قال كبير الجنود الأوكرانيين، الجنرال فاليري زالوجني، إنه إذا كان ليشن هجومًا مضادًا ناجحًا ضد الجيش الروسي، فسوف يتعين على الغرب تزويده بـ300 دبابة أخرى. وهذا، بطبيعة الحال، موقف تفاوضي. في الواقع، كانت حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي فعالة للغاية في إدارة الحلفاء الغربيين: تتملقهم، وتطالبهم، وتضعهم مع شعور بالذنب لتدفعهم إلى تقديم أكثر مما كانوا يعتزمون تقديمه. وسوف يحصل زيلنسكي على المزيد من الدبابات في الحقيقة، حتى لو لم تكن 300، الآن بعد أن تعرضت برلين لضغوطات كبيرة من أجل إزالة اعتراضاتها على تسليم الدبابات. فهل يشير تردد ألمانيا في البداية إلى تغيير في تصور الحرب؟ لقد كشف هذا التردد بالتأكيد عن الطبيعة المحدودة لترسانات القوى الأوروبية.
ستكون المرحلة التالية من الحرب صراع استنزاف شاق
كانت دول الناتو تقوم بتزويد أوكرانيا بالدبابات فعليا. وقاد التشيك الطريق في نيسان (أبريل) من العام الماضي من خلال إرسال دبابات من طراز “تي-72” مجددة متبقية من الحقبة السوفياتية، وتبعتها في ذلك معظم دول حلف وارسو السابقة الأخرى. وكان ذلك منطقيًا، حيث تتمتع أطقم الدبابات والصيانة الأوكرانية بالدراية للتعامل مع هذه النماذج المألوفة. وثمة المزيد من هذه المركبات تتجه نحو ساحة المعركة، لكن الجدل الآن يدور حول تزويد أوكرانيا بالمركبات الغربية الأكثر تقدمًا. وقد يبدو قرار بريطانيا إرسال 14 دبابة من طراز “تشالينجر 2” بمثابة قطرة في الدلو، تهدف إلى المساعدة على دفع برلين المترددة -إن لم يكن إلى إرسال بعض دباباتها من طراز “ليوبارد 2″، فعلى الأقل التخلي عن اعتراضاتها على قيام آخرين، مثل بولندا وفنلندا وإسبانيا والدنمارك وهولندا، بذلك. (بصفتها الدولة المصنعة للدبابات، تتمتع ألمانيا بحق النقض (الفيتو) على إعادة تصديرها).
“ليوبارد” هي تصميم قادر للغاية والدبابة الأكثر استخدامًا بشكل واسع النطاق في أوروبا. وتستطيع هذه المركبة المسلحة بمدفع رئيسي من عيار 120 ملم أن تتحرك بسرعة تزيد على 40 ميلاً في الساعة، على الرغم من امتلاكها دروعًا جيدة. وعلى الرغم من دخولها الخدمة في العام 1979، إلا أن برنامج التحديث المنتظم للمركبة يعني أنها ما تزال نظامًا جديًا يُحسب له الحساب في الخطوط الأمامية، قادرًا على الاحتفاظ بتميزه أمام جميع نظرائه من الأنظمة الروسية باستثناء أحدثها. وعلى أي حال، لم تكن موسكو راغبة حتى الآن في المخاطرة بإقحام أحدث دباباتها، “تي-14 آرماتا”، وتقترح وزارة الدفاع البريطانية أن هذا يرجع إلى أنه “من غير المرجح أن القادة الروس يثقون في المركبة في القتال”. ما تزال “أرماتا” عرضة للخلل: تعطلت إحداها في المرة الأولى التي ظهرت فيها في موكب الساحة الحمراء.
بدلاً من ذلك، يضطر الجيش الروسي إلى الإغارة على مخزوناته القديمة، وتزويد احتياطياته الآلية بمعدات سوفياتية نصف صدئة موروثة منذ أجيال وقد أكل الزمن عليها وشرب. وفي الوقت نفسه، تقوم أوكرانيا بشكل متزايد بنشر معدات من القرن الحادي والعشرين، ولو أنها ذات تركيبة متنوعة وشبه عشوائية إلى حد يجعل المشتغل باللوجستيات يبكي. على سبيل المثال، في حين أن لدى دبابة “تشالنجر” البريطانية أيضا مدفع 120 ملم، فإن دبابات الحقبة السوفياتية التي تستخدمها أوكرانيا تحتوي على رشاش من عيار 125 ملم. وتكمن أهمية دبابة “ليوبارد” الألمانية في قدرتها على توفير نوع من القدرة الهجومية المحمية والسريعة التي قد تسمح لأوكرانيا بإحراز تقدم، حتى ضد المقاومة الروسية الصلبة.
خلال اختراقها المذهل الذي حققته في أيلول (سبتمبر)، عندما استعادت القوات على طول جبهة خاركيف 12.000 كيلومتر مربع في أقل من شهر، كان الأوكرانيون يتنقلون في كثير من الأحيان في ناقلات الجنود المدرعة الخفيفة -وحتى الشاحنات المدنية. وكان هذا ممكنًا لأن الروس كانوا منتشرين بشكل غير كثيف، وغالبًا ما كانوا غير مدعومين. وقد أشاد مراقب عسكري بريطاني بـ”الروح القتالية” للأوكرانيين، لكنه لاحظ أيضا أنه “لو كان الروس أكثر عددًا وأكثر استعدادًا وأكثر رغبة في الصمود والقتال، لكانت الخسائر الأوكرانية رهيبة” -لأن الأوكرانيين يفتقرون إلى ما يكفي من الدروع.
كان القائد الميداني الروسي المعزول حديثًا، الجنرال سيرجي سوروفيكين، مصممًا على ضمان عدم تحقيق المزيد من الانتصارات الأوكرانية السهلة. وأرسل المزيد من القوات إلى خط المواجهة، وتخلى عن الأهداف التي لا يمكن الدفاع عنها، بما في ذلك مدينة خيرسون، وبدأ في بناء خطوط دفاعية متعددة، خاصة إلى الجنوب من الأراضي المحتلة. أما بديله، فاليري جيراسيموف، فضابط دبابات محترف يفهم أيضًا أهمية تشابك الدفاع في العمق. ومن المرجح أن تكون المرحلة التالية من الحرب صراعًا شاقًا من الاستنزاف.
وهنا يأتي دور الدبابات. إنها ما تزال أفضل سلاح لكتابة سطر جديد في هجوم الربيع الذي لا مفر منه. والأهم من ذلك، تعتقد كييف أنها إذا تمكنت من بناء لواء من الدبابات الغربية الحديثة ومركبات المشاة القتالية، فسيكون لديها رأس حربة قادر على اختراق الدفاعات الروسية وتشكيل تهديد خطير للممر البري الروسي الاستراتيجي إلى شبه جزيرة القرم.
بطبيعة الحال، هناك مخاطر. ويعود تحفظ برلين في إرسال دباباتها إلى أوكرانيا جزئيًا إلى الخوف مما يمكن أن تفعله موسكو بالرمزية التي تنطوي عليها حرب تقودها الدبابات الألمانية. ومع ذلك، من الناحية العملية، فإن خيارات فلاديمير بوتين للتصعيد -موجة جديدة من التعبئة، ونشر المجندين، أو استخدام الأسلحة النووية، ولو أن هذا غير مرجح- تظل محدودة، وكلها تأتي بتكاليف سياسية خطيرة. ومما يثير القلق بالقدر نفسه خطر الإفراط الأوكراني في الثقة. وقال لي أحد محللي البنتاغون “إن الأوكرانيين يشعرون بثقة مفرطة ويشعرون بأنهم في حاجة إلى أن يثبتوا لنا أننا قمنا باستثمار جيد”. وقد ينتهي بهم الأمر إلى تكبد خسائر فادحة، مما يجبرهم على التوقف مؤقتًا لاستعادة تماسكهم خلال موسم الحملات المهم للغاية هذا الصيف. وأضاف المحلل: “هناك شيء ما في الدبابة يجعل الناس يشعرون بأنهم لا يقهرون”.
هناك بالتأكيد نوع من عقيدة عبادة الدبابة -جنبًا إلى جنب مع نقاش دائم حول ما إذا كانت على وشك التقادم وتصبح آيلة إلى الزوال. وقد فقدت روسيا 700 دبابة خلال توغلها الأول في كييف في شباط (فبراير) وآذار (مارس)، خاصة أمام صواريخ “جيفلين” الأميركية وصواريخ “نلاو” المضادة للدبابات التي قدمتها بريطانيا لأوكرانيا. وعلى الرغم من ذلك، عادت هذه الخسائر إلى حد كبير إلى نشر هذه المركبات من دون دعم المشاة لاكتشاف الكمائن المحتملة، أو القوة الجوية لإسكات مدفعية العدو. سوف تكون الدبابات، إذا نُشرت وحدها، معرضة للخطر بشكل مدهش: في حربي روسيا في الشيشان، تم اصطياد الدبابات غير المصحوبة بالتشكيلات العسكرية الأخرى بمزيج من القنابل اليدوية والبنادق، ومن بين كل الأشياء، طلاء الرذاذ. في إحدى الحالات، قام أحد المتمردين بإطلاق نيران بندقية على المركبة لتشتيت انتباه الطاقم؛ وقام واحد آخر باندفاعة جريئة -انتحارية في بعض الأحيان- لرش مناظيرها بالطلاء؛ وانتظر ثالث أن يفتح قائدها فتحته ليسقط فيها قنبلة يدوية.
وبالمثل، كانت خسائر روسيا الفادحة في أوكرانيا نتيجة لأخطاء تكتيكية ونقص الدعم الكافي من المشاة أكثر من كونها علامات على أن عصر الدبابة قد انتهى، كما أشارت بعض التحليلات. وفي الواقع، تم التخلي عن نصف المفقودة منها بالفعل، أحيانًا بسبب إصابتها بأضرار في المعركة، وإنما في كثير من الأحيان لمجرد أنها تعطلت أو نفد منها الوقود.
ولكن في الحقيقة، يبقى هذا الملك في ساحة المعركة شيئًا يشبه المغنية الأولى في جوقة الأوبرا. وتتطلب الدبابات كميات هائلة من الوقود -تقطع دبابة “أبرامز إم-1” الأميركية المعروفة بعطشها للوقود 0.8 ميل بالغالون -وصيانة دورية مكثفة. ويتطلب ذلك دعمًا لوجستيًا هائلاً. وقالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، إن تبرير واشنطن لعدم تقديم بعض مخزونها من دبابات “أبرامز” هو “التكلفة العالية التي ستتطلبها إدامة الدبابة -ليس من المنطقي توفير كل ذلك للأوكرانيين في هذه اللحظة”.
على الأقل، يمتلك الأميركيون أسطولاً مهمًا من الدبابات، مع أكثر من 2.500 من طراز “أبرامز أم-1″، و3.700 أخرى في المخازن. وكان أحد الأسباب التي جعلت الطلب الأوكراني مزعجًا هو الدرجة التي سمحت بها دول الناتو الأوروبية لأساطيل دباباتها بالاضمحلال منذ نهاية الحرب الباردة والحرب غير المدروسة على الإرهاب: لماذا نبقي على جاهزية هذه المركبات للعمل حين يبدو من المرجح أن تكون المهام المستقبلية محدودة في الصحارى والجبال البعيدة، ضد متمردين مسلحين تسليحًا خفيفًا؟
لم تذهب دبابات “تشالينجر” البريطانية إلى أفغانستان لأن التضاريس هناك (كما تعلَّم السوفيات بشكل مؤلم وبالطريقة الصعبة في غزوهم لـ”مقبرة الإمبراطوريات”) لا تناسب الدبابات حقًا. وعلى نحو مماثل، رفعت دبابة “لوكلير” الفرنسية العلم الأممي في بعثات حفظ السلام في كوسوفو ولبنان، ولكنها لم تظهر في تدخلات فرنسا العديدة في أفريقيا. وفي العام 2011، باع الهولنديون أسطول دباباتهم بالكامل كإجراء لخفض التكاليف، فقط ليعودوا ويراجعوا حساباتهم في العام 2015 بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم.
تمتلك بريطانيا 227 دبابة عاملة، وتمتلك فرنسا 222 وألمانيا 213. ولدى هذه الدول الثلاث مخزون إضافي في المخازن (152، و184، و99 على التوالي)، لكن “إزالة كرات النفتالين” من المخازن وإخراج الدبابات منها ليست بالمهمة السهلة. وفقًا لرئيس شركة تصنيع الأسلحة “رينميتال” Rheinmetall، لن تكون الدبابات الألمانية المجددة جاهزة قبل العام 2024. وعلى النقيض من ذلك، كان لدى بولندا، قبل أن تبدأ في إرسال الدبابات إلى أوكرانيا، ما يقرب من ألف دبابة، بما في ذلك 249 من طراز “ليوبارد 2”. ويمكنها تحمل هذا السخاء لأنها تتخلص بذلك تدريجيًا من دبابات “ليوبارد”، وتطلب بدلاً منها 250 دبابة من طراز “أبرامز” الأميركية، و1.000 دبابة من طراز “بلاك بانثر” الكورية الجنوبية. وتمتلك كل من اليونان وإسبانيا وتركيا من دبابات “ليوبارد” أكثر من ألمانيا. وفي حين تمتلك إيطاليا 125 دبابة عاملة فقط من طراز “آرييت”، فإن هذا يرجع جزئيًا إلى أنها اختارت امتلاك قوة كبيرة من مركبات “سينتاورو”، وهي مركبات عسكرية أخف وزنًا، لكنها تحتوي على مدفع رئيسي مدمر للدبابات.
سوف يحتاج الروس إلى مدة عقد على الأقل لإعادة تشكيل قواتهم المسلحة بعد الهزيمة التي يتعرضون لها في أوكرانيا. ومن غير المرجح أن يكون بوتين قد فكَّر بجدية في القتال مباشرة مع قوات الناتو. ولكن، حتى مع ذلك، وبفضل سنوات من الإهمال، تخلى زعماء الحلف الأوروبيون الوطنيون عن مسؤولياتهم. ومثلما تفتقر حاملات الطائرات البريطانية الجديدة المثيرة للإعجاب إلى مجموعتها المناسبة من الطائرات، يشك المرء في أن أعضاء حلف شمال الأطلسي في أوروبا كانوا يفكرون في القوة العسكرية، ويشترون ما يكفي من الدبابات للحفاظ على المظهر، ولكن ليس بما يكفي لتعني شيئاً حقًا.
الغد