استجابت بكين للنزاعات الإقليمية عبر مجموعة من المنتديات المتعددة الأطراف وخطط السلام والمبعوثين، لكن من دون تقديم الالتزامات الأعمق والمتابعة المطلوبة لحلها.
في ضوء إعلان الصين أنها توسطت للتوصل إلى اتفاق غير متوقع بين إيران والمملكة العربية السعودية، يغدو تاريخ البلاد في التخفيف من حدةالنزاعات الإقليمية أمراً جديراً بالدراسة. وقد استضافت بكين بانتظام مؤتمرات قمة وأرسلت مبعوثين لمعالجة التوترات في الشرق الأوسط، لكن هذه المبادرات نادراً ما أسفرت عن نتائج ملموسة.
منتديات متعددة الأطراف
تعاملت الصين بانتظام مع دول المنطقة من خلال آليتَيْن: “منتدى التعاون الصيني الأفريقي”، الذي اجتمع كل ثلاث سنوات منذ إقامته في عام 2000 ويضم جميع دول شمال إفريقيا، و”منتدى التعاون الصيني العربي”، الذي اجتمع كل عامين منذ إقامته في عام 2004 ويضم جميع دول “جامعة الدول العربية”. وقد ركّز “منتدى التعاون الصيني العربي” بصورة أكثر على النزاعات الإقليمية، ولا سيما السلام العربي الإسرائيلي، على الرغم من أن المناقشات شملت أيضاً صراعات في العراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
بالإضافة إلى ذلك، أُشيد باجتماعٍ عُقد في كانون الأول/ديسمبر بصفته “القمة الصينية العربية” الأولى، ولكن المراقبين خلصوا إلى أنه كان تجمعاً روتينياً أُعيدت تسميته وليس مناسبة جديدة. ولم يُعقَد اجتماع “منتدى التعاون الصيني العربي” الذي كان من المقرر عقده العام الماضي، بينما خدمت هذه القمة الغاية نفسها إلى حدٍ كبير.
ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية لبكين من خلال هذين المنتديين في عرض معاييرها السياسية على الدول الإقليمية. ففي كلٍ من “منتدى التعاون الصيني الأفريقي” و”منتدى التعاون الصيني العربي”، شددت الصين مراراً وتكراراً على “المبادئ الخمسة للتعايش السلمي” و”التعاون بين بلدان الجنوب”. كما استغلت هذه التجمعات ومؤتمرات القمة الثلاثة التي عُقِدت بشكل متزامن في كانون الأول/ديسمبر الماضي من أجل تعزيز دعم سياسات محددة داخل الصين وخارجها – وبالتحديد، تعاملها مع الأويغور في شينجيانغ، وموقفها من تايوان، و”مبادرة الحزام والطريق”.
الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية
خلال “مؤتمر مدريد” عام 1991، طرحت الصين اقتراحاً من خمس نقاط بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنها لم تُشارك في المحادثات. ومنذ ذلك الحين، أصدرت نسخاً متعددة من هذا الاقتراح، خاصةً بعد جولات من التوتر المتصاعد، وهي: اقتراح من خمس نقاط في أيار/مايو 2003، وخطة من أربع نقاط في أيار/مايو 2013، واقتراح من خمس نقاط في آب/أغسطس 2014، وخطة من أربع نقاط في آب/أغسطس 2017، وخطة أخرى من أربع نقاط في أيار/مايو 2021. وكان جوهر كل اقتراح مماثلاً: التوصل إلى حل الدولتين بحدود عام 1967 تكون فيه القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وإنهاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، والضغط من أجل بذل جهود دولية تسهل السلام والتعاون بين الجانبين.
ومنذ عام 2002، أوفدت بكين “مبعوثاً خاصاً لقضية الشرق الأوسط” للتركيز على الشؤون العربية الإسرائيلية. والمبعوث الحالي، تشاي جون، هو الخامس في هذا المنصب. كما استضافت الصين “ندوة السلام الفلسطينية الإسرائيلية” أربع مرات بين عامَي 2006 و 2021. وفي الندوة الأخيرة، دعا وزير الخارجية السابق وانغ يي الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إجراء محادثات مباشرة في الصين. وجاء ذلك في أعقاب الإعلان في “منتدى التعاون الصيني العربي” عام 2018 الذي قال فيه الرئيس شي جين بينغ أن الصين تخطط لعقد مؤتمر دولي حول فلسطين.
وعلى الرغم من هذه التعبيرات المتكررة عن الدعم، لم تتخذ بكين خطوات ملموسة لدفع عملية السلام. ففي عام 2013، على سبيل المثال، أعربت عن موافقتها الضمنية عندما حاول وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري استئناف المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، ولكنها لم تُقدّم منصة بديلة عندما انهارت هذه المحادثات في النهاية. وفي عام 2017، عندما اندلعت التوترات في أعقاب قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، استضافت الصين وفداً من ممثلين إسرائيليين وفلسطينيين. وكانت النتيجة قراراً دعا إلى اتفاقية حل الدولتين، ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتجميد بناء المستوطنات أو توسيعها، والاعتراف بدور الصين في تعزيز الجهود الدولية التي تدفع محادثات السلام. ومع ذلك، كان القرار غير ملزم، وكان الوفدان غير مستعديْن حتى لعقد مؤتمر صحفي مشترك عند اختتام المحادثات.
الدبلوماسية تجاه سوريا
اتبعت الصين نهجاً مشابهاً إزاء الحرب الأهلية السورية. فبعد دعم “الجامعة العربية” وخطة السلام للأمم المتحدة المكونة من ست نقاط، أصدرت بكين اقتراحها الخاص المكون من أربع نقاط في عام 2012، وخطةً من “خمسة مبادئ” في عام 2014، وخطةً من أربع نقاط في عام 2021. ودعت كل وثيقة إلى احترام السيادة السورية وسلامة أراضي البلاد، وتسريع إعادة الإعمار، ومحاربة الإرهاب، ودعم الانتقال السياسي الشامل أو حل النزاع. كما عيّنت بكين “مبعوثاً خاصاً لسوريا” – شي شياويان، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2016.
ليس لدى الصين الكثير لتظهره مقابل هذه المبادرات، على الرغم من أن تركيزها على “عدم التدخل” في السنوات الأولى من الحرب أدى إلى تفاقم التوترات بين أعضاء “منتدى التعاون الصيني العربي”. واعترضت العديد من الحكومات العربية على تأكيدات بكين بأن قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا تنتهك مبادئ السيادة ووحدة الأراضي.
الدبلوماسية تجاه دول الخليج
عندما تصاعدت التوترات بين قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في عام 2017، اتخذت الصين عدداً من الخطوات. فقد أرسلت دبلوماسياً لزيارة دول الخليج لمدة ثلاثة أيام، ودعا وزير خارجيتها إلى قيام حوار بين هذه الدول، واستقبلت وفدَين رفيعَي المستوى من المنطقة. ولكن على الرغم من هذا التواصل، قطعت العديد من دول المنطقةعلاقاتها مع قطر على أي حال، واستأنفت بكين ببساطة علاقاتها القائمة مع جميع الأطراف.
في هذا الوقت تقريباً، بدأت الصين تُعبّر أيضاً عن اهتمام أكبر بتهدئة التوترات الإقليمية، بما فيها تلك القائمة مع إيران. ففي عام 2016، ذكرتإحدى وثائق السياسات الحكومية أن بكين “تدعم الدول العربية والإقليمية في جهودها لبناء آلية أمنية للتعاون الجماعي الإقليمي الشامل والمشترك”، لكنها لم تذكر عملية تقودها الصين لتسهيل تلك الجهود. وفي عام 2018، ذهب وزير الخارجية السابق وانغ إلى أبعد من ذلك عندما أشار إلى أن بكين مستعدة للانضمام إلى الدول العربية في أن تصبح “بانية السلام وميسرة الاستقرار ومشاركة في التنمية في الشرق الأوسط”. وتم توضيح هذا الموقف بشكل أكبر بعد عامين عندما اقترح “منصة حوار متعددة الأطراف لمنطقة الخليج”. وجاء الاقتراح الأخير خلال محادثات مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف – وهو اجتماع أثارته مخاوف بشأن تفكك الاتفاق النووي. ومع ذلك، في حين يمكن اعتبار الاتفاقية الإيرانية السعودية الحالية تتويجاً نهائياً لهذه الجهود، يبقى أن نرى إذا ما كانت هذا الاتفاق سيشكل خرقاً فعلياً لسجل الصين على صعيد الدبلوماسية الإقليمية غير المثمرة إلى حد كبير.
كارول سيلبر
معهد واشنطن