نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول عامين من رئاسته برغم حقول الألغام الكثيرة، التي تحتاج فقط لصاعق يفجرها، بتجنب مواجهات تقحم أمريكا في أزمات في حروب المنطقة، وخاصة بعد الانسحاب المرتبك من أفغانستان في أغسطس 2021.
وبذلك يكرر الرئيس بايدن نجاح عقيدة الرئيس باراك أوباما بتجنب الانخراط في حروب الشرق الأوسط، والذي كان يفاخر أن مبدأه يقضي بعدم الانجرار لحروب مضنية ومكلفة في الشرق الأوسط والاستدارة نحو آسيا لاحتواء الصين ومعها مغامرات روسيا وذلك قبل عقد من غزو أوكرانيا! وتفاخر أوباما أنه نجح بتجنب خوض حرب سوريا عام 2013. حتى أنه اقترح تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بين السعودية وإيران واتهم الخليجيين بأنهم «راكبون بالمجان»!
يبدو الرئيس بايدن نائب الرئيس باراك أوباما لثمانية أعوام (2009-2017) مصمماً على اتباع نهج سياسات ومقاربات الرئيس أوباما تجاه أزمات الشرق الأوسط. لم يتورط بايدن المنهمك بصراع وجودي لتهيئة الظروف والأرضية لترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2024 لفترة رئاسة ثانية وأخيرة، وكذلك ليحافظ حزبه الديمقراطي على أغلبيته في مجلس الشيوخ واستعادتها في مجلس النواب التي خسرها بفارق ضئيل في نوفمبر الماضي. وكذلك احتواء نفوذ الجمهوريين، وخاصة الجناح المتشدد الذي يمسك برئيس مجلس النواب ماكارثي رهينة ونجح بابتزازه لينصاع لشروطهم، يغذيهم الرئيس السابق دونالد ترامب برغم أفول نجمه وتراجع نفوذه، والمحاصر بقضايا جنائية ولجان تحقيق وتعيين وزير العدل محقق خاص للتحقيق بتجاوزات احتفاظه بوثائق سرية والمماطلة بتسليمها في مخالفة للقانون الفدرالي. وكذلك تعيينه وزير العدل محققا خاصا آخر للتحقيق بكيفية وجود وثائق فدرالية سرية في مكتبة ومرآب الرئيس جو بايدن بعد اكتشاف وثائق سرية أيضاً يخالف وجودها لدى الرئيس بايدن القانون الفدرالي بعد تركه منصبه، نائباً للرئيس أوباما.
نجح بايدن في أول عامين بتجنب اقحام أمريكا في الشرق الأوسط المتحركة! لكن ارهاصات عام 2022 ستقحم بايدن في أكثر من أزمة.
أتفق مع ما جاء في مقال الرأي لمسؤول السياسة الخارجية الأمريكية الأسبق هارون ديفيد ميلر وروبرت ووليهم في دورية Foreign Policy هذا الشهر» برغم بقاء أولوية واهتمام سياسة خارجية إدارة بايدن في عام 2023 مواجهة تداعيات واحتواء روسيا وتكبيدها كلفة استراتيجية كبيرة، لحربها على أوكرانيا. تبرز ملفات وأزمات ضاغطة على رأسها احتواء صعود وتحركات الصين تحركات التي تهدد زعامة وتفرد الولايات المتحدة التي تسعى مع روسيا ـ لتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، تضاف لتهديد مغامرات كوريا الشمالية الصاروخية، كما ستفرض أزمات الشرق الأوسط نفسها على إدارة بايدن، وخاصة أزمات سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا.
نجح الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول عامين من رئاسته برغم حقول الألغام الكثيرة، التي تحتاج فقط لصاعق يفجرها، بتجنب مواجهات تقحم أمريكا في أزمات في حروب المنطقة
لكن الملفين الأكثر استحواذاً وإشغالاً لإدارة بايدن من بين أزمات الشرق الأوسط عام 2023، ستكون إسرائيل وإيران، خاصة في استمرار فشل مفاوضات الاتفاق النووي واقتربت إيران من عتبة النووي وهي مسألة أشهر وليس سنوات!
والأزمة الثانية التي تتقاطع مع الأزمة الأولى وتطرح السؤال الكبير: هل يفجّر قمع وغطرسة وعنصرية حكومة أقصى اليمين الإسرائيلية حربا سادسة على غزة أو انتفاضة ثالثة في القدس؟
هذان الملفان المتقاطعان سيُبقيان إدارة بايدن منشغلة بملفات الشرق الأوسط للعامين المتبقيين من رئاسته. ما يعيق أمريكا من الالتفات كلياً لمواجهة الأولويات الأمنية والاستراتيجية على المسرح الدولي، خاصة مواجهة والتصدي لروسيا والصين.
غير مستبعد بسبب تركيبة حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً دينياً وعقائدياً وصهيونية، أن تفجر الصاعق وتغير النظام الديمقراطي الليبرالي العلماني وتعمق يهودية الدولية وتهمش الفلسطينيين العرب الإسرائيليين وتعمق الخلافات في المجتمع الإسرائيلي بين محافظيه وليبرالييه وتوسع الاستيطان ليتمدد لكل أرجاء فلسطين كما تعهد نتنياهو، وتقضي على أي فرصة لحل الدولتين، وهي رؤية تدعمها أمريكا وأوروبا والأمم المتحدة. وهو ما حذر جيك سوليفان مستشار الأمن الوطني الأمريكي نتنياهو وحكومته منه. خاصة أن وجود شركاء متطرفين ايتمار بن غفير وزير الأمن الوطني ومنحه صلاحيات مسؤولية الأمن وشرطة الحدود وتهديده وشيطنته الفلسطينيين واقتحامه المسجد الأقصى.
والمتطرف بيزيل سموترتش، مستوطن وزعيم حزب الصهيونية الدينية، وزير في وزارة الدفاع مسؤول عن مصير مئات آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين في الضفة الغربية وخطورة الصلاحيات الممنوحة له ستكون على حساب صلاحيات وزارة الدفاع! سيعمق الشرخ وانسداد الأفق ويسرع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية! ما سيدفع لانفجار قادم.
يشكل التقاطع بين حكومة نتنياهو المتطرفة وتعهده بأنه عاد لمنع إيران من امتلاك أي سلاح نووي، وتطوير قدرات ضغط نتنياهو على إدارة بايدن للتزود بأسلحة متطورة لمنع إيران من امتلاك القدرات النووية. وحتى استخدام الكونغرس للضغط على بايدن لتزويد إسرائيل بأسلحة متطورة والتلويح بعمل عسكري، وربما القيام بهجمات سيبرانية واغتيال علماء نوويين إيرانيين، كأوراق ضغط لدفع وإجبار إيران للعودة إلى الاتفاق النووي. ما قد يدفع المنطقة إلى حافة الهاوية بحسابات خاطئة، وسوء تقدير موقف.
وكان ملفتاً رسالة تحذير الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الأسبق في سلسلة تغريدات في حسابه في تويتر» هناك خشية في حال فشل التوصل لاتفاق نووي مع إيران، وتزويد إدارة بايدن إسرائيل بأسلحة، من عمل عسكري يهز أمن واستقرار منطقتنا».
ما لم تضغط وتلجم إدارة بايدن بشكل جدي وصارم نتنياهو وحكومة أقصى اليمين بوقف التصعيد والتهديد بعمل عسكري ضد إيران لتداعياته الخطيرة ما سيدفع المنطقة لحافة الهاوية، ويهدد الاستقرار والأمن وأمن الطاقة، ويحث ويلح حلفاء أمريكا العرب إدارة بايدن رفض تزويد إسرائيل بأسلحة نوعية، ونزع فتيل الأزمة، وخطورة وزراء الصهيونية الدينية كبن غفير وسموترتش، سنشهد انتفاضة ثالثة وحرب. وسنجد أنفسنا مع أمريكا عالقين في رمال المنطقة المتحركة!
القدس العربي