التنبؤ بمستجدات الساحة السياسية والسياسة الخارجية الأميركية عام 2023 ليس بالأمر الهيّن بالتأكيد. ومع ذلك، تبقى هناك بعض التوجهات الواضحة. وإذا ما راقبنا عن قرب بعض التطورات المحورية، يمكننا حينها توقع أحداث العام المقبل على نحو أفضل:
أولاً: رغم فشل الحزب «الجمهوري» في حصد الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي، فإنه سيسيطر على مجلس النواب. وهنا يكمن أول تطور رئيسي يجب مراقبته: فإذا انتخب نواب الحزب «الجمهوري» كيفن مكارثي، مطلع يناير (كانون الثاني)، زعيماً لمجلس النواب، فإن بايدن سيعاني صداعاً دائماً.
ينتمي مكارثي إلى الجناح اليميني للحزب «الجمهوري»، الذي يرفض أي تفاوض أو تسوية مع بايدن والحزب «الديمقراطي». وبالفعل، ينتقد حلفاء مكارثي الجمهوريين من أعضاء مجلس الشيوخ الذين تعاونوا مع الحزب «الديمقراطي» بخصوص موازنة 2023 الجديدة. وثمة احتمال كبير أن يجبر مجلس النواب، بقيادة مكارثي، الحكومة الأميركية على تعليق الكثير من عملياتها، في ظل تشاحن الطرفين حول موازنة 2024 (لن يشمل هذا التعليق أعمال «البنتاغون»).
في تلك الأثناء، سنشهد فتح مجلس النواب تحقيقات حول النشاطات التجارية لنجل بايدن، هانتر، وتعامل إدارة بايدن مع ملف الهجرة وإجراءات ضبط الحدود، إلى جانب الانسحاب من أفغانستان عام 2021. وبالتأكيد، لن يكون هذا أمراً ممتعاً لكثيرين داخل إدارة بايدن.
ونظراً لأن بايدن من المحتمل أن يواجه حصاراً جمهورياً كاملاً لأجندته الداخلية، فإنه سيوجه تركيزه نحو قضايا السياسة الخارجية. وسيتركز جل اهتمام القيادات المعنية بحقيبتي الدفاع والدبلوماسية داخل إدارة بايدن على أوكرانيا. وسيعمل مسؤولو الإدارة نحو هدفين: أولهما: الإبقاء على الدعم الموجّه لأوكرانيا رغم عدم الارتياح الذي يساور بعض الدول الأوروبية، وثانيهما: احتواء الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب.
والحقيقة أنه ليس ثمة تفسير لزيارة بريت مكغورك، كبير مستشاري بايدن لشؤون الشرق الأوسط، للجزائر في وقت سابق من الشهر، سوى رغبته في الحديث عن صادرات الغاز الطبيعي لأوروبا، وبناء إجماع دولي حول الغزو الروسي لأوكرانيا. ولم يكن مكغورك في الجزائر لمناقشة قضية أخرى، مثل الصحراء الغربية.
ويبدي فريق إدارة بايدن حذراً إزاء التورط في مواجهة مباشرة مع روسيا، ويرغب في التوصل لتسوية دبلوماسية. والمؤكد أن إدارة بايدن ستجابه صعوبة في التعامل مع الجمهوريين المحافظين داخل مجلس النواب، الذين سئموا من إمداد أوكرانيا بالمساعدات.
ومن هنا، ستكون الأولوية التالية لجهود إدارة بايدن احتواء الصين، خصوصاً من خلال تعزيز التحالفات. ومن المقرر أن يلتقي بايدن ووزيرا الخارجية والدفاع المعاونان له، الكثير من القادة الآسيويين خلال 2023، بهدف تناول الاستراتيجيات اللازمة لردع الهجمات العسكرية والسيبرانية الصينية.
وأخيراً، ستواجه إدارة بايدن الحكومة الإسرائيلية اليمينية والشرق الأوسط. ودعونا نتحدث بصراحة هنا: هذا ليس البيت الأبيض الذي كان يقوده جورج بوش الأب وصديقه ووزير خارجيته، جيمس بيكر. ففي عام 1990، أخبر بيكر علانية رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق شامير، أن يتصل بالبيت الأبيض عندما تكون بلاده على استعداد لعقد سلام مع الفلسطينيين، بل وعمد ساخراً إلى تذكير شامير برقم هاتف البيت الأبيض.
وفي عام 1991، قرر جورج بوش الأب مواجهة أصدقاء إسرائيل في واشنطن، وإرجاء المساعدات المالية لإسرائيل حتى يوافق شامير على تجميد أعمال البناء داخل المستوطنات الإسرائيلية. هذه الأيام قد ولّت. واليوم، لن يخاطر بايدن بدفع الثمن السياسي الذي تكبّده بوش.
إلى ذلك، ولأسباب من بينها الضغوط الإسرائيلية، ستدخل إدارة بايدن في صراع مع البرنامج النووي الإيراني. وفي الأسبوع الماضي، أعلن بايدن موت الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لكنه أضاف أنه «يفضل عدم قول ذلك»، لماذا؟ السبب ببساطة أنه يأمل في التوصل لاستراتيجية دبلوماسية تسهم في إرجاء توجيه ضربة عسكرية لإيران. وسيتعين علينا الانتظار ومراقبة التحركات الإيرانية. فإذا شرع الإيرانيون في استعادة بعض التعاون مع مراقبين دوليين للتفتيش على منشآتهم النووية، وتجنبوا صنع قنبلة نووية، سيتحول بايدن بعيداً عن خيار شن هجوم ضد طهران. في المقابل، إذا مضت إيران قدماً نحو تجميع قنبلة نووية، وبالطبع إذا أجرت اختباراً لمثل هذه القنبلة، سيتعرض بايدن لضغوط هائلة داخل واشنطن.
في الواقع، يشعر بايدن بالندم على تصويته عام 2002 لصالح حرب العراق، ويعي جيداً أن بضع ضربات جوية لن تحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني والأطماع الإقليمية الإيرانية. وستتحدد استجابة بايدن على ما ستختار طهران فعله، أو الامتناع عن فعله.
أما توقعي الأخير، فأكثر سهولة: بحلول نهاية عام 2023، ستكون الحملات الانتخابية الرئاسية جارية. وسيعاني دونالد ترمب خلال منافسته المبكرة أمام حاكم فلوريدا، ديسانتيس ديسانتيس. في هذا السياق، تكشف استطلاعات الرأي، بالفعل، تراجعاً في معدلات تأييد ترمب داخل الحزب «الجمهوري»، خصوصاً بعد تعليقات ترمب حول أنه ربما ينبغي تجميد الدستور الأميركي، بسبب أعمال التزوير المزعومة في انتخابات عام 2020. أما بايدن، فسيعلن عزمه خوض الانتخابات للفوز بإعادة انتخابه، رغم أن غالبية ناخبي الحزب «الديمقراطي» يفضلون الدفع بمرشح آخر. وبإمكاننا توقع اشتعال حرب سياسية مريرة في واشنطن بحلول نهاية العام.
الشرق الاوسط