تحركات واسعة على اكثر من اتجاه في محاولة متعددة الأطراف لاعادة صياغة مشهد العلاقات بين دول المنطقة وفرض توازنات إقليمية جديدة تتعدى الخطوط الحمراء التي الزمت بعض الدول نفسها مثل السعودية أو تركيا أو دول أخرى في الانفتاح على النظام السوري والتطبيع معه، أو عودة العلاقات بين طهران وعواصم خليجية عدة.
وطيلة خمس سنوات، رعت روسيا مفاوضات غير مباشرة بين النظام السوري الذي كانت تمثله ايران في مباحثات استانة وسوتشي، وفصائل المعارضة السورية التي كانت تمثلها تركيا.
ليس هناك من يشكك في قدرة الدبلوماسية الإيرانية في ظل سلطة «المحافظين» برئاسة إبراهيم رئيسي في انها تملك رؤية واقعية تتفوق على رؤية «الإصلاحيين» في الانفتاح على الخارج، وإعادة ادماج ايران والدول الحليفة لها في محيطها الإقليمي.
النظام السوري الذي خرج من «عنق الزجاجة»، لم يعد «يستجدي» إعادة علاقاته مع دول الجوار العربي أو الإقليمي، وكما يقولون «الكل بات يخطب ود دمشق ويريد الحج إليها»
وتتلخص رؤية ايران عبر تحركات وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان في ضرورة ان تكون البداية بكسر الحاجز بين انقرة ودمشق لخلق حالة من التقارب بينهما.
من المهم القول، ان النظام السوري الذي خرج من «عنق الزجاجة»، لم يعد «يستجدي» إعادة علاقاته مع الدول الخليجية أو دول الجوار العربي أو الإقليمي.
في أوائل فبراير الماضي زار وزير الخارجية المصري دمشق بعد عشر سنوات من القطيعة بين البلدين، كما زراها وزير الخارجية الأردني بعد سنوات طويلة من الخلافات حول قضايا إقليمية بعضها على صلة بالنفوذ الإيراني في سوريا، والآخر على صلة بالدعم الأمريكي للمعارضة السورية الذي كان يمر عبر الأردن.
ومع زيارات متكررة لوزير الخارجية الاماراتي لدمشق، متوقع ان يزورها أيضا وزير الخارجية السعودي لاحقا.
وخلافا لكل الآراء والتوقعات، ابدى النظام السوري تمنعا صريحا من التقارب مع تركيا التي تحولت إلى مفاوض مباشر في مباحثات رباعية ستبدأ قريبا بين نواب وزراء خارجية كل من روسيا وايران وتركيا وسوريا بعد ان كانت تمثلها ايران بصفتها الدولة الضامنة لالتزام النظام السوري بوقف اطلاق النار بموجب اتفاقية استانة 2017 والتي كانت تركيا تمثل الدولة الضامنة لالتزام المعارضة المسلحة بوقف اطلاق النار مع قوات النظام.
تطالب دمشق تركيا بسحب قواتها من الشمال أو على الأقل موافقة على جدول زمني للانسحاب وانهاء «الاحتلال التركي» كما توصّفه الحكومة السورية، وهو ما ترفضه حكومة الرئيس أردوغان التي تؤكد حرصها على وحدة الأراضي السورية وسيادتها.
تخشى تركيا ان أي انسحاب لقواتها سيمهد الطريق لتنظيمات وجماعات تصنفها على لوائح الإرهاب الخاصة بها للتواجد على حدودها الجنوبية بما يهدد أمنها القوى وأمن مدنها الحدودية، لكنها لن تمانع في استعادة القوات السورية سيطرتها على جميع الأراضي السورية بما فيها مناطق سيطرة الجيش الوطني الحليف لها، أو مناطق الشريط الحدودي بين البلدين في حال ضمنت حكومة دمشق أمن الحدود ومنعت أي محاولات لتسلل الجماعات المسلحة المناهضة لتركيا أو مرور الأسلحة أو تهريب المخدرات وغير ذلك.
في مقابل ذلك، تطمح تركيا في تعديلات على اتفاقية «اضنة» تسمح لقواتها بالتوغل في العمق السوري بحدود 30 كيلومترا للقضاء على الجماعات المناوئة لها على غرار الاتفاقية الموقعة مع العراق في تسعينيات القرن الماضي، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية الحليفة للولايات المتحدة التي لا تزال ترفض أي محاولات عربية أو إقليمية للتقارب مع النظام السوري.
وخلال الأيام المقبلة سيعقد نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران وسوريا اجتماعات على مدى يومين في العاصمة الروسية لبحث تقريب وجهات النظر بين أنقرة ودمشق، بحسب تصريحات لوزير الخارجية الإيراني.
وتطرح المباحثات «الرباعية» مزيدا من التساؤلات عن: هل ان «الرباعية» ستمثل البديل الواقعي والعملي لثلاثية استانة؟ وأين هي المعارضة السورية؟
القدس العربي