يوم الخميس الماضي، الثاني من الشهر الجاري، اتجهت الأنظار إلى المقر الرئيسي لحزب السعادة الإسلامي حيث اجتمع قادة الأحزاب الستة المعارضة في إطار «تحالف الشعب». فقد كان من المقرر أن يتم الإعلان عن مرشحه للانتخابات الرئاسية، بعد طول تأخير، وسنة كاملة من الاجتماعات الشهرية. لكن الاجتماع انتهى وصدر عنه بيان مقتضب مفاده أن قادة الأحزاب الستة سيجتمعون مرة أخرى بعد ثلاثة أيام، ليعلنوا عن اسم المرشح الرئاسي.
كان واضحاً أن ثمة خلافا حول هذا الترشيح، ولم تمض إلا ساعات قليلة حتى وصل إلى وسائل الإعلام أن رئيسة الحزب الجيد، مرال آكشنر، اختلفت مع بقية «الطاولة السداسية» وغادرت غاضبة. بعد بضع ساعات أخرى ظهرت آكشنر على شاشات التليفزيون لتعلن انسحابها من التحالف، موجهةً أقسى الكلام إلى شركائها، فقالت إن هذا التحالف لم يعد يمثل إرادة الشعب، وأن القادة الخمسة حاولوا أن يفرضوا عليها اسماً سبق وأعلنت رفضها لترشيحه، وأن «الطاولة السداسية قد تحولت إلى مكتب كاتب بالعدل للتصديق على ترشيح شخص (تقصد كمال كلجدار أوغلو) أو طاولة قمار خاسرة» معلنة رفضها للاختيار بين «الموت والملاريا» (أي أنها اعتبرت كلجدار أوغلو هو الملاريا!)
وهكذا طغت أخبار الانشقاق الذي وقع بين قادة التحالف المعارض على أخبار الزلزال الذي ما زالت تداعياته الموجعة تشغل اهتمام الرأي العام، بعدما تجاوز عدد ضحاياه 45 ألفاً، وبلغت خسائره المادية نحو مئة مليار دولار وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
الواقع أن الرأي العام كان يعرف أن كمال كلجدار أوغلو سيكون مرشح التحالف المعارض للانتخابات الرئاسية، سواء من خلال تسريبات كثيرة أو بالنظر إلى أداء كلجدار أوغلو العلني. بالمقابل كانت آكشنر وحزبها يعبرون بمختلف الوسائل عن اعتراضهم على هذا الترشيح بدعوى أنه مرشح غير قابل للفوز، مع التلميح إلى أن سبب ذلك يعود إلى تحدره من أصل علوي ـ كردي. وعبرت آكشنر أكثر من مرة عن رغبتها في ترشيح واحد من رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة، أكرم إمام أوغلو أو منصور ياواش اللذين كانت استطلاعات الرأي تمنحهما أفضلية على كلجدار اوغلو. ومما عزز موقف آكشنر هذا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم عبر بمختلف الوسائل عن رغبته في أن يكون كلجدار أوغلو هو مرشح المعارضة الذي سينافس الرئيس أردوغان في الانتخابات، لاعتقاده بسهولة التغلب عليه.
لكن وجهة نظر المدافعين عن ترشيح كلجدار أوغلو تقول إن الناخب المعارض الذي يسعى للتغيير، في تلك الاستطلاعات، يعبر عن تفضيلاته، لكنه في النهاية سيصوت لمرشح المعارضة الذي سيخير بينه وبين أردوغان، بصرف النظر عمن يكون.
طغت أخبار الانشقاق الذي وقع بين قادة التحالف المعارض على أخبار الزلزال الذي ما زالت تداعياته الموجعة تشغل اهتمام الرأي العام، بعدما تجاوز عدد ضحاياه 45 ألفاً، وبلغت خسائره المادية نحو مئة مليار دولار وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة
لقد أدى الزلزال والخسائر البشرية الكبيرة التي نتجت عنه إلى تغير كبير في المزاج العام بمختلف اتجاهاته، وبقدر ما شهدنا روح تضامن اجتماعي عالية في مواجهة الكارثة، بقدر ما ارتفعت أصوات النقد تجاه الأداء الحكومي في مد يد العون للمنكوبين. فمالت تقديرات المراقبين إلى أن هذا المزاج من المحتمل أن يؤثر سلباً على حظوظ الحزب الحاكم والرئيس أردوغان في الانتخابات الوشيكة، وأن يتسع نطاق البيئة المؤيدة للتغيير. ووشى منطوق السلطة نفسه بقلق من التداعيات السياسية للزلزال على نتائج الانتخابات لغير مصلحتها.
إنما في هذا الجو فجرت مرال آكشنر قنبلتها، فسادت الأوساط المعارضة موجة من خيبة الأمل والتشاؤم في الأيام التالية. ورداً على انسحابها من التحالف المعارض أعلن أقطابه أنهم ماضون في الطريق الذي رسموا معالمه طوال السنة الماضية، سواء بوجود الحزب الجيد أو بدونه. في يومي السبت والأحد نشطت الحركة الدبلوماسية في المستويات الأدنى في أحزاب المعارضة، رغبةً في ترميم العطب الذي أصاب التحالف، ونتج عنها عودة مرال آكشنر إلى التحالف ومشاركتها في الاجتماع المقرر يوم الاثنين بين قادة التحالف، اجتماع طويل لم يخل من ارتفاع الأصوات، انتهى إلى إعلان ترشيح كمال كلجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية، على أن يكون كل من إمام اوغلو وياواش نائبين للرئيس في حال فوزه في الانتخابات، إضافة إلى خمسة نواب آخرين هم قادة التحالف السداسي المعارض. وقد اعتبر إدخال هذا البند بشأن رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول نوعاً من حفظ ماء الوجه لآكشنر لتبرير عودتها إلى التحالف أمام الرأي العام.
الأيام الأربعة التي بدأت بانسحاب زعيمة الحزب الجيد وانتهت بعودتها، شهدت تفاعلاً كبيراً في وسائل الإعلام، في تقييم ما حدث وتأثيره المحتمل على نتائج الانتخابات القادمة كما على مصير الحزب الجيد وزعيمته. فقد وصف كثير من المراقبين انسحاب آكشنر من التحالف بأنه «انتحار سياسي» لها ولحزبها، بل إن بعض المعلقين المعارضين تحدثوا عن وجوب شكر آكشنر لأن ما فعلته قد حرر كلجدار اوغلو وحلفاءه من قيودهم، متفائلين بأن ذلك من شانه أن يجذب الناخبين الكرد لدعم مرشح التحالف بعدما كان حزب الشعوب الديمقراطي يستعد، قبيل الزلزال، لإعلان مرشحه لمنصب الرئاسة.
الحديث عن الانتحار السياسي لآكشنر يستند إلى أن حزبها الحديث النشأة يفتقر إلى كتلة مخلصة من الناخبين، فهؤلاء قد استقطبوا لصالح الحزب من تيارات عدة، وأيدوه لأنه معارض للسلطة ويسعى للتغيير، ولن يسحبوا تأييدهم لمرشحي المعارضة لمجرد الانعطافة المفاجئة التي قامت بها آكشنر وأركانها في القيادة، بل يحتمل أن يتراجع نفوذ الحزب وتتقلص عضويته، فتنتهي الحياة السياسية له ولآكشنر بعد الانتخابات.
بالمقابل فإن عودتها إلى التحالف بعد أربعة أيام وتأييدها ترشيح كلجدار أوغلو لن يرمم ما تسببت به من أذى لنفسها ولحزبها، هذا ما يتوقعه عدد كبير من المراقبين. وتاريخ آكشنر السياسي مملوء بهذا النوع من الانعطافات المفاجئة، فقد كانت وزيرة للداخلية في حكومة حزب الطريق القويم في التسعينيات، ثم شاركت في صياغة البرنامج التأسيسي لحزب العدالة والتنمية في عام 2001، وسرعان ما غادرته باتجاه حزب الحركة القومية حيث قادت الحركة المعارضة لدولت بهجلي في صفوف الحزب بعدما تحالف الأخير مع أردوغان، إلى أن انشقت عن الحزب وشكلت حزبها الجديد وطموحها أن يكون حزب يمين الوسط وأن تنقله إلى السلطة.
ثمة نظريات كثيرة تدور في الإعلام التركي لتفسير أسباب انسحابها من التحالف المعارض، لا يتسع المجال هنا لاستعراضها.
القدس العربي