يمر “الهلال الشيعي” الذي أنشأته إيران والمؤلف من العراق ولبنان وسوريا بمرحلة سيئة ويمكن أن تكون قاتلة، إذ تبدو هذه الدول المصنفة كـ”محور المقاومة” مع بداية العام 2023 مهددة أكثر من أي وقت مضى بالاضمحلال لسبب مرتبط بندرة الدولار أكثر مما هو مرتبط بالهجمات العسكرية لأعدائها.
ويرى محللون أن ما يسمى بـ”الهلال الشيعي” مهدد بالانهيار بسبب تفاقم أزمات شح الدولار والفوضى المؤسساتية والأزمات الاقتصادية إضافة إلى النزاعات الأهلية.
و”الهلال الشيعي” مصطلح سياسي ومذهبي ترفعه إيران للتغطية على أطماعها التوسعية، والتعبير عن طموحها في ابتلاع العراق وسوريا ولبنان لتوجد لنفسها منفذاً على البحر المتوسط.
وبينما تخضع إيران وسوريا لعقوبات أميركية ودولية قاسية مرتبطة بالسياسة والاقتصاد، يتمتع العراق بوفرة من أموال النفط، إلا أنها ليست تحت سيطرته المباشرة للتصرف بها بالنظر إلى أنها تودع في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك.
“الهلال الشيعي” مهدد بالانهيار بسبب تفاقم أزمات شح الدولار والفوضى المؤسساتية والنزاعات الأهلية
وفي ظل العقوبات المفروضة على إيران، فإن الولايات المتحدة تمارس رقابة مشددة على حركة الأموال المتاحة لحكومة بغداد، بينما تم تشديد هذه الرقابة مؤخرا بما يكفي من أجل خنق النظام الإيراني، وذلك لدرجة أن بغداد اضطرت لدفع مشترياتها من طهران بالدينار، وهو ما أدى إلى تراجع حاد في قيمة الدينار العراقي وانهيار الريال الإيراني.
ويتم تسجيل عائدات النفط العراقي لدى الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ويجري تيسير معظم التعاملات التجارية العراقية مع الخارج إلكترونيا بإشرافه المباشر، وذلك لكي تضمن الولايات المتحدة عدم وصول تحويلات رسمية إلى إيران أو سوريا، في إطار العقوبات المفروضة عليهما.
وقامت السلطات الأميركية في صيف 2015 بتجميد حساب البنك المركزي العراقي في البنك الاحتياطي الفيدرالي من أجل منع استفادة تنظيم داعش من هذه الأموال.
وفي ما يتعلق بلبنان، فإن الطبقة السياسية الحاكمة فيه وهي بغالبيتها كالمافيا، تعمل موحدة على تنفيذ نهب ممنهج للبلد، بالإضافة إلى أن لبنان مشلول مؤسساتياً، ومفلس مالياً منذ العام 2020، وأصيب بانهيار اجتماعي على الرغم من تحويلات الأموال من المغتربين اللبنانيين إلى عائلاتهم داخل الوطن.
ومن أجل النفاذ إلى مؤسسات الدولة، أقامت إيران تحالفات مع شخصيات وأحزاب سياسية محلية. ولا يكفي تشكيل ميليشيات وجِهات وكيلة مسلحة، إذا كانت غير قادرة على السيطرة على قرارات الدولة وبنيتها الأساسية.
وبالنسبة إلى إيران، من السهل دائماً إقامة تحالفات مع سياسيين فاسدين، إما من خلال رشوتهم بشكل مباشر أو وعدهم بمناصب يمكنهم من خلالها النفاذ إلى موارد الدولة.
وعلى سبيل المثال، ليس من قبيل الصدفة أن حلفاء حزب الله في لبنان هم الشخصيات الفاسدة التي يريد المحتجون محاسبتها. فقد استفاد هؤلاء الحلفاء، مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية السابق جبران باسيل، من هذا التحالف مع إيران (سياسياً ومالياً) لكنهم وفّروا أيضاً لحزب الله النفاذ الذي أراده.
ويملك الحزب 13 مقعداً من إجمالي 128 في البرلمان اللبناني. غير أنه وبفضل حلفائه، يسيطر على أكثر من 70 نائباً. وينطبق الأمر نفسه على الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى.
ووضعت إيران سوريا في المرتبة الأولى في إستراتيجيتها الإقليمية والدولية، حيث أن السيطرة عليها تضمن لها محاصرة خصومها الخليجيين والأتراك ووضعهم بين فكي كماشة تمهيدا لعزلهم واعترافهم بالنفوذ الإيراني في الإقليم، وتقوية الموقف الإيراني دوليا باعتبارها القوة الأولى في الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى فإن السيطرة على سوريا تضمن تحويل فكرة مشروع الهلال الشيعي إلى حقيقة جغرافية اجتماعية راسخة ومعطى إستراتيجي متماسك يمكن توظيفه في إطار العلاقات الإقليمية والدولية، وقد انتبهت إيران للبعد السوري في هذه المعادلة لذا سعت بكل قوتها العسكرية والإعلامية لتغيير المعادلات على الأرض عبر العديد من الوسائل من ضمنها تغيير التركيبة الديمغرافية والعبث بالخريطة الاجتماعية عبر تهجير السوريين وإحلال مواطنين شيعة من أكثر من منطقة وما استتبع ذلك من محاولات لتدمير السجلات العقارية ودوائر النفوس وكل ما يثبت الملكية.
ولم تكتف طهران بذلك، بل سعت لتغيير المعادلة الميدانية عبر زجها بعشرات الآلاف من مقاتليها وكتائبها وإعطاءها الضوء الأخضر لأذرعها (حزب الله والكتائب العراقية) للانخراط مباشرة في الحرب على الشعب السوري، بعد أن رأت الانهيارات المتوالية لوكيلها في دمشق رغم كثافة الأسلحة التي ترسلها له ورغم زخم التمويل الذي يصله.
وفي ظل تزعزع “الهلال الشيعي” تبذل إيران قصارى جهدها لإنقاذه. فخسارة هذا “الهلال” تعني فقدان القدرة على بسط النفوذ في الشرق الأوسط فضلاً عن خسارة الكثير من الموارد السياسية والمالية.
وكانت الشعوب في لبنان وسوريا والعراق وداخل إيران نفسها – الدول التي تقع على طول “الهلال الشيعي” – قد أدركت أن العدو موجود في الداخل، ويتمثل في حكوماتهم التي سمحت للنظام الإيراني بالاستيلاء على الدولة ومؤسساتها. فالأيديولوجيات وخطابات المقاومة والهويات الطائفية ونظرية المؤامرة التي جسّدت الهويات والآراء الجماعية للمجتمعات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة، تتفكك ببطء بل بثبات وتحلّ محلها مخاوف اقتصادية وتطلعات كبيرة باتجاه المواطنة والهويات الوطنية.
صحيفة العرب