تشهد الساحة الكردية في العراق بوادر انفراجة سياسية بين الحزبين الرئيسيين، لعل أبرز تمظهراتها المرونة التي أبداها الحزب الديمقراطي في التعاطي مع مطالب الاتحاد الوطني لإجراء الانتخابات التشريعية.
أربيل – اتسمت الجولة الجديدة من المفاوضات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وغريمه السياسي الاتحاد الوطني حول الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها نهاية العام الجاري في الإقليم بالإيجابية، مع إبداء الجانبين مرونة في التوصل إلى توافقات.
ويأمل أكراد العراق في أن يقود تفكيك عقد الانتخابات إلى حل الأزمة السياسية بين الحزبين الرئيسيين، والتي أثرت بشكل كبير على مؤسسات الإقليم، وأيضا على المفاوضات بين بغداد وأربيل، في ظل مقاطعة وزراء الاتحاد الوطني لنشاطات حكومة مسرور بارزاني.
واتفق وفدا الحزبين الأربعاء على توسيع دائرة المفاوضات لتشمل باقي المكونات الكردية الأخرى لبحث مسألة مقاعد الكوتا وقانون الانتخابات، وتفعيل عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في الإقليم.
وكانت مؤسستا الانتخابات للديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني قد عقدتا في وقت سابق اجتماعا في مقر المكتب السياسي للاتحاد في مدينة أربيل، لمناقشة تفعيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
ويشكل إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان ضرورة حيوية، لاستعادة مسار الشرعية المؤسساتية التي باتت قيد المساءلة منذ تأجيل الانتخابات البرلمانية للمرة الثانية نهاية العام الماضي والتمديد للبرلمان الحالي.
وعقب الاجتماع الذي استغرق خمس ساعات، عقد رئيس كتلة الديمقراطي الكردستاني في برلمان كردستان زانا ملا خالد مع نظيره في الاتحاد الوطني زياد جبار مؤتمرا صحافيا، تطرقا فيه إلى مخرجات الاجتماع.
وقال ملا خالد خلال المؤتمر الذي واكبته وكالة “شفق نيوز” المحلية إن النقاط المشتركة بين الحزبين أكثر بكثير من النقاط الخلافية، مردفا بالقول إن معظم النقاط الخلافية على مسألة الانتخابات قد تم حلها في الاجتماع الجديد.
وأضاف القيادي في الديمقراطي أنه “تقديرا لإرادة المكونات سنعقد خلال الأيام المقبلة اجتماعا مع ممثليها للاطلاع على آرائهم وملاحظاتهم، وكذلك سنعقد اجتماعا مماثلا مع باقي القوى والأحزاب الكردية للوقوف على رأيها بشأن تعديل قانون الانتخابات الذي يتعلق بسكان إقليم كردستان كافة، ولا يخص جهة أو حزبا دون آخر”.
واعتبر رئيس كتلة الديمقراطي أن مسألة تفعيل مفوضية الانتخابات، إحدى القضايا الأساسية التي تخص الانتخابات، كان لدينا تفاهمات حولها، وقد تم التأكيد على ضرورة معالجة المشكلة القانونية التي تعترض المفوضية.
ولفت إلى أن “الجهات المشمولة بالكوتا هي مكونات أصيلة في الإقليم، ونحن والأخوة في الاتحاد الوطني متفقون على ضرورة احترام إرادة المكونات، ولهذا الغرض وخلال الأيام المقبلة سيتم اتخاذ إجراءات للاطلاع على آرائهم بهذا الصدد”.
ويرى متابعون أن التهدئة الإعلامية، والتصريحات الإيجابية التي أطلقها زعيم الاتحاد الوطني بافل طالباني مؤخرا، من شأنها أن تشكل رافعة للوصول إلى توافقات بين الطرفين حول الانتخابات.
الأكراد
وكان طالباني دعا الأحزاب الكردية إلى العمل على إنضاج وبناء الوحدة الوطنية، معلنا عن رفضه لأي سيناريو يستهدف تقسيم كردستان، في موقف يقطع مع الأنباء الواردة بشأن إمكانية ذهاب الاتحاد إلى خيار انفصال السليمانية عن أربيل.
وقال طالباني في كلمة خلال مراسم لإحياء ذكرى انتفاضة كردستان إن الاتحاد الوطني يمد يده إلى جميع الأحزاب في أجزاء كردستان، مضيفا “عندما نتحد ويحصل جميع الشعب الكردي في الأجزاء الأربعة حينها يمكننا القول بأننا حققنا أهداف الشهداء”.
وشدد زعيم الاتحاد الوطني “نمد يد السلام إلى الجميع لمصالحة شعبنا وخدمته بأفضل صورة، نريد العمل لمصلحة شعبنا وليس مصلحة الأحزاب، ونحن مستعدون لأي حوار أو تفاهم”.
وكانت العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم الواقع في شمال العراق، والذي يحظى بحكم ذاتي منذ تسعينات القرن الماضي، قد شهدت توترا عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق في أكتوبر 2021.
إجراء الانتخابات التشريعية في إقليم كردستان يشكل ضرورة حيوية، لاستعادة مسار الشرعية المؤسساتية التي باتت قيد المساءلة
وتفجر التوتر على خلفية إصرار الحزب الديمقراطي على تسمية شخصية قيادية من صفوفه لتولي رئاسة الجمهورية العراقية، مستندا في ذلك إلى نتائج الانتخابات التي حققها، في المقابل رفض الاتحاد الوطني بشدة التفريط في هذا المنصب، الذي لطالما كان حكرا عليه لسنوات في إطار توافق ضمني مع الحزب الديمقراطي حول تقاسم المناصب.
واستمر التوتر لنحو عام حول هذه النقطة، ليتصاعد بعد اغتيال العقيد الكردي هاوكار جاف في أكتوبر 2022، حيث اتهم الحزب الديمقراطي قيادات أمنية في الاتحاد الوطني بالوقوف خلفه، وهو ما نفاه الأخير بشدة، رافضا تسليم المطلوبين.
وفي خضم هذا التوتر برزت مطالبات للاتحاد الوطني بضرورة مراجعة نظام الحكم في الإقليم، وإعادة النظر في تقاسم الموارد المالية، في ظل اتهامات للحزب الديمقراطي بتهميش حق السليمانية.
وقد سعت قوى غربية، ولاسيما أميركية، للضغط على الجانبين من أجل إنهاء الأزمة، وتجنب خروجها عن السيطرة، وهو ما يبدو أنه يحقق نتائج على الأرض من خلال التصريحات الإيجابية من قبل الاتحاد الوطني، وأيضا إبداء الحزب الديمقراطي مرونة في التعاطي مع مطالب الاتحاد، لاسيما في علاقة بشروط إجراء الانتخابات، ومنها تعديل قانون الانتخابات الحالي، ووقف العمل بسجل الناخبين للإقليم، والذي تحوم حوله شبهات كثيرة.
وأعرب المتحدث باسم الحزب الديمقراطي محمود محمد، الأربعاء، عن تأييد حزبه لاعتماد سجل الناخبين للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاتحادية في إجراء الاستحقاق التشريعي.
وأوضح المتحدث باسم الحزب الديمقراطي أن حزبه وافق أيضا على تفعيل المفوضية العليا للانتخابات في الإقليم، مؤكدا أن من الضروري إجراء الانتخابات خلال هذا العام في إقليم كردستان.
العرب