لماذا تشارك إيران في الحرب الأوكرانية‏؟

لماذا تشارك إيران في الحرب الأوكرانية‏؟

من خلال دعم الحلفاء وتسويق أسلحتها، تقوم الجمهورية الإسلامية بتوسيع نفوذها وتخويف خصومها، وتختبر ذخائرها، بينما تضيف المزيد من النقود إلى إيراداتها المالية.‏
* * *
تواصل النخب السياسية والعسكرية الإيرانية‏‏ إنكار‏‏ حقيقة أن صناعة الأسلحة المزدهرة في بلادها أصبحت مزوِّدًا رئيسيًا لروسيا بالأسلحة والذخائر. وكان الكرملين حذرًا في حرصه على الإشارة‏ إلى التسميات ‏‏التي تعرِّف الأسلحة المعنية بأنها روسية. مع ذلك، ومع نفاد أنظمة الأسلحة الروسية من ذخائرها ومعداتها الخاصة أثناء العمل في ساحات المعارك البرية وفي المجال الجوي الأوكراني، تتزايد الأدلة المستلة من الحطام الذي تخلفه الهجمات على أن معدات معادة التسمية من الطائرات القتالية والكاميكازي والاستطلاعية من دون طيار إيرانية الصنع، فضلاً عن صواريخ باليستية من نوع أرض-أرض، على ما يبدو، تتسبب في إيقاع خسائر قاتلة في صفوف الجنود والمدنيين والبنية التحتية الأوكرانية. ‏‏وقد تم إرسال مدربين من الحرس الثوري الإيراني ‏‏إلى قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم لتدريب الروس على استخدام هذه المعدات والذخائر، وفقًا لما ذكره مسؤولون أميركيون.‏
تعاني حكومة طهران من حصار العقوبات المتصاعدة، والتمويل المحدود، وارتفاع معدلات البطالة، ونقص الإسكان، والجفاف المستمر. ويطالب العديد من المواطنين الإيرانيين بانتظام بالتغيير، وربما تكون احتجاجاتهم الآن بصدد التجمع في انتفاضة جماهيرية عارمة على مستوى البلد كله. فلماذا إذن يخاطر النظام باستجلاب المزيد من الغضب الدولي والمحلي من خلال تقديم الخبرة العسكرية والذخائر لشريك إقليمي كان قويًا ذات مرة، لكنه يعاني الآن؟‏
النفوذ والترهيب‏
ما تزال روسيا، على الرغم من كل نقاط ضعفها الاقتصادية والعسكرية التقليدية، قوة عظمى نووية. وعلى غرار جمهورية الصين الشعبية،‏‏ دأبت روسيا على حماية الجمهورية الإسلامية ‏‏من مواجهة القوة الكاملة لغضب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بسبب تصرفات طهران الجيوسياسية البغيضة. والآن يتعين على إيران أن ترد الجميل، وعلى نحو يثبت أن جهود روسيا لدعمها لم تكن بلا جدوى. وذُكر أن مسؤولين إيرانيين وروسًا توصلوا إلى اتفاق بشأن الذخائر في أوائل تشرين الأول (أكتوبر). والأهم من ذلك من وجهة نظر السياسة الخارجية الإيرانية، أن قادة طهران حققوا انتصارًا كبيرًا من خلال وضع فلاديمير بوتين في موضع المدين سياسيًا لبلدهم.
تزعم الجمهورية الإسلامية أنها تقف ضد “الحكومات الغربية المتغطرسة”‏‏، على حد تعبير مرشدها الأعلى، آية الله علي خامنئي‏‏. وبينما تدعم الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الحكومة الأوكرانية، يقدم قادة إيران نموذجهم الخاص في دعم روسيا المحاصرة، وبالتالي الإشارة إلى القوى الناشئة ودول العالم الثالث بأن التخلي عن المعايير العالمية التي وضعها الغرب هو شيء ممكن. وفي الواقع، ‏‏حذرت‏ ‏الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إيران مرة تلو المرة من إعادة تجهيز هجمات الجيش الروسي على أوكرانيا، ولكن من دون جدوى.‏
في الأساس، تُظهر إيران أنها ستقف إلى جانب حلفائها المناهضين للغرب. وتقدم طهران الدعم لروسيا الآن تمامًا كما تدعم مسبقًا كلاً من تمرد الحوثيين في اليمن ونظام الأسد في سورية. ومن المؤكد أن الرسالة واضحة للقيادات في كل من بغداد وبيروت وصنعاء وبيونغ يانغ -وحتى بكين. وإضافة إلى ذلك، ترسل طهران تحذيرًا إلى الحكومات في واشنطن ولندن والقدس وأبو ظبي والرياض، من أنها لا تنوي كبح‏‏ جماح طموحاتها لإعادة تشكيل النظام العالمي‏‏، سواء تم إحياء الاتفاق النووي أم لا.‏
التجارب في ساحة المعركة قد تجلب مشترين إضافيين‏
كما فعلت تركيا من خلال أذربيجان في أرمينيا، تختبر إيران أحدث تقنياتها العسكرية من خلال روسيا في أوكرانيا، من دون الحاجة إلى أن تكون هي نفسها بطلة العرض. وقد فعلت إيران الشيء نفسه في كل من اليمن وسورية. وحتى لو لم ‏‏تضرب أسلحة طهران إسرائيل مباشرة من إيران‏‏، فإن الهجمات التي تُشن عليها من جنوب لبنان أصبحت الآن منتظمة. وبالمثل، شعرت القواعد الأميركية والكردية في العراق وسورية بآثار صواريخ إيران الجديدة الموجهة بدقة. وشهدت مرافق “أرامكو” في المملكة العربية السعودية ضربات مستهدفة بعناية ضد منشآتها بواسطة طائرات من دون طيار وصواريخ إيرانية في أيلول (سبتمبر) 2019. كما استمرت الهجمات المتفرقة على منشآت البتروكيماويات في السعودية، والتي شُنت من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شبه الجزيرة العربية. والآن، أصبحت لدى الجيش الإيراني وفيلق الحرس الثوري بيئة أوروبية يمكن من خلالها جمع البيانات العملياتية من الميدان. كما تنشر إيران تهديدها مباشرة في أوروبا، حتى لو ‏‏استخدم الروس أسلحتهم بشكل مختلف‏‏ عن الطريقة التي قد تستخدمها بها إيران.‏
بعد أن ‏‏اعتمدت روسيا على تقنيات الطائرات من دون طيار في طهران ‏‏لسنوات عديدة، فإنها تحتاج الآن إلى آلات جاهزة للطيران. وفي المقابل، يخدم استخدام روسيا للأسلحة الإيرانية بشكل أكثر وضوحًا بكثير من الاستخدام السوري والحوثي لعرض التكنولوجيا الإيرانية الفتاكة ‏‏للمشترين المحتملين‏‏. وما تزال ‏‏فعالية التقنية العسكرية الإيرانية‏‏ موضع نقاش؛ حيث تتمكن الدفاعات الأوكرانية من إسقاط ما لا يقل عن نصف الطائرات من دون طيار والصواريخ التي تأتي من إيران قبل أن تتمكن من إيقاع الضرر. ومع ذلك،‏‏ أصبح المصنعون والمشغلون أكثر مهارة‏‏ مع كل عملية نشر، وأي تقدير للذخائر الإيرانية أفضل من أن تعتمدها القوات المسلحة لقوة عالمية؟‏
يستفيد نظام طهران الذي يعاني من عوزه إلى النقود ماليًا من تزويد موسكو بالأسلحة. وعلى الرغم من العقوبات التي يفرضها الغرب، فإن لدى روسيا الأموال اللازمة للدفع لإيران بفضل صادراتها المستمرة من النفط والغاز، وخاصة إلى الدول الآسيوية. وتظهر روسيا تقديرها لحليفتها من خلال آليات مالية أخرى طويلة الأجل أيضًا، بما في ذلك ‏‏استثمار 2.7 مليار دولار في قطاعي النفط والغاز الإيرانيين.‏‏ ويمكن للحكام السلطويين في طهران استخدام هذه الأموال لتعزيز دعمهم محليًا، وبالتالي ضمان نجاة النظام وبقائه في فترة تشهد احتجاجات شديدة.‏
المزيد سيأتي
‏من بين كل هذه السلبيات، ثمة نتيجة إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة ودول أخرى، مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى عرقلة المناورات الجيوسياسية الإيرانية. كما أصبحت هذه الدول الآن قادرة على تقييم قدرات إيران العملياتية في ظل المواقف القتالية، وليس بشكل غير مباشر من خلال صور الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخباراتية. وسوف يحتاج الغرب إلى هذه البيانات، لأن أوكرانيا لن تكون الساحة الأخيرة التي تحصد فيها آلات القتل التي تنتجها طهران الأرواح.‏
تمكن الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية قادة طهران من توسيع نفوذهم الإقليمي والعالمي، مع جلب الإيرادات التي تحل محل الدخل المفقود بسبب العقوبات. وليس من المستغرب أن يتحدث القادة العسكريون الإيرانيون عن بلدهم على أنه يهدف إلى أن يصبح ‏‏من أكبر مصدري الأسلحة في العالم‏‏. وفي نهاية المطاف، ‏‏قد لا تهتم ‏‏جمهورية إيران الإسلامية كثيرًا بالفوضى التي تزرعها خارج حدودها، بينما تتبنى موقفًا يقوم على مبدأ “المكان الذي تستخدم فيه (أي الأسلحة) ليس قضية البائع”.‏

الغد