بتتبع تحركات الدبلوماسية الإسرائيلية أخيراً فى منطقة أوراسيا، يمكن القول إن إستراتيجية إسرائيل تجاه إيران صارت مرتكزة على ثلاث دعائم، الأولى وقف البرنامج النووي الإيراني، والثانية تقويض السلوك الإيراني في الشرق الأوسط، لا سيما مساحات تأثيره، والثالثة منع طهران من مد نفوذها في منطقة أوراسيا وتعزيز الوجود الإسرائيلي على حدود إيران.
وأخيراً، افتتحت أذربيجان أول سفارة لها في إسرائيل منذ 30 عاماً، كما تفتتح تل أبيب اليوم سفارة لها فى تركمانستان المحاذية لإيران، إذ افتتح وزير الخارجية إيلي كوهين سفارة إسرائيل في العاصمة التركمانية عشق آباد على بعد 15 ميلاً فقط من الحدود الشمالية الشرقية لإيران، وسيكون المكتب أقرب سفارة لإسرائيل من عدوها اللدود إيران.
تعود العلاقات الثنائية بين أذربيجان وإسرائيل لزمن استقلال أذربيجان عام 1991 فى ظل انهيار الاتحاد السوفياتي، وافتتحت إسرائيل سفارتها في باكو في أغسطس (آب) 1993. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أذربيجان أحد أهم شركاء إسرائيل في العالم الإسلامي.
بالنسبة إلى إسرائيل تتمثل أهمية أذربيجان في كونها الركيزة الأساسية للتعاون الإسرائيلي في جنوب القوقاز، ومن شأنها أن تمنع الاختراق الإيراني لآسيا الوسطى.
تبذل تل أبيب جهوداً كبيرة في الأعوام الأخيرة لتعزيز علاقاتها مع أذربيجان ذات الغالبية المسلمة، ويرجع ذلك إلى حدودها الطويلة مع إيران التي تمتد على مسافة 765 كيلومتراً، واتخذ التعاون بين البلدين صوراً عدة، فكانت طائرات كاميكازي من إسرائيل أهم المتغيرات التي بدلت قواعد اللعبة في حرب قره باغ الثانية. كما أن إسرائيل من أكبر الداعمين العسكريين لباكو في الولايات المتحدة، في حين أن أذربيجان هي المورد الرئيس للطاقة لإسرائيل.
وتعمل تل أبيب على تأكيد التصورات المشتركة بينها وحليفتها باكو، فجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية أن البلدين يعززان تحالفهما الدبلوماسي والأمني، فضلاً عن تعميق العلاقات الاقتصادية والسياحية، مع اعتبار أذربيجان من قبل إسرائيل نقطة وصول مهمة إلى أوراسيا. وزار وزير الخارجية الإسرائيلي باكو على رأس وفد اقتصادي كبير من نحو 30 شركة في مجالات الأمن الداخلي والأمن السيبراني وإدارة المياه والزراعة الذكية. وتم تنظيم أكثر من 100 لقاء لمختلف الممثلين الإسرائيليين مع الشركات المحلية والمسؤولين الأذربيجانيين.
بالنسبة إلى تركمانستان فنتيجة ضغط من إيران، رفضت تركمانستان قبول السفراء الإسرائيليين لأعوام عدة، على عكس أذربيجان، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين محدودة، وتركز بشكل أساسي على التعاون الزراعي، كما شاركت إسرائيل في جهود إعادة بناء أكبر مصفاة نفط في البلاد.
وتأتي زيارات كوهين إلى أذربيجان وتركمانستان على خلفية التوترات المتزايدة مع إيران، وتشترك إسرائيل وأذربيجان في التصور نفسه حول التهديدات الإيرانية. وقال كوهين “النظام الإيراني يهدد منطقتنا ويمول الإرهاب ويزعزع استقرار الشرق الأوسط بأكمله”.
التقارب بين إسرائيل وأذربيجان، من وجهة نظر طهران، تهديد أمني بالنسبة إليها، فتل أبيب تقيم موطئ قدم عسكرياً في الأراضي الأذربيجانية بالقرب من إيران، مما يشكل خطراً جسيماً على أمنها ومصالحها، كما أن فتح سفارة أذربيجان في إسرائيل دفع طهران إلى الشكوى من “التوجه المعادي لإيران” للدبلوماسية الأذرية.
انتقدت وزارة الخارجية الإيرانية إظهار الصداقة بين البلدين وأشارت إلى “موافقة ضمنية على التوجه المعادي لإيران لتعاونهما وطالبت بتوضيح من السلطات الأذرية في هذا الصدد”.
وأصدرت وزارة الخارجية الأذربيجانية بياناً في وقت لاحق رداً على ذلك قائلة إنه لم يظهر أي موقف ضد إيران، وأوضحت “في هذا الصدد، نعتبر البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإيرانية خطوة أخرى مناهضة لأذربيجان”.
ولدى إيران تصور أن لإسرائيل وجوداً أمنياً في أذربيجان، وجاء في بيان الأخيرة أن “باكو لم تسمح قط باستخدام أراضيها ضد دول ثالثة”. ويشكل التعاون الإسرائيلي- الأذربيجاني مصدر قلق بالنسبة إلى إيران. وعام 2021، أجرت طهران تدريبات عسكرية على حدودها مع أذربيجان.
وحذر وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان السفير الأذربيجاني في طهران من أن إيران “لن تتسامح مع وجود النظام الصهيوني على طول حدودها وستتخذ الإجراءات اللازمة ضد أنشطة النظام”.
هذا التعميق الأخير للعلاقات الدبلوماسية بين باكو وتل أبيب ظهر على خلفية تفاقم الخلاف بين أذربيجان وإيران التي تتهم باكو بتهديد أمن طهران من خلال شراكتها مع إسرائيل. ومن ثم يمكن القول إنه في وقت تحاول إيران التمدد في مساحات بالقرب من إسرائيل تعمل هذه الأخيرة الأمر ذاته بفتح جبهات توتر جديدة مع إيران، لكن على حدودها خارج الشرق الأوسط.
اندبندت عربي