مع اكتمال العام الأول للحرب الروسية ضد أوكرانيا، ظهرت مؤشرات على احتمال الوصول إلى نهايتها قريبا. ففي تطور أشبه بمعجزات عيد الميلاد قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن روسيا “مستعدة للتفاوض على نتائج مقبولة” للحرب في أوكرانيا. وفي الشهر الماضي أعلنت الصين خطتها للسلام في أوكرانيا، وزار الرئيس الصيني شي جينبينغ موسكو لبحث تلك الخطة.
وفي الوقت نفسه دخلت روسيا وأوكرانيا مأزقا مريرا في ظل العجز عن تحقيق أي تقدم حقيقي على أرض المعركة خلال الأشهر الأخيرة. ولذلك يبدو أن الوقت مناسب للوصول إلى وقف إطلاق النار أو الهدنة أو شيء من هذا القبيل.
ويقول ويسلي ساتروايت، المحلل الإستراتيجي والمستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، “حان الوقت لتفكر الولايات المتحدة في ما يمكن أن يحدث بعد الحرب، وبخاصة مصير الأسلحة والمعدات المقدرة بمليارات الدولارات التي أرسلتها إلى أوكرانيا عندما تخرج من الحرب بمؤسسات ضعيفة وتحتاج إلى إعادة البناء، مع وجود جيوب للتمرد الموالي لروسيا ومساحات من الأراضي تحتلها قوات روسية”.
وحتى الآن قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 34 مليار دولار، منها 12.7 مليار دولار في شكل أسلحة ومعدات من مخزونات وزارة الدفاع الأميركية حاليا، إلى جانب 1.3 مليار دولار كمنح وقروض لتمويل شراء أسلحة ومعدات إضافية.
ويضيف ساتروايت، الذي خدم في صفوف القوات الأميركية بأوروبا خلال عامي 2019 و2020، أن الدعم الأميركي لأوكرانيا صواب وعادل. فالحرب العدوانية التي شنها بوتين ضد أوكرانيا كانت اختيارية، عكس أي صراع نشب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. لذلك فالولايات المتحدة ملزمة بدعم الحرية والديمقراطية في أي مكان تواجه فيه الخطر.
وفي الوقت نفسه على الولايات المتحدة إخضاع الأسلحة التي يتم إرسالها إلى كييف للرقابة والمحاسبة، وهو ما يدعو إليه الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس.
ويقول ساتروايت إنه يتعين على الولايات المتحدة تجنب تكرار أخطاء تسليح الأفغان في مواجهة الغزو السوفييتي لبلادهم في ثمانينات القرن العشرين، فقد كانت تلك الحرب اختيارية، ودعمت واشنطن المجاهدين الأفغان.
وفي ذلك الصراع نجحت الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف ستينغر في إسقاط الكثير من المروحيات السوفييتية وساهمت في هزْم الاتحاد السوفييتي.
وفي ذلك الوقت كانت هذه الصواريخ تعتبر تكنولوجيا حساسة، وكانت الولايات المتحدة تشترط على المجاهدين إعادة فوارغ الذخيرة المستنفدة مقابل إرسال كميات جديدة إليهم.
بعض الأسلحة التي حصلت عليها أوكرانيا عرفت طريقها عبر شبكات سرية إلى فنلندا والسويد والدنمارك وهولندا
وبعد إتمام انسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في فبراير 1989، أطلقت الولايات المتحدة برنامجا بقيمة 65 مليون دولار لإعادة شراء صورايخ ستينغر من الأفغان لكن البرنامج فشل بنسبة كبيرة. وسرعان ما عرفت هذه الصواريخ طريقها إلى كوريا الشمالية وإيران وطاجيكستان.
والآن يتكرر السيناريو الأفغاني، حيث تلعب الصواريخ الأميركية طراز أف. جي. أم – 148 جافلين المضادة للدبابات دورا كبيرا في التصدي للمدرعات الروسية بنسب إصابة تبلغ 93 في المئة.
وفي نوفمبر الماضي قال كولين كال، مساعد وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسة، إن الروس فقدوا حوالي نصف دباباتهم الرئيسية بفضل صواريخ جافلين، حيث تم تزويد أوكرانيا بأكثر من 8500 صاروخ أف. جي. أم – 148 جافلين وأكثر من 1650 صاروخ ستينغر المضاد للطائرات و1800 طائرة مسيرة طراز فونيكس جوست و2500 منظومة من منظومات الصواريخ المتنوعة.
والحقيقة أن هناك قصورا شديدا في الرقابة الأميركية على هذه الأسلحة حتى الآن. فالسفارة الأميركية بكييف المعنية أساسا بمتابعة استخدام هذه الأسلحة لا تمتلك القدرات البشرية ولا المادية الكافية للقيام بهذه المهمة بسبب الحرب. كما أن الولايات المتحدة لا تفرض على الأوكرانيين إعادة فوارغ صواريخ جافلين مقابل الحصول على صواريخ جديدة من نفس الطراز، كما فعلت مع صواريخ ستينغر في أفغانستان خلال الثمانينات.
34
مليار دولار قدمتهم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لأوكرانيا حتى الآن
ويقول ساتروايت إن أوكرانيا هي أفضل دولة في أوروبا وثاني أكبر دولة فاسدة فيها بعد روسيا، وتحتل المركز 122 على مؤشر الفساد في العالم.
وبعد نهاية الحرب الباردة في تسعينات القرن العشرين كانت أوكرانيا مركزا دوليا للاتجار غير المشروع بالأسلحة، بسبب المخزونات الضخمة التي خلفها تفكك الاتحاد السوفييتي. وخلال الفترة من 1992 إلى 1998 فقدت أوكرانيا أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 32 مليار دولار نتيجة عمليات السرقة وغياب الرقابة والبيع بأسعار رخيصة.
وفي تقرير صادر عن منظمة الشرطة الأوروبية (يوروبول) حذرت المنظمة من أن انتشار الأسلحة والمتفجرات في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة عمليات تهريب الأسلحة والذخائر إلى الاتحاد الأوروبي عبر خطوط التهريب القائمة ومنصات التجارة غير المشروعة على الإنترنت.
وأضافت أن الخطر قد يزداد عند انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. وبالفعل عرفت بعض الأسلحة التي حصلت عليها أوكرانيا طريقها عبر شبكات سرية إلى فنلندا والسويد والدنمارك وهولندا.
ولذلك يجب على الولايات المتحدة تكثيف التفتيش ومراقبة تداول الأسلحة التي تقدمها إلى أوكرانيا. فمنذ بدء وصول المساعدات الأميركية إلى أوكرانيا، لم يخضع سوى 10 في المئة من المعدات والأسلحة شديدة الحساسية لمثل هذه الرقابة. وتتم هذه الرقابة من خلال مكتب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بكييف.
وإذا شكّل إجراء التفتيش خطورة ينبغي للولايات المتحدة إلزام الأوكرانيين برد فوارغ الذخيرة والمعدات المستخدمة إليها. كما يجب وضع صور الأرقام المسلسلة وعلامات التتبع الجغرافي لهذه الأسلحة في قاعدة بيانات تشترك فيها حكومتا الولايات المتحدة وأوكرانيا.
وأخيرا على الولايات المتحدة التعامل بمنتهى الجدية مع ملف الأسلحة المقدمة إلى أوكرانيا ورسم سيناريوهات التعامل معها بعد انتهاء الحرب، التي ستنتهي عاجلا أم آجلا حتى تجنب أوروبا والعالم مخاطر أكبر.
ال