شركات النفط الأميركية تعود إلى ليبيا في مواجهة النفوذ الروسي

شركات النفط الأميركية تعود إلى ليبيا في مواجهة النفوذ الروسي

إسطنبول – أشارت تحركات الولايات المتحدة الأخيرة إلى رغبة الإدارة الأميركية في تعزيز نفوذها الاقتصادي بجنوب البحر المتوسط لتعويض صادرات النفط الروسي نحو أوروبا، وتحجيم النفوذ الروسي المتنامي في البلد الذي يشهد من سنوات حربا ولم يستطع بعد تحقيق استقرار سياسي.

وخلال الفترة الماضية أبرمت شركتان أميركيتان صفقتين لتطوير حقل نفطي وسط ليبيا، وتشييد مصفاة نفطية في الجنوب الغربي، بالقرب من المناطق التي ينتشر بها مرتزقة شركة فاغنر الروسية.

ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن كلا من شركتي “هاليبرتون” و”هانيويل إنترناشونال” الأميركيتين، أبرمتا صفقات يصل إجمالي قيمتها 1.4 مليار دولار، لتطوير حقل نفط ومصفاة تكرير مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، ومن المتوقع أن يتم الإعلان عنهما قريبا.

فالعملاق النفطي الأميركي هاليبرتون، سيتولى تطوير حقل الظهر النفطي في محافظة سرت (وسط)، بقيمة مليار دولار، بينما تحدثت الصحيفة الأميركية عن مشروع تشييد شركة هانيويل مصفاة نفط في الجنوب الغربي بقيمة 400 مليون دولار، في حين تقول مؤسسة النفط إن تكلفة المشروع تتراوح ما بين 500 و600 مليون دولار.

كما تعاقدت المؤسسة الليبية للنفط مع شركة “كيرني” الأميركية، أحد أكبر بيوت الخبرة العالمية، لتنفيذ خطة المؤسسة للعودة بليبيا إلى مصاف الدول الرئيسية المنتجة للطاقة في العالم.

وتكمن أهمية التعاقد مع شركات أميركية، بعد تلك الموقعة مع تركيا وشركة إيني الإيطالية، في كونها رسالة لشركات النفط العالمية بعودة الاستقرار ولو نسبيا إلى ليبيا، بعد نحو عامين ونصف العام على التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في الثالث والعشرين من أكتوبر 2020.

الولايات المتحدة لا ترغب في ترك قطاع النفط تحت رحمة روسيا وفاغنر، وهذا ما يفسر استثمارها في مناطق نفوذ موسكو

إذ كانت الشركات الأميركية تسيطر على نحو 90 في المئة من قطاع النفط الليبي في العهد الملكي (1951 – 1969) قبل أن يؤمم الزعيم الليبي معمر القذافي القطاع في 1974، ويضيق الخناق عليها، ما أدى إلى تقلص نشاطها، حتى بعد سقوط نظامه في 2011.

ولا ترغب الولايات المتحدة في ترك قطاع النفط تحت رحمة روسيا وذراعها المسلحة فاغنر، وهذا ما يفسر استثمارها في مناطق تحظى بها موسكو بنفوذ قوي.

فقد استقبلت مديرة إدارة شمال أفريقيا في وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا تيلور، رئيس مؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة، في مارس الماضي، بواشنطن. واستغل بن قدارة اللقاء لدعوة الشركات الأميركية إلى العمل في قطاع النفط والغاز الليبي، مشيّدا بدعم واشنطن لمؤسسة النفط ومجلس إدارتها لتنفيذ إستراتيجيتها في بناء القدرات، ورفع إنتاج النفط والغاز.

وتسعى الولايات المتحدة لتشجيع الدول المنتجة للنفط والغاز لزيادة إنتاجها وصادراتها إلى أوروبا لتعويض نقص إمدادات المحروقات إلى أوروبا.

فتوجه الاتحاد الأوروبي للتخلي عن المشتقات النفطية الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا يدفع أعضاءه إلى البحث عن بدائل، وتمثل ليبيا أحد هذه الخيارات بالنظر إلى امتلاكها أكبر احتياطي مؤكد من النفط في أفريقيا وقربها الجغرافي من السواحل الأوروبية، ناهيك عن احتياطاتها الهامة من الغاز الطبيعي.

ويشجع توفر الطلب على النفط في السوق الأوروبية الشركات الأميركية على المخاطرة في الاستثمار بقطاع النفط الليبي، الذي يشهد استقرارا نسبيا، خاصة منذ تعيين فرحات بن قدارة على رأس مؤسسة النفط الليبية.

شركتا “هاليبرتون” و”هانيويل إنترناشونال” الأميركيتان أبرمتا صفقات يصل إجمالي قيمتها 1.4 مليار دولار لتطوير حقل نفط ومصفاة تكرير مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية

ويحظى بن قدارة بدعم طرفي الصراع في البلاد، وكذلك الإدارة الأميركية، ما ساعد في رفع إنتاج البلاد إلى نحو 1.1 مليون برميل يوميا كمتوسط، ويطمح لرفعه إلى مليوني برميل يوميا.

ووقعت شركة زلاف، إحدى شركات مؤسسة النفط الليبية، في مارس المنقضي عقدا مع شركة هانيويل، لتنفيذ أعمال هندسية في مشروع “مصفاة الجنوب”، بتكلفة تتراوح بين 500 و600 مليون دولار.

وتقع “مصفاة الجنوب” في مدينة أوباري، في الجنوب الغربي الليبي، والتي تقطنها قبائل الطوارق، وتخضع لسيطرة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، ويوجد بالقرب منها حقلا الشرارة والفيل النفطيان.

وتملك فاغنر بعض النفوذ في المنطقة، ولها تحالفات معقدة مع جماعات تشادية متمردة في الجنوب الليبي، وكذلك مع مجموعات من قبائل التبو ذات الأصول التشادية، لكن علاقتها غير ودية مع قوات علي كنة (طوارق)، الموالية لحكومة الوحدة في طرابلس.

ومن شأن مصفاة النفط أن تحل أزمة نقص وقود السيارات في منطقة الجنوب، المعزولة والبعيدة عن طرابلس ومدن الشمال بمئات الكيلومترات، خاصة في ظل تهريب كميات منه إلى دول الجوار.

على عكس “مصفاة الجنوب” يواجه مشروع تطوير حقل الظهرة النفطي بعض الجدل السياسي والإعلامي، إذ لم يتم الإعلان بعد عن التوقيع رسميا على المشروع.

ويعد الظهرة أول حقل منتج للنفط بكميات تجارية تكتشفه شركة الواحة، أحد فروع مؤسسة النفط الليبية، في آواخر الخمسينات.

وموقعه جنوب ميناء السدرة النفطي وشمال حقل زلة النفطي، جعله حلقة وصل تربط حقول الشركة الأخرى بميناء السدرة.

إلا أن حقل الظهرة تعرض للتخريب على يد تنظيم داعش الإرهابي في عام 2015، حين كان الأخير يسيطر على محافظة سرت والمناطق المجاورة لها.

وأعلنت مؤسسة النفط تشكيل لجنة “للحصول على أفضل العروض الفنية والتجارية، ومن ثم اعتمادها”، بناء على ورشة عمل عقدتها مع ممثلي شركتي “هاليبرتون”، و”إسناد” للخدمات النفطية، نافية أن تكون الأخيرة إماراتية، وإنما تأسست في مدينة بنغازي الليبية.

وجاء ذلك ردا على اعتراض وزارة النفط والغاز الليبية على “تكليف” بن قدارة، شركة “إسناد” التي قالت إنها “إماراتية” عن طريق “التعاقد المباشر” لتطوير حقل الظهرة دون عرضها على مناقصة دولية شفافة.

وقالت وزارة النفط، في بيان، إنه “من الأجدر أن تُستدعى كل الشركات المحلية والدولية، ولا تقتصر على شركة دون غيرها”.

غير أن هذا الجدل من المستبعد أن يؤثر على حصول “هاليبرتون” على عقد تطوير حقل الظهرة النفطي، “في ظل عزوف المقاولين الدوليين القادرين فنيا، وانسحاب البعض منهم بسبب تراكم الديون منذ سنوات، وعدم وجود بديل محلي مناسب”، وفق مؤسسة النفط الليبية.

هذا الوضع لا يمنح ليبيا فسحة واسعة لفرض شروطها على الشركات الأجنبية، خاصة الأميركية التي انسحب العديد منها من أسواق شمال أفريقيا للتركيز على استخراج النفط الصخري من الولايات المتحدة.

كما أن توجه الدول الأوروبية نحو الاستغناء عن الوقود الأحفوري بما فيه النفط في آفاق 2050، والتوجه نحو الطاقات النظيفة، يجعل أمام ليبيا فترة قصيرة لاستخراج احتياطاتها النفطية الهامة (48 مليار برميل) وتصديرها قبل انهيار عصر النفط.

وهذا ما يفسر تعاقد مؤسسة النفط الليبية مع شركة “كيرني” الأميركية لوضع إستراتيجية “للاستفادة من النفط وزيادة الإنتاج”.

العرب