استدارة أردوغان الإقليمية: مع إسرائيل اليوم ومع سوريا ومصر بعد الانتخابات

استدارة أردوغان الإقليمية: مع إسرائيل اليوم ومع سوريا ومصر بعد الانتخابات

أنقرة- كشفت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس عن رغبته في تغيير السياسة الخارجية لبلاده والتي اتسمت بالصدامية، لكن هذا التغيير سيكون على خطّيْ سرعة مختلفين، واحد سريع مع إسرائيل ويريده أن يحدث اليوم ويتجاوز كل العراقيل السابقة، والثاني مع سوريا ومصر سيكون مؤجلا إلى ما بعد الانتخابات التركية في يونيو 2023.

وحمل الاتصال الهاتفي بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي القديم – الجديد بنيامين نتنياهو رغبة تركية واضحة في تجاوز كل الخلافات بما في ذلك التي أدت إلى البرود في العلاقة بين البلدين، أي موقف أردوغان من استهداف إسرائيل للفلسطينيين.

وقال أردوغان في اتصاله مع نتنياهو إن “المهم هو الحفاظ على العلاقات على أساس الاحترام المتبادل”، وهو ما يعني أن تركيا لن تتدخل مستقبلا في ما لا يعنيها، ولن تكرر عنترياتها السابقة في غزة، ولن تطلق تصريحات أو اتهامات لإسرائيل باستهداف الفلسطينيين، فتلك مرحلة قد مرت خاصة بعد أن فشلت لعبة الرئيس التركي في توظيف الموضوع الفلسطيني.

وأضاف أردوغان في كلامه لنتنياهو أنه يشعر بالحزن إزاء “الأحداث التي وقعت قبل يومين في الضفة الغربية”، في إشارة إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين على يد مهاجمين فلسطينيين. صحيح أن التعزية جاءت في قالب ملتبس، لكنها في النهاية تظهر أن أردوغان يريد ربط علاقات متينة مع إسرائيل بقطع النظر عن رأي الفلسطينيين وصدمتهم من ازدواجية خطابه.

إسرائيل أكثر أهمية بالنسبة إليه على المستوى الواقعي، ولأجل ذلك يريد طمأنة نتنياهو أن تركيا تغيرت في السنتين الأخيرتين، وأنها باتت تبحث عن مصلحتها فقط، وأن عليه أن ينسى ما حدث في السابق من عنتريات خاصة تلك التي أطلقها أردوغان أمام مؤتمر دافوس سنة 2009. فكل ذلك بات من الماضي.

وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية المتينة مع إسرائيل، فإن أردوغان يريد ربط صلة قوية بنتنياهو وتحالفه اليميني من أجل تأمين موافقة إسرائيلية على السماح لتركيا بأن تلعب دورا مهما في نقل غاز شرق المتوسط عبر أراضيها، وليس عبر أيّ دولة أخرى، وهو ما أشار إليه أردوغان نفسه خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ خلال زيارته إلى أنقرة في أغسطس الماضي.

وأعرب أردوغان عن استعداده “للتعاون (مع إسرائيل) في مجال الطاقة ومشاريع أمن الطاقة”، مع احتمال نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا.

وإذا كانت العلاقات مع إسرائيل تجلب نتائج مباشرة ربما تساعد أردوغان على زيادة حظوظه في الانتخابات، فإن التقارب مع سوريا ومصر سيكون أمرا مؤجلا إلى ما بعد الانتخابات، وذلك لحسابات خاصة لدى الرئيس التركي.

◘ أردوغان لا يتخوف من تأخير التقارب مع مصر، ولا يرى داعيا للاستعجال مع تعاط مرتبك للمصريين مع نفوذ تركيا في ليبيا

ويريد أردوغان تأجيل التقارب مع سوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد، ليس لأن الأتراك يهمهم الموقف من الأسد، ولكن لأن أيّ مصالحة مع الأسد تعني تغييرا لوضع السوريين في تركيا وهي قضية شائكة، وتداعياتها لا تقف عند البعد الإنساني، فقد تظهر ردود فعل عنيفة ضد هذا القرار خاصة أن أنقرة لا تعرف إلى حد الآن كيف ستتصرف تجاه الآلاف من مقاتلي المعارضة الذي دربتهم وصاروا محسوبين عليها، وكيف سيكون مصيرهم، هل سيتم تسريحهم أم إقناع الأسد بدمجهم في قواته.

وكانت وسائل إعلام تركية قد نقلت في سبتمبر الماضي أن أردوغان أبدى رغبة في لقاء الأسد في قمة شنغهاي في أوزبكستان، لكن الأسد لم يشارك في القمة. وتزامنت هذه المعلومة مع أنباء عن لقاء جمع في دمشق بين رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا علي مملوك.

ويجد التقارب بين أنقرة ونظام الأسد ضوءا أخضر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي باتت تربطه علاقات مميزة مع الرئيس التركي خلال الحرب في أوكرانيا، فقد بات الوسيط الثقة بينه وبين أوكرانيا والدول الغربية الداعمة لها.

وقال أردوغان إنه يمكن لبلاده أن تعيد النظر في علاقاتها مع مصر وسوريا، وذلك بعد الانتخابات المقبلة في بلاده، مؤكدا أنه “ليس هناك خلاف واستياء أبديّ في السياسة”، وأنه “يمكن تقييم الوضع عندما يحين الوقت وتجديده وفقًا لذلك”.

ومن الجانب الآخر، أي تطوير العلاقة مع مصر، لا يبدو الرئيس التركي متخوفا من تأخير هذا التقارب، ولا يرى أيّ داع للاستعجال أو القلق خاصة مع تعاطي المصريين مع النفوذ التركي المتزايد في ليبيا، وهو نفوذ امتد حتى إلى منطقة الشرق، وباتت أنقرة هي المتحكم في أيّ حل مستقبلي بعد أن نجحت في أن تتحول إلى قبلة للفرقاء الليبيين بمن فيهم من كانوا محسوبين على القاهرة.

ولم يتجاوز الرد المصري بعض البيانات والتصريحات التي توحي بالانزعاج من التمدد التركي لكن على أرض الواقع هناك تعايش مصري واضح مع الوجود التركي كأمر واقع.

ويرى الأتراك أن موضوع التقارب مع مصر غير ضاغط الآن إلا بقدر تطوير القاهرة لعلاقاتها بقبرص واليونان بالشكل الذي يهدد مصالح أنقرة وخاصة اتفاقياتها مع الحكومة المسيطرة على الغرب الليبي. عدا ذلك فإن تركيا نجحت الآن في ملاعبة المصريين بورقة الإخوان، فتارة تطلق العنان لهم ولإعلامهم وتارة أخرى تضغط عليهم، ويكتفي المصريون بردة الفعل الكلامية.

وكان أردوغان قد عبّر عن إستراتيجية الانفتاح بالحد الأدنى مع مصر حين قال في يوليو الماضي إن المباحثات بين أنقرة والقاهرة تسير عند المستوى الأدنى، مشيرا إلى إمكانية ارتقائها إلى مستوى رفيع.

العرب