ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة في مخيم عقبة جبر جنوب مدينة أريحا، أسفرت عن استشهاد خمسة شبان فلسطينيين وجرح العشرات وإلحاق أضرار ببيوت سكنية ومرافق وأملاك، ويأتي هذا العدوان الجديد في سياق حصار يفرضه الاحتلال على محيط أريحا ويترافق مع قطع الطرق وإغلاق المداخل وإقامة حواجز التفتيش. ولأن أياماً قليلة فقط انقضت على قيام الاحتلال بارتكاب مجزرة في مخيم جنين سقط خلالها عشرة شهداء، فلا جديد في السلوك الإسرائيلي العشوائي والوحشي ما خلا ربما حقيقة أن مسرح العنف الدموي هو هذه المرة منطقة أريحا، التي شاع طويلاً أنها هادئة نسبياً وللقوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حضور فيها مكثف ونوعي.
ليس جديداً أيضاً جنوح جيش الاحتلال وقواه الأمنية إلى خيار التصفيات الميدانية المباشرة، الذي بات بديلاً معتمداً يفضله الكيان الإسرائيلي على اعتقال النشطاء وسجنهم وتقديمهم إلى المحاكم المختلفة، ولكنه تحول تدريجياً إلى الخيار الأكثر إفصاحاً عن انزلاق الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة نحو السياسات الفاشية الصريحة، الخارجة حتى عن القوانين الشكلية ذاتها التي يتفاخر الساسة الإسرائيليون، على اليسار واليمين واليمين المتطرف والمتدين والعنصري، بأنها البراهين على «ديمقراطية» دولة الاحتلال.
وليس خافياً أن رد الفعل الإسرائيلي الفوري والدموي على صعود خلية المقاومة الناهضة التي ظهرت مؤخراً تحت اسم «كتيبة مخيم عقبة جبر» إنما يعكس هستيريا القلق التي انتابت الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية إزاء الانتقال المتسارع لظاهرة مجموعات المقاومة الشبابية غالباً، والتي يندر أن تنضوي تحت تنظيم معلن أو فصيل معروف، فلا يجد الاحتلال في مواجهتها الكثير من الأدوات المعتمدة والمتاحة والمريحة، أو بالأحرى يفضّل التعامل معها بوسيلة الاجتثاث الجذري عن طريق الإعدامات الميدانية.
واضح كذلك أن الشرائح العمرية لهؤلاء المقاومين الصاعدين تتراوح بين 18 إلى 30 سنة كحدّ أقصى، ولا يملك الاحتلال عن معظمهم معطيات كافية من سوابق أو أضابير أو تقارير كافية تسهّل وضعهم تحت الرقابة والحدّ من أنشطتهم واتساع نطاق تأثيرهم. وهذه مرحلة بالغة الحساسية في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية في مختلف أنساقها وطرائقها وأدواتها، وبين الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين على امتداد أطواره منذ إنشاء دولة الكيان، وليست مظاهر توسع الخلايا الناهضة الشابة من نابلس إلى جنين والخليل وأريحا، عدا عن مناطق في داخل أراضي الـ48، سوى أدلة متزايدة ومترسخة على أنّ هذه المرحلة تتجذر أكثر فأكثر في الوجدان الشعبي الفلسطيني عموماً، ولدى الفئات الشابة خصوصاً.
وإذ لا يلوح أن أجهزة دولة الاحتلال تقلل من شأن هذا النسق الشبابي المقاوم، بل تأخذه على محمل الجدّ الأقصى، فإن من الخطأ الفادح أن تنساق الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى تدجين هذه الخلايا استجابة لضغوط «الوسطاء» في الداخل أو الإقليم أو العالم، أو أن ترتكب بعض الفصائل خطأ فادحاً من طراز آخر عنوانه تجيير هؤلاء المقاومين الشباب ودفعهم إلى أتون الصراعات الحزبية والفصائلية. وهذا إن حصل سوف يقدم للاحتلال أفضل الخدمات، سواء بالإنابة أو بالأصالة أو حتى بالشراكة.