لا أحد يستطيع المزايدة على “المقاومة” وحزب اللهالتابع لإيران في عقيدته لمقاومة إسرائيل والزحف نحو القدس، بالمناسبة اللغوية الزحف يعني بين ما يعني التحرك على البطن كالأفعى أو التحرك ببطء وثبات على اليابسة، أما على البحر فالحركة بالإبحار والسباحة والغوص. أي يمكن الزحف نحو القدس، لكن طريق البحر إليها أصبح مستحيلاً بعد توقيع اتفاق (قانا – كريش)، والاتفاق بين لبنان وإسرائيل هو اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين البلدين واستغلال ثروات النفط والغاز بينهما بتنقيب من شركة توتال الفرنسية، وبرعاية ووساطة أميركية، فأميركا “الشيطان الأكبر” كما يسميها النظام الإيراني وتابعوه، قام مبعوثها أموس هوكشتاين، المولود بإسرائيل والجندي السابق بجيشها، بجولات مكوكية بين البلدين للتوصل إلى الاتفاق، فلا أمم متحدة ولا جامعة عربية ولا إسلامية ولا يحزنون. لبنان وإسرائيل وأميركا بينهما فقط لا غير، توصلوا إلى اتفاق قانا – كريش لترسيم الحدود بين البلدين.
ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل يعني اعترافاً متبادلاً بين البلدين، فمن غير المنطقي أن تقبل دولة بترسيم الحدود مع دولة أخرى وهي لا تعترف بها، بل إن الاتفاق الذي أيده حزب الله نص على تسمية “إسرائيل” وليس “الكيان الصهيوني”. وهو اتفاق يعني تجنب أية حرب قادمة بين البلدين، لأن لهما مصلحة في استتباب الأمن على حدودهما من أجل الطاقة والغاز، بل كتب أمير تابون الكاتب في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أمس أن “الاتفاق اللبناني – الإسرائيلي لا يقل أهمية عن اتفاقات السلام الإبراهيمي بين المغرب والإمارات والبحرين”.
وبذلك يكون جيران إسرائيل من العرب، مصر والأردن ولبنان، اعترفوا بإسرائيل، وتبقى سوريا وحدها بلا اعتراف متبادل، ولا ترسيم للحدود حتى الآن.
في عام 1975، زحفت جموع بشرية هائلة من الشعب المغربي قاربت نصف مليون يقودها الملك الراحل الحسن الثاني نحو الصحراء المغربية، وذلك في مسيرة سلمية عرفت بالمسيرة الخضراء، مطالبة بالجلاء عن الصحراء المغربية التي كانت تحتلها إسبانيا منذ القرن الـ19، وأصر الملك الحسن حينها على سلمية التحرير في خطابات تكررت جاء في آخرها في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1975، وألقاه في مدينة أغادير المغربية الجنوبية ما نصه “لا نريد أبداً أن نطغى، ولا أن نقتل، ولا أن نسفك الدماء، بل نريد أن نسير على هدى وبركة من الله في مسيرة سلمية”، فكان تحرير الصحراء الغربية البالغة مساحتها 260 ألف كيلومتر مربع من دون إراقة الدماء.
مرت قبل أيام ذكرى حرب أكتوبر التي قاد بها الجيش المصري حرباً مظفرة انتصر فيها على الجيش الإسرائيلي، وأدت إلى مفاوضات كامب ديفيد، حينها خون العرب السادات، لكن سيناء تحررت، وعادت إلى السيادة المصرية منذ أكثر من 40 عاماً، يذكر أن مساحة سيناء تبلغ أكثر من 60 ألف كيلومتر مربع، أي أنها تساوي أكثر من ضعفي مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كيلومتر مربع.
احتلت بريطانيا (العظمى) جزيرة هونغ كونغ التابعة للصين عام 1840، لكنها اضطرت إلى تسليمها للتنين الصيني حين بدأ ينفث نار الاقتصاد العملاقة، مما أجبر بريطانيا على إعادة الجزيرة “سلماً” للصين عام 1997.
بدورها سلمت البرتغال شبه جزيرة ماكاو بعد تسليم هونغ بسنتين، عام 1999، للعملاق الصيني الذي ضرب بيده الاقتصادية على اقتصادات العالم أجمع. وكانت البرتغال احتلت (استأجرت) شبه الجزيرة من الإمبراطور الصيني في منتصف القرن الـ16، لكنها اضطرت إلى تسليمها للصين الصاعدة اقتصادياً من دون حرب أو مقاومة أو تحرير.
لا يحق لأحد المزايدة على لبنان في التوصل إلى الاتفاق، فلا يعقل أن يكون هناك لبنانيون أكثر من اللبنانيين أنفسهم؟ وقد علق السيد إلياس بوصعب نائب رئيس البرلمان اللبناني “حافظ (الاتفاق) على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية، وذلك في توقيت مهم بالنسبة إلى اللبنانيين”.
في عام 1978، خرجنا طلاباً نتظاهر بجامعة الكويت احتجاجاً على توقيع اتفاقات كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، وصرخنا بأعلى أصواتنا نخون السادات، ونرفع شعار سلفه الرئيس جمال عبدالناصر “ما أخذ بالقوة، لا يسترد إلا بالقوة”.
اندبندت عربي