اليوم، الثلاثاء، هو آخر يوم في الانتخابات الأميركية النصفية، وبناء على نتائجها تتحدد أمور كثيرة، محلية وعالمية. تاريخياً، مثل هذا اليوم هو يوم الانتخابات، لكن تغيير الكونغرس لعدد من القوانين في السنوات الماضية، مكّن الملايين من الناخبين من التصويت المبكر، وبهذا تحول الموضوع من “يوم الانتخابات” إلى “موسم الانتخابات”.
في نهاية اليوم سنعرف كيف ستتغير موازين القوى في واشنطن، وهل سيسيطر الجمهوريون على الأغلبية في الكونغرس ومجلس الشيوخ معاً، أم أحدهما فقط، أم سيستمر الأمر كما هو عليه الآن. استمرار الوضع كما عليه الآن يعد نصراً كبيراً لبايدن والحزب الديمقراطي، الذي نقل البلاد من أزمة إلى أزمة منذ تولي بايدن كرسي الرئاسة. وسيشكل هذا مشكلة كبيرة لصناعة النفط الأميركية ودول أوبك.
وإذا حقق الجمهوريون أغلبية في كل من الكونغرس ومجلس الشيوخ فإن هذا سيكون ضربة قاصمة لبايدن والديمقراطيين، ورفضاً لأجندة الديمقراطيين، ليس في الاقتصاد والتغير المناخي والطاقة فحسب، إنما في أمور ثقافية واجتماعية ودينية أيضاً.
غير أن أغلب التوقعات تميل إلى فوز الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس فقط، ولهذا أثر محدود بشكل عام خلال العامين القادمين، لكنه ينذر بتغير كبير في انتخابات 2024.
إذا فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس الشيوخ، فإن هذا يعني ارتباك الحكومة. لماذا؟ لأن كل ما يريد الرئيس بايدن تمريره سيجري إيقافه في مجلس الشيوخ، وكل ما يمرره مجلس الشيوخ سيوقفه بايدن.
تاريخياً، تشير البيانات إلى أن هذا الوضع مفيد للاقتصاد، ويدعم صناعة النفط، سواء من ناحية الأنشطة أو الأسعار. قطاع النفط الأميركي سيستفيد كثيراً، لأن هذا الوضع سيمنع بايدن والديمقراطيين من وضع قيود على قطاع النفط والغاز، وهو القطاع الذي يعادونه بشدة. سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ تعني توقف مخطط الديمقراطيين المتعلق بالتغير المناخي، وتوقف السياسات البيئية المتطرفة، وهذا يعني بالضرورة توسع قطاع النفط والغاز بسبب زيادة الطلب على منتجاتهما.
لكن هناك سيناريو محتملاً وسيئاً للغاية: عدم قدرة الرئيس بايدن على تمرير قوانين وسياسات جديدة لا تعني بالضرورة توقف أجندته وأجندة الديمقراطيين. فيمكن للرئيس إصدار أوامر رئاسية تصبح قانوناً مباشرة بدون المرور على الكونغرس أو مجلس الشيوخ.
مشكلة هذه القوانين أنه يمكن لأي رئيس آخر في المستقبل أن يلغي هذه الأوامر في الدقائق الأولى من تسلمه الحكم وبجرة قلم. الرئيس أوباما لجأ إلى هذه السياسة بكثافة، وقد يلجأ لها بايدن. ونظراً إلى أن سياسات التغير المناخي أصبحت الشغل الشاغل لإدارة بادين والديمقراطيين، فليس مستغرباً أن يصدر بايدن قرارات رئاسية عديدة تتعلق به، وهي أوامر سيكون لها آثار مباشرة في قطاع الطاقة.
قطاع الأعمال، بكافة أقسامه، بخاصة قطاعي الطاقة والمواصلات، لا يؤيدون فكرة استخدام الرئيس القرارات الرئاسية، لأنها تتغير باستمرار، وهذا يرفع تكاليف الإنتاج والخدمات من جهة، ويخفض الاستثمار من جهة أخرى.
إذا في حالة فوز الجمهوريين بمجلس الشيوخ، سينعكس على الفوز إيجاباً على قطاع النفط والغاز وبقية قطاع الطاقة، إلا إذا قرر الرئيس بايدن اللجوء إلى قرارات رئاسية لتطبيق أجندة المناخ. وهناك حالة ولكن تعتبر نادرة فيما يخص قرارات المناخ والطاقة، وهي تمرير مجلس الشيوخ لقوانين وتشريعات رغم معارضة الرئيس بايدن لها، وذلك إذا جرى التصويت عليها بأغلبية الثلثين.
والأمر الوحيد الذي يمكن أن يمرر بهذه الطريقة هو قانون “لا لأوبك” الذي يسمح للحكومة الأميركية بمقاضاة دول أوبك بتهمة الاحتكار والتحكم في أسعار النفط. وذلك لأن هناك دعماً جمهورياً كبيراً لهذا القانون، والذي أيده الرئيس ترمب قبل أن يصبح رئيساً. باختصار، هناك اختلاف كبير بين الديمقراطيين والجمهوريين بخصوص سياسات التغير المناخي والطاقة، لكن هناك اتفاقا بينهما حول معاداة أوبك والدول الأعضاء فيها.
في حالة فوز الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس دون حصولهم على أغلبية في مجلس الشيوخ، فإن أثر ذلك في سياسات الطاقة والمناخ سيكون ضعيفاً، لكنهم يستطيعون منع الرئيس بايدن من السحب من المخزون الاستراتيجي للتأثير في أسعار النفط، وهذا أمر مفيد لدول أوبك بشكل عام، وصناعة النفط الأميركية بشكل خاص.
ويمكن للكونغرس الجديد أن يشغل إدارة بايدن عن كل أهدافها عن طريق فتح تحقيقات تتعلق بالرئيس وعائلته وقادة الديمقراطيين. فمن الممكن أن يفتحوا تحقيقاً بشأن علاقة ابن الرئيس بدول وشركات أجنبية، أو أمور تتعلق بعلاقة الإدارة بشركات التقنية والتواصل الاجتماعي وحظرها لكبار الشخصيات اليمينية والمحافظة، بما في ذلك الرئيس ترمب.
مشكلة صناعة النفط ستكون كبيرة إذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن بحيث لا يفوز الجمهوريون بالأغلبية في كل من الكونغرس ومجلس الشيوخ. بعبارة أخرى، يمكن أن يخسر الديمقراطيون عدداً من المقاعد في الكونغرس، لكن خسارة غير كبيرة، ومن ثم تبقى لهم الأغلبية.
حتى هذا النوع من الخسارة ستفسره إدارة بادن على أنه نصر كبير وتأييد شعبي لسياسات بايدن المتعلقة بالمناخ والطاقة، ومن ثمّ فإن الإدارة ستتبنى سياسات أكثر تطرفاً، والتي تتضمن وضع ضرائب استثنائية على أرباح شركات النفط والغاز، والاستمرار بالسحب من المخزون الاستراتيجي. الصناعة ستعاني في هذه الحالة، لكن الشيء الأكيد هنا أن الولايات المتحدة والعالم سيكونون مقبلين على أزمة طاقة تاريخية بسبب هذا التطرف.
ختاماً، أي نصر جمهوري اليوم في الانتخابات سيعيد الأمل بالسماح بإتمام بناء أنبوب كي ستون إكس أل الذي ينقل النفط الكندي من ولاية ألبرتا إلى الولايات المتحدة، وسيحجم من قدرة بايدن على فرض ضرائب استثنائية على شركات النفط. إلا أن هناك أموراً غير واضحة حتى الآن، مثل موقفهم من السقف السعري على النفط الروسي والتعاون غير المباشر مع النظامين الإيراني والفنزويلي.
اندبندت عربي