نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا قالت فيه إن الاقتصاد العراقي يتهاوى في وقت بدأت فيه الولايات المتحدة بالتحرك لمنع تدفق الأموال من إيران. وجاء في التقرير الذي أعده ديفيد أس كلاود أن بغداد بدأت تشعر بوطأة فرض القيود على العقود بالدولارات.
وقال إن العراقيين يشعرون بتغير غير متوقع على العملة أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبضائع المستوردة، وهو تغير غير ملاحظ في السياسة التي تطبقها وزارة الخزانة والاحتياطي الفدرالي في نيويورك.
فقد بدأ بنك الاحتياطي الفدرالي بفرض القيود العالية على العقود الدولية بالدولار والتي تديرها البنوك العراقية منذ تشرين الثاني/نوفمبر في محاولة للحد من غسيل الأموال واختلاس الدولارات ونقلها إلى إيران ودول أخرى فرضت عليها عقوبات أمريكية في الشرق الأوسط، حسبما نقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وعراقيين.
وأضافت الصحيفة أن البنوك العراقية ومنذ الغزو الأمريكي عام 2003 ظلت تعمل بناء على قواعد أقل شدة. إلا أن سنوات من الحكومات الضعيفة والأزمات المستمرة من التمرد ضد الاحتلال الأمريكي إلى تنظيم الدولة الذي سيطر على مناطق واسعة في البلاد، قادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتأجيل تحويل النظام المصرفي العراقي لكي يتواءم مع ممارسات تحويل الأموال الدولية.
ومنذ بدء تطبيق الإجراءات فقد تم منع 80% أو أكثر من عمليات تحويل الأموال اليومية في العراق والتي كانت تصل في بعض الأيام إلى 250 مليون دولار، وذلك لعدم توفر المعلومات الكافية حول وجهة المال أو أخطاء أخرى، حسب مسؤولين أمريكيين وعراقيين وبيانات الحكومة العراقية. ونظرا لندرة الدولار، فقد هبطت قيمة الدينار العراقي بنسبة 10% أمام الدولار، بشكل أدى لزيادة حادة في أسعار المواد المستوردة، بما فيها البيض والطحين وزيت الطعام.
وقال محمود داغر، مدير بنك الجنوب الإسلامي والمسؤول السابق في المصرف المركزي العراقي “اتبعنا نفس النظام خلال العشرين عاما الماضية” و”لكن صدمة سياسة البنك الفدرالي هي المسؤولة عن الأزمة في داخل الاقتصاد العراقي”.
وتجسد اضطرابات السوق العراقي العلاقة الحذرة والمتشابكة مع الولايات المتحدة التي ساعدت عام 2004 على إنشاء المصرف المركزي العراقي بشكل أصبح فيه الدولار عملة التبادل نظرا لأن معظم الاقتصاد يعتمد على النقد. ومن أجل توفيره للعراق تقوم الطائرات الأمريكية بنقل بالات من العملة الأمريكية إلى بغداد كل عدة أشهر، لكن هناك تدفقا أكبر للدولارات يتم نقله إلكترونيا عبر العقود البنكية الخاصة أو يتم معالجتها في الحسابات العراقية في نيويورك حيث يتم إيداع موارد النفط في الاحتياطي الفدرالي.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن القيود المشددة على تحويلات الدولارات بطريقة إلكترونية وتقوم بها البنوك الخاصة في العراق، لم تثر دهشة المسؤولين في بغداد. وتم تطبيقها بطريقة مشتركة بعد عامين من النقاشات وتخطيط من البنك المركزي العراقي، ووزارة الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفدرالي. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن زيادة سعر صرف الدولار لا علاقة لها بالإجراءات الجديدة. لكن التمحيص الجديد على التحويلات بالدولار أدى لزيادة في شراء الدولارات وسيل من الانتقادات من المسؤولين العراقيين والبنوك والمستوردين الذين حملوا السياسة الجديدة المسؤولية عن الهزة المالية غير الضرورية التي أدت لسوء الأوضاع الاقتصادية السيئة أصلا.
وقال رئيس الوزراء محمد السوداني الذي تولى المنصب مع بداية تراجع قيمة العملة المحلية إن تحرك الاحتياطي الفدرالي يضر بالفقراء ويؤثر على ميزانية الحكومة لعام 2023. وفي مقابلة مع الصحيفة قال “هذا محرج بالنسبة لي”، حيث قال إنه سيرسل وفدا إلى واشنطن في الشهر المقبل بمقترح يتم فيه تعليق السياسة مدة ستة أشهر. وانتقد بعض الساسة العراقيين ممن لديهم روابط قوية مع إيران السياسة بشدة. وقال هادي العامري، زعيم مجموعة بدر للسفير الفرنسي في لقاء عقد بالعاشر من كانون الثاني/يناير “يعرف الجميع كيف يستخدم الأمريكيون العملة كسلاح لتجويع الناس”.
وبناء على الإجراءات الجديدة صار على البنوك العراقية تقديم التحويلات بالدولارات على منصة جديدة تابعة للمصرف المركزي حيث تتم مراجعتها من الاحتياطي الفدرالي.
ويهدف النظام للحد من قدرة النظام المصرفي العراقي على تهريب الدولارات إلى طهران ودمشق وغسيل الأموال في الشرق الأوسط، حسب قول المسؤولين الأمريكيين.
ويقول داغر، المسؤول السابق في المصرف المركزي إن حملة الحسابات العراقيين وبناء على النظام القديم لم يكن يطلب منهم الكشف عن الجهة التي ترسل إليها إلا بعد تحويل الأموال.
وقالت متحدثة باسم الاحتياطي الفدرالي في نيويورك عن الحسابات التي يشرف عليها للحكومات الأجنبية مثل العراق “نعتمد نظام التزام قوي لهذه الحسابات والذي يتطور مع الوقت ردا على معلومات جديدة”.
وقال مسؤول أمريكي إن الإجراءات الجديدة “ستحد من قدرة اللاعبين الخبيثين على استخدام النظام المصرفي العراقي”. ورفضت الخزانة الأمريكية والمصرف العراقي التعليق على الإجراءات. وقال المصرف المركزي العراقي في بيان أصدره في 15 كانون الأول/ديسمبر إن السياسة الجديدة تطلب معلومات كاملة من العملاء الذين يريدون تحويل الأموال، بما فيها المستفيد النهائي منها. وجاء في البيان “هناك عدد من الأخطاء اكتشفت ويطلب من البنوك إعادة العملية” و”إجراءات كهذه تقتضي وقتا إضافيا قبل قبولها وتمريرها من النظام الدولي”. ومنع البنك المركزي أربعة بنوك، بنك آسيا الإسلامي، البنك العراقي للشرق الأوسط وبنك أنصاري الإسلامي وبنك القابض الإسلامي من إجراء عقود بالدولار حسب مسؤولين عراقيين ووثائق محاكم. ورفض مدراء بنك آسيا الإسلامي والأنصاري التعليق.
وضغط المسؤولون الأمريكيون على العراقيين ولسنوات لتقوية النظام المصرفي. وفي عام 2015، أوقفت الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفدرالي تدفق مليارات الدولارات إلى المصرف المركزي العراقي بسبب القلق من وصول الأموال إلى البنوك الإيرانية وربما إلى تنظيم الدولة. ودعم المسؤولون العراقيون إجراءات متشددة مع البنوك الخاصة.
وقال هادي السلامي، عضو البرلمان وعضو لجنة مكافحة الفساد إن الأحزاب والميليشيات العراقية التي تسيطر على معظم البنوك تستخدمها لتهريب الدولارات إلى الدول الجارة “نريد وقف هذا حالا”. وظهر أثر العمليات الجديدة من خلال التراجع الحاد في التحويلات المصرفية للبنوك العراقية والتي يتابعها المصرف المركزي على موقعه. ففي 17 تشرين الأول/أكتوبر وقبل البدء بالعمل بالنظام الجديد وصلت التحويلات المصرفية إلى الخارج لـ 224.4 مليون دولار. وفي 17 كانون الثاني/يناير انخفضت إلى 22.9 مليون دولار، أي انخفاض بنسبة 90%.
ويقول المسؤولون العراقيون إن الوضع المضطرب سيستقر مع تنفيذ العملاء للطلبات. ويقول مصرفيون عراقيون وتجار عملة إن القيود المشددة تهدف لوقف الخطط التي تستخدم لاختلاس الدولارات، فتجار الاستيراد عادة ما يزيفون الفواتير التي تدفع لبضائع لا تصل وتذهب إلى جهات مجهولة.
وقال حمزة الصراف صاحب محل عملة في منطقة الكرادة ببغداد “تذهب الدولارات العراقية وبنسبة 100% إلى تركيا واليمن وسوريا وإيران ولبنان وأحيانا إلى دبي”. وأدت القيود على التحويلات الإلكترونية لحالة فزع من أجل شراء الدولارات. واضطر المستوردون الذين منعوا من التحويلات الإلكترونية بالدولارات لتأخير طلباتهم لحين الالتزام بالتعليمات الجديدة. ووصل سعر الصرف للدولار إلى 1.470 دينارا، إلا أن البنوك ومحلات الصرافة تبيعه بسعر أعلى هو 1.620 دينارا.
القدس العربي