بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، يواجه مرشح “الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية محمد شياع السودانيمهلة 30 يوماً لإتمام تشكيلته الوزارية وإرسالها إلى البرلمان للتصويت عليها، ما يضع عديداً من السيناريوهات أمام تلك المهمة، خصوصاً مع التعقيد الكبير الذي يحيط بالمشهد العراقي في الفترة الحالية.
وعلى الرغم من حصول التوافق المريح داخل قبة البرلمان بين القوى الموالية لإيران وبقية الأطراف السياسية الكردية والسنية فإن الشكوك لا تزال تثار حول إمكان حسم هذا الملف بسرعة، خصوصاً أنها تأتي في ظل احتمال تأزم الأوضاع تزامناً مع ذكرى الموجة الثانية للانتفاضة العراقية في الـ25 أكتوبر (تشرين الأول)، فضلاً عن إمكان أن يتحرك التيار الصدري بشكل مفاجئ لعرقلة هذا الملف.
وإضافة إلى ذلك، يواجه السوداني ملفاً آخر لا يقل تعقيداً يرتبط بآلية توزيع الحقائب الوزارية للكتل المختلفة ضمن مبدأ التوافق القائم في البلاد، ما يدفع مراقبين إلى الاعتقاد أن السوداني ربما يدفع بتشكيلة وزارية جزئية وتأجيل حسم المناصب الخلافية لتجنب تجاوز المدد الدستورية.
وبحسب الدستور العراقي فإن على رئيس الجمهورية تكليف مرشح جديد في حال إخفاق المرشح الأول في تشكيل الحكومة خلال مدة 30 يوماً، وهو ما لا ترغب القوى الموالية لإيران بحصوله. وفي أول تصريح له قال السوداني إنه سيقوم بتقديم التشكيلة الحكومية في أسرع وقت ممكن.
هل يتكرر سيناريو علاوي
ولعل ما يدفع إلى تباين التوقعات في شأن إمكان إمرار حكومة السوداني هو حصول سيناريو فشل عدد من المكلفين بتشكيل الحكومات السابقة في الحصول على ثقة البرلمان خلال انتفاضة أكتوبر 2019. وكان محمد توفيق علاوي الذي تم تكليفه في فبراير (شباط) 2020، خلال موجة الاحتجاجات العراقية قد فشل في الحصول على ثقة البرلمان ما دفعه إلى الانسحاب والحديث عن ضغوط سياسية مورست عليه لتقديم التنازلات.
وفي مارس (آذار) من العام نفسه فشل النائب في البرلمان العراقي عدنان الزرفي هو الآخر في تشكيل الحكومة العراقية بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية السابق برهم صالح.
وعلى الرغم من استحضار حالات فشل المكلفين في المرور داخل البرلمان فإن الظروف الحالية تبدو مختلفة بشكل كبير خصوصاً مع حصول “الإطار التنسيقي” على أكثر من 130 نائباً بعد انسحاب “الكتلة الصدرية“، فضلاً عن عدم ممانعة قوى “الإطار” لفكرة التوافق، ما يسهم إلى حد كبير في إمكان إمرار حكومة السوداني.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن الضغوط الشديدة التي يتعرض لها “الإطار التنسيقي” ستدفعه إلى “محاولة إثبات قوته السياسية وإمساكه بزمام المبادرة وهو ما سيعجل الدفع بالتشكيلة الحكومة”، مرجحاً أن يتم حسم هذا الملف خلال أسبوعين. ويعزو الشمري احتمال إسراع السوداني في طرح التشكيلة الحكومية إلى “خشية الإطار التنسيقي من أن يحفز التيار الصدري أنصاره لتظاهرات جديدة”، وهو ما سيؤدي ربما إلى “تعقيد مهمة السوداني أو حتى ضرب مسار تشكيل الحكومة بالكامل”.
حوارات مبكرة وقلق
لعل ما يدفع إلى الاعتقاد أن قوى “الإطار التنسيقي” ربما ستكون قادرة على حسم ملف الحكومة المقبلة بسرعة، هو الدخول المبكر لهذه القوى في حوارات موسعة مع مختلف الأطراف، بحسب الشمري الذي يكشف عن أن “اتفاقات أولية جرت على معايير منح الوزارات وفق تصنيفاتها السيادية وما دونها بين الكتل المختلفة”. ويشير إلى أن “عرف تقاسم الوزارات وفق مبدأ المحاصصة لا يزال جارياً إضافة إلى مناقشة عديد من الأسماء المقترحة بين الكتل وهذا يرجح احتمال الاستعجال في حسم التشكيلة خلال المدة الدستورية”. ويرى الشمري أن الخلافات الكردية الداخلية فضلاً عن الإشكالات التي ربما تحصل بين الكتل الشيعية والحزب الديمقراطي الكردستاني حول وزارتي النفط والمالية “قد تمثل عقبة في طريق الحسم السريع لتشكيل الحكومة”، لافتاً إلى أن السوداني استلم خلال الفترة الماضية بعض السير الذاتية للمرشحين المحتملين.
في المقابل، لا يزال التيار الصدري يمثل عنصر القلق الأكبر بالنسبة لقوى “الإطار”، ويعتبر الشمري أن التيار يمثل العقبة الأبرز في طريق إمرار حكومة السوداني خصوصاً مع توعده المستمر بعدم السمح بحكومة إطارية، لافتاً إلى أن حسم هذا الأمر يتطلب أن “يبادر السوداني إلى رسم خريطة تفاهم مباشرة مع الصدر”، ويتابع أن التيار الصدري ربما “يبدأ حملة اعتراض هدفها الأساس عرقلة تشكيل أي حكومة يرعاها الإطار، خصوصاً مع تصاعد مناسيب القلق لدى التيار من أن خصمه السياسي بات يمتلك الدولة، بالتالي قد يعيد سيناريو الصدام معه، وقد يسهم في تقويض مستقبله السياسي”.
ويرجح أن يبدأ الحراك الاحتجاجي الفعال للتيار الصدري بعد مرور الأشهر الثلاث الأولى لحكومة السوداني على الرغم من استعداد القوى المعارضة وتيارات الاحتجاج لتظاهرات يوم 25 أكتوبر الحالي. ويختم بأن الفترة المقبلة قد تشهد انسحاباً لبعض القوى نتيجة عدم الرضا على التفاهمات بخصوص الحصص الوزارية “إلا أن القوى التي تقف خلف السوداني يبدو أنها تمتلك العدد الكافي لتمرير حكومته”.
حلفاء إيران
ولا يزال الحديث جارياً عن وساطات تقودها بعض أطراف “الإطار التنسيقي” مع التيار الصدري في محاولة لتجنب إمكان أن يعرقل إمرار الحكومة المقبلة مقابل حصوله على وزارات، وهو ما تحاول أيضاً بعض المنصات الموالية لإيران تبيانه للرأي العام العراقي، إلا أن قيادات صدرية وصفته بـ”البروباغندا الدعائية”. وأشارت مصادر داخل التيار الصدري إلى أن “الإطار التنسيقي” أرسل عديداً من الوساطات في محاولة لصياغة تفاهم مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فضلاً عن توسط شخصيات دولية في هذا السياق إلا أن كل تلك الوساطات لم تفض إلى أي نتائج”. وتابعت المصادر أن “الصدر رفض التواصل مع كل الأطراف الداخلة في سياق تشكيل الحكومة المقبلة على الرغم من محاولات بعض تلك الأطراف بث إشاعات بأن ثمة حصة للتيار الصدري داخل التشكيلة الحكومية المقبلة”.
وتداولت صفحات لأنصار التيار الصدري تعليقاً حول رسائل من أطراف “الإطار التنسيقي” مفادها بأنها مستعدة لتغيير مرشح رئاسة الوزراء بأي مرشح يحظى بدعم الصدر إلا أن الأخير رفض الرد على هذه المقترحات، في حين أجاب صالح محمد العراقي الملقب بـ”وزير الصدر” على التعليق بالقول “كاذبون مخادعون… كلا للفساد”.
احتمالات تصعيد مستمرة
ولا تتوقف العقبات التي تواجهها حكومة “الإطار التنسيقي” على احتمالات ممانعة التيار الصدري وحسب، إذ يرفض عديد من القوى المدنية والأحزاب الناشئة وقوى الانتفاضة تشكيل حكومة من قبل حلفاء إيران، الأمر الذي قد يمثل تحدياً كبيراً لحكومة السوداني حتى لو تم إمرارها.
ويتحدث أستاذ العلوم السياسية عصام الفيلي عن معوقات عدة ستقف في طريق حكومة السوداني سواء في الفترة التي تسبق التصويت عليها أو في حال مرورها في البرلمان. ويضيف أن أول الإشكالات لا ترتبط بممانعة التيار الصدري أو القوى المدنية بل تتعلق بـ”آليات توزيع المناصب في أي حكومة توافقية، خصوصاً مع محاولة مختلف الأطراف التي صنعت التفاهمات مع الإطار التنسيقي الحصول على حصص مرضية في التشكيلة المقبلة”، ويتابع أن السياق التوافقي الذي سيتبع في تشكيل حكومة السوداني “سيمثل إلى حد ما العقبة الأولى أمام إمرار مريح لها”.
وبشأن الحديث عن إمكان أن يحاول “الإطار التنسيقي” إعطاء حصص وزارية للتيار الصدري، يشير الفيلي إلى أن “زعيم التيار لو كان راغباً بالتوافق لسمح بذلك عندما كان يحظى بأغلبية مريحة داخل البرلمان”، مبيناً أن تحركات التيار الصدري تعطي انطباعاً بأنه “غير راغب بشكل مطلق في الدخول ضمن أي تفاهمات مع الإطار التنسيقي أو أي قوى سياسية أخرى في سياق توافقي”، ويتابع الفيلي أن إعلان “القوى التشرينية” عزمها التظاهر في 25 أكتوبر الحالي يمثل مساحة واضحة لـ”قراءة التوجه العام للقوى المدنية إزاء حكومة السوداني”، ويختم بأن زعيم التيار الصدري يعتمد بشكل مستمر “مبدأ المباغتة”، ولذلك لا يمكن التنبؤ بتوقيت تلك التحركات إلا أنها ستكون حاضرة خصوصاً مع وجود “تراث طويل من الصراع بين نوري المالكي والصدر وإعلان الأخير رفض كل ما يخرج من عباءة المالكي”.
اندبندت عربي