أربيل (العراق)- وصفت أوساط سياسية كردية خسارة إقليم كردستان العراق ورقة النفط لصالح حكومة بغداد بأنها نتيجة منطقية للوضع الداخلي المهزوز في الإقليم بسبب الصراعات بين الحزبين الكبيرين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وسيطرتهما على عائدات النفط لحساب العائلات النافذة المتحكمة في الإقليم وتوسع دائرة الفساد في الوقت الذي يعاني فيه سكان الإقليم من مشاكل كثيرة.
واعتبرت هذه الأوساط أن نجاح الحكومة المركزية في بغداد بالتحكم في النفط ومنع الإقليم من تصديره إلا عبر شركة سومو الحكومية ستكون له تداعيات وخيمة على أهداف الإقليم واستقلاليته عن المركز، وهو المطلب الرئيسي للأكراد ما بعد 2003.
ويحمّل نشطاء أكرادٌ القادةَ السياسيين مسؤولية هذا الوضع لكونهم ضيعوا مصالح الإقليم بسبب خلافاتهم، وسط تقارير تتحدث عن تراجع كبير في منسوب الثقة بالمؤسسات داخل الإقليم، في ظل الصراعات المزمنة بين الحزبين الرئيسيين وتفشي الفساد في مفاصل الإقليم، إلى جانب غياب العدالة الاجتماعية والتفاوت بين المناطق والمحافظات الأربع.
◙ لطالما نظرت حكومة بغداد بعين الغضب إلى حكومة كردستان التي كانت تصدّر نفط الإقليم من دون العودة إلى الحكومة المركزية
ولا يُعرف ما هي الحصة التي سيحصل عليها الأكراد من عائدات نفط الإقليم وفق الاتفاق الذي تم توقيعه الثلاثاء، لكنها في كل الحالات لن تكون في حجم العائدات التي كان يجمعها الإقليم من التصرف منفردا في تسويق النفط.
ويشكّل موضوع النفط ملفًّا خلافيّا أساسيّا بين الحكومة المركزية في بغداد وسلطات إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي. وترى أربيل أن الحكومة المركزية تسعى لوضع يدها على ثروات الإقليم النفطية، فيما تطالب بغداد بأن تكون لها الكلمة العليا في إدارة الموارد النفطية التي تستخرج من الإقليم.
وقابل الأكراد وضعَ الحكومة المركزية يدها على نفط الإقليم ومنع تصديره عبر تركيا ببيان بارد لا يرقى إلى أهمية هذه الخطوة وتأثيرها على الإقليم، وهو ما يؤكد حالة الضعف التي بات عليها الإقليم بسبب فشل حكم العائلات الحزبية المسيطرة عليه.
وأكدت حكومة الإقليم في بيان “أنها على موقفها الثابت بعدم التنازل عن الحقوق الدستورية للشعب الكردستاني، فإنها تجدد تنسيقها مع بغداد بهدف التوصل إلى حل جذري وقانوني ودستوري بهذا الشأن”.
وكسبت بغداد قرار محكمة التحكيم التجاري الدولية في باريس بشأن قضية تصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا، والذي يعني بالضرورة أن شركة تسويق النفط العراقية سومو هي الجهة الوحيدة المخولة بإدارة عمليات التصدير عبر ميناء جيهان التركي.
وقال بيان لوزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم إن “الحكومة أجرت في الأشهر الأخيرة حوارات ومفاوضات متواصلة مع الحكومة الاتحادية، وآخرها بشأن ملفي الموازنة، والنفط والغاز (…)” وإن “الجانبين توصلا إلى اتفاق مبدئي وتفاهم جيد تحت مظلة الدستور والحقوق والمستحقات الدستورية لإقليم كردستان”.
ووقّعت الحكومة العراقية وسلطات كردستان، الإقليم المتمتّع بحكم ذاتي في شمال البلاد، الثلاثاء اتفاقاً يتيح استئناف تصدير نفط الإقليم إلى تركيا فوراً، في تسوية “مؤقتة” لخلاف طويل بين الطرفين.
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إثر توقيع الاتفاق “نثمّن جهود الفريقين، الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، على ما تمّ إجراؤه من مفاوضات مهنيّة ومسؤولة، ونأمل منهم خيرا، ونأمل منهم فورا المباشرة في تنفيذ الاتفاق”.
ولاحقا قال بارزاني في تغريدة إنّ هذه الاتفاقية “مؤقتة” لأنّها ستتيح استئناف تصدير نفط الإقليم إلى حين تصويت مجلس النواب العراقي على قانون النفط والغاز، “لكنها خطوة حيوية لإنهاء الخلاف الطويل بين بغداد وأربيل”.
وينصّ الاتّفاق الذي وُقّع بحضور السوداني وبارزاني على أن تجري مبيعات نفط كردستان عبر شركة تسويق النفط العراقية سومر، ما يعني أنّ أربيل لن تدير بعد اليوم ملف النفط منفردةً.
كما ينصّ على إيداع الإيرادات الكلّية للنفط المصدّر من حقول الإقليم في حساب مصرفي لحكومة الإقليم لدى البنك المركزي العراقي أو أحد المصارف المعتمدة من قبل البنك المركزي.
وبحسب نصّ الاتفاق، وفي انتظار إقرار الموازنة أو قانون النفط والغاز، تشكَّل لجنة مؤقتة من أربعة أعضاء من وزارة النفط وشركة تسويق النفط ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم مهمّتها التفاوض على بيع نفط الإقليم وفق آليات البيع الخاصة بشركة سومو، بشرط معرفة المستفيد النهائي.
ويشكّل ملف نفط الإقليم عقبة في العلاقات بين بغداد وأربيل في وقت اعتمدت فيه الحكومة العراقية في ميزانيتها للأعوام الثلاثة المقبلة معدّل سعر بيع برميل النفط بـ70 دولاراً.
ولطالما نظرت حكومة بغداد بعين الغضب إلى حكومة كردستان التي كانت تصدّر نفط الإقليم من دون العودة إلى الحكومة المركزية وبالتالي تحرمها من موارده.
وبلغ الخلاف بين بغداد وأربيل أوجه قبل عشرة أيام حين أوقفت تركيا استيراد نفط كردستان.
◙ نجاح الحكومة المركزية بالتحكم في النفط ومنع الإقليم من تصديره بشكل مستقل ستكون له تداعيات وخيمة على وضع الإقليم
وأوقفت تركيا في 25 مارس استيراد النفط من إقليم كردستان إثر قرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بشأن صادرات النفط من إقليمه الشمالي.
ويعود الخلاف بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم حول ملف النفط إلى عام 2014 حين رفعت بغداد دعوى ضدّ تركيا أمام هيئة التحكيم اعتراضاً على إعلان أنقرة تصدير نفط إقليم كردستان العراق إلى الأسواق العالمية من دون إذن الحكومة العراقية.
وعلى الرّغم من معارضة بغداد كانت أربيل تصدّر نفط الإقليم عبر تركيا. ويبلغ معدّل تصدير الإقليم نحو 450 ألف برميل في اليوم.
وبحسب الخبير النفطي يسار المالكي فإنّ الاتّفاق “يمنح بغداد القدرة على الاطّلاع على قطاع النفط في كردستان العراق، حتّى لو كان الأمر يتعلّق في الوقت الحالي بجانب المبيعات فقط”.
وأضاف أنّ الاتفاق يمنح بالمقابل أربيل القدرة على “زيادة دخلها من خلال التوقف عن منح تخفيضات كبيرة” في مبيعاتها كما كانت تفعل سابقاً.
ومن حيث المبدأ، يتعيّن على أربيل بموجب الاتّفاق أن تسلم جزءا من إنتاجها النفطي إلى بغداد التي يتعيّن عليها في المقابل أن تدفع رواتب الموظفين العموميين في الإقليم.
العرب