باشر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن زيارة إلى الشرق الأوسط تشمل الأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر، واستبقها البنتاغون بالإعلان أنها سوف تؤكد التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، وتقديم الضمانات حول الشراكة الدفاعية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة وهذه البلدان. كذلك أوضح البنتاغون أن الوزير سوف يبحث الأخطار المقترنة بأنشطة إيران وخاصة تسليح وتمويل «مجموعات العنف الموالية» وممارسة الاعتداءات في البحر والتهديد السيبراني وبرنامج الصواريخ الباليستية والهجمات باستخدام الطائرات المسيرة، وبالطبع سوف يناقش أوستن تطورات الاجتياح الروسي في أوكرانيا وتنسيق المواقف مع الشركاء والحلفاء.
هذا طبقاً للخطاب الرسمي الذي تعتمده وزارة الدفاع الأمريكية ولا يخرج غالباً عن اللغة الخشبية المعتادة التي تغفل دائماً سلسلة الحقائق المضمرة التي تقترن عادة بزيارات أرفع المسؤولين الأمريكيين، ابتداء من رئيس الولايات المتحدة نفسه وليس انتهاء بأي مساعد لهذه الوزارة أو تلك. ما لن يعلنه البنتاغون، على سبيل المثال، هو الصمت المتوقع من أوستن إزاء الممارسات الهمجية والفاشية لدولة الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني نساء ورجالاً وشيباً وشباباً، والامتناع عن إبلاغ هذا الحليف بأن تلك الممارسات تشكل أحد أخطر منابع انعدام الاستقرار والاختلال الأمني في المنطقة.
كذلك سوف يصمت أوستن عن تصريحات أمثال بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير الوزيرين في حكومة بنيامين نتنياهو، والتي لا تنسف تماماً ما هو مزعوم من «قِيَم» مشتركة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال حول حقوق الإنسان وإدانة المجازر الجماعية وحروب الإبادة فقط، بل تنقل النيران إلى داخل الولايات المتحدة ذاتها وضمن شرائح غير قليلة من الجاليات اليهودية، لجهة تأجيج خطاب الكراهية والعنصرية والفاشية المتجددة. وقد يتشاطر أوستن في الإدلاء بتصريحات من طرف اللسان في الأردن حول خرافة «خفض التصعيد» في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو في مصر حول تعزيز إجراءات السلطة بخصوص الحريات والحقوق المدنية.
بند آخر على جداول زيارة أوستن يثبت أن ما خفي فيها يظل أدهى، وهو بحث طرائق المنافسة المتزايدة التي أخذت روسيا والصين تنتهجانها في مختلف ميادين الأمن والتسليح والتجارة والاستثمار، مع عدد من «الشركاء» أنفسهم، أو حتى مع بعض الأبرز في عدادهم مثل المملكة العربية السعودية والإمارات. وما دامت إيران موضوعاً محورياً في مباحثات أوستن خلال زيارته الحالية، فإن بعض أكثر تشعباتها حساسية أن السياسات الأمريكية تجاه موسكو وبكين وطهران إنما تسفر عن تسريع التعاون وتعزيز التنسيق بين هذه الدول.
أوستن ليس غريباً عن منطقة الشرق الأوسط، فقد كان قائد القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، كما سبق له أن جال في المنطقة وهو على رأس وزارة الدفاع في تشرين الأول سنة 2021 وأعاد من البحرين تكرار الأهداف ذاتها التي تعلنها زيارته اليوم، مع فارق أول تمثل في إعلانه أن الصين هي التحدي الأبرز، وفارق ثان صنعه الغزو الروسي لأوكرانيا. هناك فشل أوستن، وهنا سوف يفشل أغلب الظن، أياً كان ظاهر الأجندات أو الخافي فيها.
القدس العربي