عاد موضوع حرق القرآن ليتصدّر أخبار الإعلام ويثير الإدانات وردود الأفعال العربية والإسلامية والتعليقات الغربية، وجاءت الواقعة هذه المرة من السويد، تظاهرة أذنت بها الشرطة السويدية أمام سفارة تركيا السبت الماضي، حيث قام اليميني المتطرّف الدنماركي راسموس بالودان بإحراق نسخة من المصحف الكريم للتنديد بالمفاوضات التي تجريها ستوكهولم مع أنقرة حول الانضمام لحلف شمال الأطلسي.
تقدّم سيرة بالودان نموذجا يتشابه فيه مع نظرائه من الساسة اليمينيين العنصريين المتطرفين، بمن فيهم الإسرائيليون كبن غفير وسموتريتش، فلديه حكم بالسجن عام 2020، وأدين بقضايا لا تقتصر على قضايا حرية التعبير، منها حادثة صدم حكّم بعدها بفقدان رخصة القيادة لسنة، كما مُنع من العمل كمحام لمدة ثلاث سنوات، وقد قام سابقا بعدة حوادث إحراق للقرآن وتشويهه، وهو يدعو لوضع الأجانب غير القادرين على العودة إلى بلادهم في معسكرات اعتقال، وهو يدعو لحظر الإسلام في الدنمارك وترحيل جميع المسلمين.
تمتد خريطة إحراق المصاحف عبر مسافة تاريخية وجغرافية واسعة، وتعتبر حادثة إحراق الترجمة اللاتينية له عام 1530 بأمر من البابا كليمنت السابع أول الحوادث المعلومة تاريخيا، وتبعت ذلك قرارات من محاكم التفتيش الإسبانية بحظر أي ترجمات أخرى، وجاء الردّ على ذلك من الكنيسة البروتستانتية ممثلة بمارتن لوثر الذي اعتبر أن ترجمة القرآن «تفيد المسيحية» وكان هذا الموضوع نسيا منسيا إلى أن اتخذ طابعا دينيا ـ سياسيا مجددا بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وما تبعه من غزو أمريكي لأفغانستان حينما أعلن قس أمريكي مغمور يدعى تيري جونز، عام 2010، «اليوم العالمي لحرق القرآن» داعيا إلى حرق نسخ من القرآن في تاريخ هجمات نيويورك بدعوى أن كتاب المسلمين المقدس يدعو للإرهاب والتطرف، وهو ما أدى حينها إلى مظاهرات غاضبة في عدد من الدول الإسلامية.
قام جنود أمريكيون في أفغانستان بعد ذلك، في عام 2014، بإحراق مصاحف في قاعدة باغرام الشهيرة، وتزامن ذلك مع إحراق محققين أمريكيين لمصاحف في غوانتنامو، وهو ما أدى إلى مظاهرات غاضبة في بلدان إسلامية عديدة، واتخذ الأمر طابعا سياسيا مع إبداء ساسة من الحزب الجمهوري تأييد الدعوة بالتوازي مع حملات سياسية ضد الرئيس الأسبق باراك أوباما، في ربط بين جذوره من ناحية أبيه الكينيّ المسلم، والعلاقات المتوتّرة مع العالم الإسلامي بعد غزو أفغانستان والعراق.
التقطت الاتجاهات العنصرية الأوروبية هذه الفكرة فنشرت مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، عام 2020 رسوما كاريكاتيرية تسيء للنبي محمد، مما أشعل غضب المسلمين، ثم نشر اليميني المتطرف الهولندي خيرت فيلدرز مقطع فيديو تحت عنوان «لا للإسلام لا لرمضان» وانتشر العداء ضد المسلمين في مجمل القارة، فظهرت حركة «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» (بيغيدا) والتي تتحدث عن «غزو المسلمين لألمانيا» ووصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، المسلمات المنقبات بـ«لصوص البنوك» وتابع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نهج الإسلاموفوبيا العريض في فرنسا، الذي خرج بفكرة «محاربة الانفصالية الإسلامية» وكرّر عدد مرات المقولات النمطية لليمين العنصري ضد المسلمين.
يظهر تتبع الخطّ البياني للتصويرات العدائية والنمطية للإسلام والمسلمين ارتباطه بالصراعات التاريخية التي تتسلّح فيها المصالح السياسية وأشكال الغزو وآليات السيطرة والهيمنة والنفوذ بأقنعة إعلاء شأن أديان وتبخيس أخرى، ويمكن اعتبار مشروع إسرائيل، التي شرعن برلمانها كونها «دولة يهودية» واشتغالها على السيطرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية، في إطار نهب كامل فلسطين واستيطانها، أحد الأمثلة الأكثر وضوحا وبيانا لهذه القضية.
القدس العربي