يمكن القول إن حال التوتر والتصادم في العلاقة بين #إيران_والغرب الأميركي والأوروبي ليست جديدة، فقد برزت إلى السطح منذ #انتصار_الثورة.
بدأت هذه الحال على خلفية أزمة المطالبة باستعادة الشاه من واشنطن واسترداد أمواله، ثم تطورت إلى الأسوأ في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1979 باحتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز أكثر من 50 دبلوماسياً ومستشاراً لمدة 444 يوماً.
هذه الأحداث أدت إلى تعميق الخلاف والتباين بين الطرفين، وبات كل طرف يعمل ضد مصالح الآخر، كما حدث في محاولة الانقلاب العسكرية التي خططت لها مجموعات مقربة من آخر رئيس للوزراء أيام الشاه شاهبور بختيار، وموقف مؤسس النظام الذي اتهم الولايات المتحدة الأميركية بدعم الانقلابيين ومساعدتهم.
توترات وتورطات
أما العلاقة بين إيران والدول الأوروبية فلم تكن بأفضل حال، وقد مرت بكثير من الصعود والهبوط على خلفيات متعددة، لعل أبرزها عمليات خطف مواطنين أوروبيين في العاصمة اللبنانية بيروت، بينهم نحو 71 أوروبياً عام 1982 في ما عرف بأزمة الرهائن، ثم عمليات اغتيال معارضين إيرانيين مثل بختيار عام 1991 في باريس، واغتيال المعارض الكردي عبدالرحمن قاسلمو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في النمسا عام 1989، وصديقه أمين عام الحزب صادق شرفكندي في برلين عام 1992، إضافة إلى عمليات تخريبية أخرى كان مسرحها المدن الأوروبية وعواصم في أميركا اللاتينة كبيونس آيرس الأرجنتينية عامي 1992 و1994، وصولاً إلى دول وعواصم إقليمية على امتداد منطقة غرب آسيا.
رغم هدية واشنطن لطهران بالقضاء على خطر “طالبان” تحولت الأمور إلى قلق حقيقي مع إدراجها إيران في “محور الشر”
هذه التوترات والتورطات الإيرانية التي استهدف المنظومة الأمنية للدول الغربية، دفعت دول الاتحاد الأوروبي في فترة تولي الشيخ هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية إلى اتخاذ قرار بسحب سفرائها لدى إيران اعتراضاً على الأعمال الأمنية والتفجيرات والاغتيالات التي شهدتها أوروبا ضد معارضين إيرانيين، وتورط مسؤولين كبار في الدولة كوزير الاستخبارات حينها علي فلاحيان وقيادات في حرس الثورة كأحمد وحيدي، الذي يشغل حالياً منصب وزير الداخلية في حكومة إبراهيم رئيسي.
وعلى رغم القطيعة الدبلوماسية والسياسية وما رافقها من قطيعة اقتصادية، فإن جميع الخيوط حول المتورطين في هذه العمليات كانت تشير وتتجمع عند “حرس الثورة” والأذرع الخارجية التابعة له أو المتعاونة معه، وهي قطيعة لم تنكسر أو تتراجع إلا بعد التغيير الذي حصل على إثر الانتخابات الرئاسية ووصول محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية عام 1997 واعتماد سياسة الانفتاح والحوار والحد من التوتر التي أجبرت منظومة السلطة على القبول بها لكسر الحصار الذي بدأ يضيق ويشتد، مما سمح بترميم العلاقة مع الدول الأوروبية وفتح الباب أمام عودة السفراء وإنهاء القطيعة الدبلوماسية بين الطرفين.
ما بعد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1991، ومن ثم اتفاق أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفسلطينية وإسرائيل عام 1993، رأى النظام الإيراني أن المعادلات في الشرق الأوسط بدأت تأخذ منحى جدياً لا مكان لإيران فيه. وحتى لا تكون هذه المعادلات الجديدة على حساب المصالح الإيرانية في الإقليم، استغل النظام فرصة الثبات النسبي الذي خيم على محطيه المباشر بعد عملية تحرير الكويت وتقليم أظافر النظام العراقي ومحاصرته، لينقل مركز الثقل في اهتماماته إلى ساحات نفوذه في لبنان وسوريا لمواجهة أو عرقلة أي مسار على حساب مصالحه، فكانت حربا 1993 و1996 بين إسرائيل و”حزب الله” على الساحة اللبنانية، اللتان ترافقتا مع نمو واضح للنفوذ والدور الإيراني في الداخل الفلسطيني من بوابة التحالف مع حركتي “الجهاد الإسلامي” و”حماس”. وهي المرحلة التي توجت بتولي قاسم سليماني عام 1998 قيادة “قوة القدس” في “حرس الثورة” ليكون مشرفاً على قيادة هذا المحور الإقليمي الذي يمكن تلخيصه بمعادلة الصراع بين المصالح الإيرانية والمصالح الإسرائيلية.
ضد الاندفاعة الأميركية
سياسة الحياد الإيجابي التي اتبعتها طهران في التعامل مع الدخول الأميركي إلى أفغانستان عام 2001 لم تستمر طويلاً، فعلى رغم الهدية المجانية التي قدمتها واشنطن لطهران بالقضاء على خطر حركة “طالبان” في هذا البلد، سرعان ما تحولت الأمور إلى قلق وهاجس أمني واستراتيجي حقيقي بعد أن أقدم الرئيس الأميركي حينها جورج دبليو بوش على إدراج إيران في “محور الشر”، مما أخرج صيغة التعاون، التي قادها عن الطرف الإيراني في ذلك الوقت مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة محمد جواد ظريف، من المعادلة لصالح التعامل الأمني والعسكري، الأمر الذي نقل بشكل تلقائي الملف الأفغاني من الدائرة السياسية والدبلوماسية إلى دائرة العسكر والميدان ووضعه تحت إشراف قاسم سليماني مباشرة، باعتباره المعني الأول بالمصالح الاستراتيجية للنظام في منطقة غرب آسيا، مما يعني أن قيادة “حرس الثورة” ومؤسستها العسكرية هي التي تتولى رسم سياسات النظام في التعامل مع الملف الأفغاني والقوات الأميركية في هذا البلد.
مع الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، سعى النظام في طهران إلى التعامل البراغماتي مع هذا الحدث بالعودة إلى سياسة الحياد الإيجابي مرة جديدة بهدف استيعاب الاندفاعة الأميركية، لكنه بعد أن وجد نفسه واقعاً بين فكي كماشة قوامها أكثر من 300 ألف جندي أميركي من الشرق في أفغانستان ومن الجنوب والجنوب الغربي في العراق، كان الخيار بالذهاب إلى دبلوماسية الميدان لتحويل العراق إلى مستنقع أمني مهمته إرباك الأميركان ومنعهم من التفكير في أية عملية عسكرية ضد النظام الذي ما زال مدرجاً على رأس “محور الشر”.
اندبندت عربي