عثرات تعوق عمل “تشات جي.بي.تي” رغم انتشاره المتسارع

عثرات تعوق عمل “تشات جي.بي.تي” رغم انتشاره المتسارع

أثار برنامج الذكاء الاصطناعي الجديد “تشات جي.بي.تي” الكثير من الأسئلة حول فائدة تلك التقنيات ومستقبلها. كما أثار الكثير من الجدل والمخاوف بشأن النواحي الأخلاقية لاستخداماته، والتي تزداد انتشارا أكثر من أيّ تكنولوجيا حديثة أخرى، ما دفع مفوضا أوروبيا للدعوة إلى تشديد قواعد استخدام الذكاء الاصطناعي.

واشنطن – تثير برمجية “تشات جي.بي.تي” القادرة على إنشاء نصوص وإعلانات وأسطر شيفرة معلوماتية بثوانٍ، الانبهار والرعب والجدل أكثر مما أحدثته في النفوس أي تكنولوجيا حديثة أخرى.

ويُعدّ إطلاق “تشات بوت” هذا (روبوت المحادثة) في نهاية نوفمبر 2022 نقطة تحول في مجال الذكاء الاصطناعي.

إلا أنّ بعض المراقبين الذين يبدون شكوكا في البرمجية، يرون أنّ “تشات جي.بي.تي” يمثل أداة تسويقية مذهلة ساعدت شركة “أوبن أي.آي” التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا، على جمع مليارات من الدولارات من شركة مايكروسوفت.

ويقول المسؤول عن الذكاء الاصطناعي لدى شركة “ميتا” والأستاذ في جامعة نيويورك يان لو كون “من الناحية العلمية، لا تشكّل البرمجية تقدما مثيرا للاهتمام بصورة خاصة”.

ويوضح في مقابلة مع “بيغ تكنولوجي بودكاست” أنّ هذا “العرض اللافت للنظر” لا يجيب بالفعل على أسئلة مستخدمي الإنترنت، بل “ينشئ كلمات تلو الأخرى” من دون قدرة على تكوين رؤية للعالم.

نسخة مدفوعة من “تشات جي.بي.تي” مقابل 20 دولارا شهريا ليتلقى المستخدمون مقابل ذلك خدمة أفضل وأسرع

وروبوت المحادثة هذا ليس أكثر من برنامج حاسوبي يستند إلى الخوارزميات ويُغذَّى بكمية هائلة من البيانات.

ويقول هاومياو هوانغ من صندوق استثمار “كلينر بيركنز” في سيليكون فالي “عندنا نستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية هذه، ينبغي أن ندرك أنها بمثابة آلات حظ لا آلات حاسبة”.

ويذكر في مقال نشره موقع “أرس تكنيكا” أنّ “في كل مرة تطرحون سؤالاً وتنقرون على الزر، تحصلون على جواب قد يكون مذهلا (…) أو سيئا”، مشيرا إلى أنّ “المشكلة تكمن في أنّ إخفاقات البرمجية لا يمكن توقّعها مطلقا”.

ويستند “تشات جي.بي.تي” إلى “جي.بي.تي 3″، وهو نموذج من الذكاء الاصطناعي أُنشئ قبل ثلاث سنوات.

إعجاب المستخدمين
ما أثار إعجاب شرائح كبيرة من المستخدمين هو الجانب الذي يعطي انطباعا وكأنّهم يتحدثون إلى شخص ما.

ويقول الأستاذ في جامعة سيراكيوز جايسون دايفيس “إنّ ما توفره البرمجية يشبه المحادثة، وينطوي على سهولة أكبر من البحث عبر محرك غوغل”. ويلفت إلى أنّ النجاح الذي يحققه “تشات جي.بي.تي” هو مؤشر على “القوة الفعلية لهذه الأداة”.

ويؤكد رئيس شركة “أوبن أي.آي” سام أولتمان أنّه فوجئ بالحماسة التي حظي بها “تشات جي.بي.تي”.

ويقول في مقابلة مع “ستريكتلي في.سي” المتخصصة “نظراً إلى التأثير الاقتصادي لهذه التكنولوجيا، من الأفضل أن نواصل تطويرها ببطء”.

ويشير إلى أنّ “الأشخاص والمؤسسات والمسؤولين المنتخبين يحتاجون إلى أن تصبح الأداة مألوفة لهم والتفكير في تبعات استخدامها”.

وكانت “أوبن أي.آي” أعلنت الأربعاء عن إطلاق نسخة مدفوعة من “تشات جي.بي.تي”، ترتّب على الراغبين في استخدامها دفع 20 دولاراً شهرياً ليتلقوا مقابل ذلك خدمة أفضل وأسرع.

وتعمل الشركة أيضاً على برنامج يمكنها التمييز بين النصوص المكتوبة من أشخاص وتلك المُنشأة استناداً إلى الذكاء الاصطناعي.

ويقول مستخدمون إن البرنامج استجاب لطلبات خاصة بكتابة الموضوع بشكل ساخر وأنه يستطيع فهم الكثير من الأمور المعقدة الواردة في الأسئلة وأن قوته الحقيقية تكمن في سرعة استجابته وفهمه للغة المستخدمة في الأسئلة بشكل مثير للإعجاب منتجاً مقالات كاملة بأسلوب جيد للغاية. لكن آخرين قالوا إن هناك بعض الموضوعات مثل الأحداث العالمية الأخيرة أو الموضوعات التي لا يوجد بشأنها الكثير من المعلومات والتي قوبلت من جانب البرنامج بإنتاج مقالات أو ردود خاطئة أحياناً ومشوشة في أحيان أخرى.

أيضاً، وبحسب تجارب مستخدمين، فإن البرنامج يمتنع عن الإجابة عن الأسئلة عندما تشكل الردود نوعاً من الخطر سواء للسائل أو للمجتمع بوجه عام ويتوقف حينها عن المساعدة في مثل هذه الطلبات الخطرة بل إنه يوقفك عن طرح مزيد من الأسئلة بشأن تلك الموضوعات “الضارة”.

إلغاء وظائف
يتساءل عدد كبير من العاملين في مهن مختلفة كالمحاماة والهندسة والصحافة عما إذا كانت برمجيات الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى تعطيل أعمالهم. وبدأ المدرّسون في المراحل الثانوية والجامعات يتأثرون بهذه التقنيات لأنّ طلابهم يلجأون إليها.

أما في قطاع التكنولوجيا، فقد يوفر “تشات جي.بي.تي” بعضاً من الحداثة لمايكروسوفت التي أصبح يُنظر إليها على أنها شركة قديمة مقارنةً بغوغل وأبل وميتا.

ويقول جايسن دايفس “لا حاجة بعد اليوم إلى مايكروسوفت وورد، فالبرمجية الجديدة بمجرد أن تعطيها تعليمات تبدأ بكتابة النصوص”.

ومن شأن “تشات جي.بي.تي” أن تجعل محرك البحث “بينغ” ومجموعة “أوفيس” أكثر سهولة بالإضافة إلى تعزيز قدراتها.

ولا تزال الشركات الكبرى حريصة على عدم التسرع في اعتماد البرمجية، خشية أن تُستخدم بشكل مسيء، كإنشاء معلومات مضللة مثلاً.

ويرى يان لو كون أنّ “تشات جي.بي.تي” بات نجم روبوتات الدردشة لأنّ عمالقة التكنولوجيا يخشون إطلاق منصة “تنشئ أي شيء” أو ما هو أسوأ، ويقول “ستخسر الشركات حينها الكثير ولا تبدو الفوائد المحتملة واضحة”.

وفي أغسطس الفائت أصدرت “ميتا” نموذجها الأول من برنامج دردشة هو “بلندربوت 3”.

أثار بعض الخبراء مخاوف من أن الأنظمة التي تستخدمها مثل هذه التطبيقات يمكن أن يساء استخدامها في السرقة الأدبية والاحتيال ونشر المعلومات المضللة وأفكار نمطية معادية للسامية.

وقال تيري بريتون المفوض المعني بالصناعة في الاتحاد الأوروبي إن قواعد جديدة مقترحة للذكاء الاصطناعي تهدف إلى معالجة المخاوف المتعلقة بمخاطر استخدام تطبيق (جي.بي.تي) وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وأشار إلى إن المخاطر التي يشكلها التطبيق وأنظمة الذكاء الاصطناعي أكدت الحاجة الملحة إلى القواعد التي اقترحها العام الماضي في محاولة لوضع المعيار المرجعي العالمي للتكنولوجيا. ولا تزال هذه القواعد قيد المناقشة حاليا في بروكسل.

وأضاف “كما أوضح تطبيق ‘تشات جي.بي.تي’، يمكن لحلول الذكاء الاصطناعي أن توفر فرصا رائعة للشركات والمواطنين، لكنها قد تشكل أيضا مخاطر. ولهذا السبب نحتاج إلى إطار تنظيمي قوي لضمان موثوقية الذكاء الاصطناعي استنادا إلى بيانات عالية الجودة”.

ورفضت مايكروسوفت التعقيب على تعليق بريتون. ولم ترد شركة “أوبن أي.آي” كذلك حتى الآن على طلب رويترز للتعليق لكنها تقول على موقعها الإلكتروني إنها تهدف إلى إنتاج ذكاء اصطناعي “يفيد البشرية جمعاء” في الوقت الذي تحاول فيه بناء ذكاء اصطناعي آمن ومفيد.

ووفقا لمسودة قواعد الاتحاد الأوروبي، يعتبر تطبيق “تشات جي.بي.تي” نظام ذكاء اصطناعي للأغراض العامة يمكن استخدامه لأغراض متعددة بعضها عالية المخاطر مثل اختيار المرشحين للوظائف والتقييم الائتماني.

ويريد بريتون من شركة “أوبن أي.آي” أن تتعاون بشكل وثيق مع مطوري أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر لضمان امتثالهم لقانون الذكاء الاصطناعي المقترح.

مخاوف الشركات
ويعتري الشركات قلق من تصنيف تقنياتها ضمن فئة الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر، مما قد يؤدي إلى متطلبات امتثال أكثر صرامة وتكاليف أعلى، وفقا لمسؤولين تنفيذيين في العديد من الشركات المشاركة في تطوير الذكاء الاصطناعي.

وأظهر مسح أجرته مبادرة “آبلايد أي.آي” للذكاء الاصطناعي أن 51 في المئة من المستجوبين يتوقعون تباطؤا في أنشطتهم لتطوير الذكاء الاصطناعي نتيجة للقانون المقترح.

وكتب رئيس مايكروسوفت براد سميث في مدونة يوم الأربعاء أن لوائح الذكاء الاصطناعي الفعالة يجب أن تركز على التطبيقات الأكثر خطورة. وأضاف “هناك أيام أشعر فيها بالتفاؤل ولحظات أشعر فيها بالتشاؤم حيال استخدام البشرية للذكاء الاصطناعي”.

وقال بريتون إن المفوضية الأوروبية تعمل عن كثب مع مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي من أجل توضيح أكبر للقواعد الواردة في قانون الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الأغراض العامة.

وأضاف “سيتعين إبلاغ الأفراد بأنهم يتعاملون مع تطبيق دردشة وليس مع شخص. وتكتسب الشفافية أهمية أيضا في ما يتعلق بخطر التحيز والمعلومات الخاطئة”. وقال إن المناقشات التي ستعقد لاحقا مع مشرعين بخصوص قواعد الذكاء الاصطناعي ستغطي هذه الجوانب.

العرب