنع انتزاع الحزب الجمهوري الأغلبية الضئيلة في المجلسين من الديمقراطيين. بعد سبعة أشهر ونصف من حرب ومقامرة تصعيد بوتين على أوكرانيا- باحتلال واستفتاءات صورية ـ وضم أربع مقاطعات أوكرانية لروسيا بالقوة ـ وبعد تلميح بوتين في خطابه في نهاية سبتمبر باستعداده لاستخدام جميع القدرات للرد على الاعتداءات بما فيها أسلحة الدمار الشامل، بما يشمل النووي التكتيكي المحدود. وتبقى مخاوف لجوء بوتين المأزوم في الداخل، بسبب تعرض قواته لخسائر وانتكاسات وانسحابات، وفر أكثر من 200 ألف ممن أعمارهم في سن الاستدعاء للخدمة العسكرية في الاحتياط العسكري في أوكرانيا- بأن يلجأ الرئيس بوتين بشكل متهور للخيار النووي أو أسلحة الدمار الشامل لوقف هزائم وانهيار قواته في شرق أوكرانيا. إلا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان واضحاً في تحذيره للمرة الأولى، الأسبوع الماضي من ذلك السيناريو الكارثي: «لم نواجه إمكانية هرمجيدون(الحرب الأخيرة لفناء ونهاية البشرية والعالم) «لأول مرة منذ أزمة الصواريخ الكوبية، (في عهد الرئيس كنيدي وخروتشوف عام 1962 في عز الحرب الباردة) نواجه تهديدا باستخدام السلاح النووي، بوتين لا يمزح عندما يتحدث عن احتمال استخدام سلاح نووي تكتيكي أو سلاح بيولوجي، لأن أداء قواته في (أوكرانيا) ضعيف»!
تصريح يثير القشعريرة والمخاوف بشكل غير مسبوق من انزلاق الأوضاع لاستخدام أسلحة الدمار الشامل «نووي تكتيكي أو بيولوجي أو كيميائي» ما سيتسبب بقتل مئات الآلاف من البشر بسبب الإشعاع النووي. وتكمن الخطورة أن روسيا بوتين نظام تسلطي شمولي لا يخضع لكوابح وضوابط تردعه ضمن آلية النظام لدفع ثمن خياراته الكارثية. خاصة بعد قمع المعارضة وزج بقيادتها في السجون وآخرهم نفالني أو اغتيالهم بالقتل والتسميم. ولا توجد معارضة، ولا نظام قضائي يحاكم ويحاسب، ولا إعلام ومجتمع مدني ينتقد ويحذر، ويتفاعل يردع ويعاقب التهور والتصعيد! ما يجعل فرص تهور بوتين الذي احتفل بعيد ميلاده السبعين، باستخدام أسلحة الدمار الشامل في الحرب أعلى وأخطر!
مع كل ذلك التهويل الروسي وسيناريو هرمجدون، يؤكد تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية وغيرها عدم وجود تحضيرات لاستخدام السلاح النووي التكتيكي الروسي لكلفة التهور الكارثي، ولأن بوتين ليس انتحارياً، وكذلك لن تغير أمريكا تموضعها النووي
حذر الجنرال المتقاعد ديفيد باتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) «أن الوضع العسكري الميداني للقوات الروسية في أوكرانيا لا يمكن تغييره. ويواجه هزائم وانتكاسات، ومهما حاول بوتين ضم مزيد من الأقاليم واستدعاء مزيد من الاحتياط، وحتى لو استخدم بوتين السلاح النووي التكتيكي، فلن يغير من واقع ومسار الحرب المتعثرة في أوكرانيا! الخطورة من سيناريو يدفع ذلك الواقع، الرئيس بوتين لاستخدام السلاح النووي. والرد سيكون بقيادة أمريكا ضمن حلف الناتو سيدمر القوات الروسية ومعداتهم العسكرية التقليدية في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وجميع القطع العسكرية للأسطول البحري الروسي في البحر الأسود. لكن دون تفعيل المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، لأن أوكرانيا ليست عضواً في الحلف. لكن لن يقود الانزلاق في حال استخدم بوتين السلاح النووي التكتيكي المحدود، إلى تصعيد حرب نووية. لكن تكمن الخطورة، أنه في حال حدث تسرب الإشعاع النووي لدولة في حلف الناتو، هنا تصبح الحاجة لرد من حلف الناتو ضرورية، لأنه لا يمكن السماح باستخدام السلاح النووي، دون الرد على ذلك التصعيد».
لكن مع كل ذلك التهويل الروسي وسيناريو هرمجدون، يؤكد تقييم أجهزة الاستخبارات الأمريكية وغيرها عدم وجود تحضيرات لاستخدام السلاح النووي التكتيكي الروسي لكلفة التهور الكارثي، ولأن بوتين ليس انتحارياً، وكذلك لن تغير أمريكا تموضعها النووي. وخاصة بعد إرسال أمريكا وحلفائها في الناتو رسائل تحذير وإنذار للرئيس الروسي بوتين من خطورة وكلفة العواقب الكارثية التي ستلحق بروسيا وأوروبا والنظام العالمي، في حال تهور بوتين واستخدم السلاح النووي أو البيولوجي.
لكن يبقى التحدي لأمريكا والناتو في سيناريو مرعب حذر منه ماركو روبيو السناتور الجمهوري القيادي في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، ماذا وكيف سيكون الرد إذا لجأ بوتين الى عملية استفزاز وتصعيد خطير بقصف نقاط تجمع الأسلحة الغربية وتدميرها داخل بولندا قبل نقلها لأوكرانيا؟ خاصة أن بولندا عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وتنتمي لمعسكر الصقور المعادي لروسيا وحربها ضد جارتها أوكرانيا، واستقبلت ملايين اللاجئين الأوكرانيين؟! ودأب بوتين وأعوانه بالتهجم وتهديد بولندا-آخرها التذكير، أنه لولا تضحيات الاتحاد السوفييتي وهزيمة الجيش الروسي قوات هتلر النازية والرايخ الثالث في الحرب العالمية الثانية، لما كانت وُجدت دولة تسمى بولندا! وللحرب فصول وفصول!
آخر الكلام: عندما تتصارع الفيلة…يموت العشب!!
القدس العربي