يبدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اليوم الأربعاء زيارة إلى العاصمة السورية دمشق، هي الأولى لرئيس إيراني إلى سورية منذ اندلاع الثورة ضد النظام السوري الذي تلقى دعماً على المستويات كافة من طهران على مدى أكثر من عقد. ومكّن ذلك إيران من ترسيخ حضور عسكري وأمني واقتصادي وثقافي في سورية، جعل منها لاعباً بارزاً في القضية السورية لم تجد محاولات تحجيم دوره نجاحاً.
تعزيز علاقات “محور المقاومة”
وذكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية في دمشق أن رئيسي “يزور سورية على رأس وفد وزاري إيراني كبير في الثالث والرابع من مايو/ أيار الحالي (غداً وبعد غد)، في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010″، مشيرة إلى أن إيراني سيجري خلال الزيارة مباحثات مع رئيس النظام بشار الأسد لـ”تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين”.
ونقلت الصحيفة عن “مصادر مطلعة” قولها في 28 إبريل/ نيسان الماضي إن الزيارة “ستشهد توقيع عدد كبير من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم تشمل مختلف أوجه التعاون، لا سيما في مجالات الطاقة والكهرباء”، مشيرة إلى أن مفاوضات ستجرى “حول خط ائتماني إيراني جديد لسورية، يتم استثماره في قطاع الكهرباء”. وبيّنت المصادر أن الجانب الإيراني “سيناقش إمكانية تقديم المساعدة لسورية في إصلاح وإنشاء محطات توليد طاقة كهربائية جديدة”، مشيرة إلى أن الرئيس الإيراني سيجري جولات في عدد من المناطق في دمشق، ويلتقي رجال دين.
من جهته، أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي، أمس الثلاثاء، أن الرئيس الإيراني سيزور سورية اليوم في أول زيارة لرئيس إيراني إليها منذ 13 عاماً. وأضاف جهرمي في مؤتمره الصحافي الأسبوعي أن الزيارة تأتي في إطار “استمرار دبلوماسية الجوار”، مؤكداً أن محور الزيارة هو “تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسورية ومحور المقاومة” حسب تعبيره.
طهران تريد الحصول على نتائج اقتصادية لدعمها الذي لم ينقطع للنظام السوري منذ عام 2011
ولفت المتحدث إلى أن زيارة رئيسي تأتي بدعوة من رئيس النظام السوري بشار الأسد، مضيفاً أنها “استراتيجية للبلدين ومحور المقاومة”، ومشيراً إلى أن الاقتصاد يشكل محور الزيارة بعد “التعاون الناجح في مختلف المجالات مثل المجال الأمني”.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قد أكد أول من أمس أن زيارة الرئيس الإيراني تأتي فيما دخلت سورية “مرحلة إعادة الإعمار”. وأشار إلى أن الزيارة “خُطط لها مسبقا”، وستتناول “مواضيع مختلفة ذات الاهتمام المشترك”.
كما اعتبر مساعد الشؤون السياسية لمكتب الرئاسة الإيرانية محمد جمشيدي، السبت، على “تويتر”، أن “حفل انتصار المقاومة” سيقام خلال زيارة رئيسي إلى سورية.
وسبقت زيارة الرئيس الإيراني إلى العاصمة السورية بأيام مباحثات اقتصادية بين مسؤولين إيرانيين ونظرائهم في حكومة النظام بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين وخصوصاً لجهة الربط السككي الذي يعد أولوية لدى طهران لترسيخ حضورها الاقتصادي والسياسي والعسكري في سورية.
ويبدو أن طهران تريد الحصول على نتائج اقتصادية لدعمها الذي لم ينقطع للنظام السوري منذ عام 2011. وبيّن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام محمد سامر خليل، في تصريحات صحافية، أن المباحثات التي جرت مع الجانب الإيراني الأربعاء الماضي ركزت على وثائق جاهزة للتوقيع في مجال المناطق الحرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمعارض، مشيراً إلى أن هناك اتفاقيات تحتاج إلى تفاوض، وخصوصاً في مجالات السياحة والكهرباء والسكك الحديدية.
وكان الأسد زار طهران مرتين بشكل معلن خلال السنوات الماضية، الأولى في فبراير/ شباط 2019 والتقى يومها الرئيس الإيراني في ذلك الحين حسن روحاني إلى جانب المرشد الإيراني. أما الثانية فتمت في مايو 2022 والتقى خلالها رئيسي وخامنئي، ولكن لم يزر أي رئيس إيراني بشكل معلن العاصمة السورية منذ أواخر عام 2010، وهو ما يعطي زيارة رئيسي أهمية استثنائية.
وتأتي زيارة الرئيس الإيراني إلى العاصمة السورية، في خضم تبدلات في مواقف أغلب الدول العربية تجاه النظام السوري بهدف إبعاده عن دائرة النفوذ الإيراني المتعاظم، لذا ربما جاءت الزيارة للتأكيد على أن الحقائق التي خلقها الإيرانيون في عموم سورية على مدى أكثر من عقد من الصعوبة بمكان تجاوزها في أي تسويات سياسية مقبلة للقضية السورية.
كذلك تأتي هذه الزيارة في ظل تقارب تركي بدفع روسي مع النظام السوري والذي تجلى في اجتماعات سياسية وعسكرية وأمنية في العاصمة الروسية موسكو، منذ أواخر العام الماضي، وأصرّ الإيرانيون لاحقاً على أن يكونوا طرفاً رئيسياً فيها وهو ما تحقق.
أولويات اقتصادية في زيارة رئيسي
ومن الواضح أن الجانب الاقتصادي سيكون من أولويات زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، حيث تريد طهران قطف نتائج اقتصادية واسعة للدعم اللامحدود السياسي والعسكري الذي قدمته للنظام.
ووصف الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، العلاقة الاقتصادية بين النظام السوري والجانب الإيراني بـ”علاقة هيمنة واستغلال من طهران”، مضيفاً أن “الجانب الإيراني له ديون على النظام تراكمت خلال أكثر من عقد، يريد تحصيلها”.
وأوضح تركاوي أن الجانب الإيراني “ينشط في العديد من المجالات في المناطق السورية الخاضعة للنظام، أبرزها قطاع العقار والكهرباء والمطاحن”، متحدثاً عن “هيمنة كاملة على هذه القطاعات”. ولفت إلى أن الجانب الإيراني “التفت في الآونة الأخيرة إلى قطاع النقل سواء البحري أو الجوي أو البري (في سورية)”، مشيراً إلى “محاولات للهيمنة والاستحواذ على هذا القطاع بشكل كامل”، بحسب رأيه.
اقتصاد إيراني موازٍ في سورية
إلى ذلك، بيّن الباحث الاقتصادي يونس كريّم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “حجم التبادل التجاري بين الجانب الإيراني والنظام خارج خطوط الائتمان لا يشكل أرقاماً كبيرة”، شارحاً أن “البضائع الإيرانية لا تجد رواجاً في سورية بسبب قلة الجودة، فضلاً عن أن دخول البضائع السورية إلى إيران تواجهها عقبات كثيرة”.
محمد سالم: هناك حديث عن أن النظام سيمنح الجانب الإيراني 5 آلاف هكتار تضم المزارات الشيعية في سورية
أما عن طريقة تمويل الحرس الثوري الإيراني للمليشيات التي ينشرها في سورية، فلفت الباحث إلى أنها تتم “عبر العديد من الموارد، لعل أبرزها تجارة العقارات والمخدرات، وتهريب البضائع إلى العراق عبر معابر غير رسمية، إضافة إلى المحروقات التي يستخرجها من الآبار والحقول التي يسيطر عليها في سورية”. ويمكن القول بحسب رأيه إن “هناك اقتصاداً إيرانياً في سورية موازياً لاقتصاد النظام وحكومته، ولدى الإيرانيين شركات تحويل واستلام أموال كثيرة في سورية”.
ومنذ انطلاق الثورة السورية في ربيع عام 2011 أعلنت إيران دعمها الكامل للنظام السوري لوأد هذه الثورة، فقدمت له دعماً عسكرياً واقتصادياً وأمنياً واسعاً، وهو ما مكّن نظام الأسد من الاستمرار في السلطة، حتى أواخر عام 2015 مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب النظام.
كذلك ساعدت إيران النظام من خلال عشرات المليشيات الطائفية في استعادة أجزاء واسعة من الجغرافيا السورية على مدى سنوات، وهو ما فتح الباب أمام الإيرانيين لترسيخ حضور عسكري وأمني في مناطق سيطرة هذا النظام.
وتنتشر اليوم عشرات المليشيات الطائفية الإيرانية في العديد من المحافظات السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، وخصوصاً في العاصمة دمشق، وفي حلب، كبرى مدن الشمال، وفي دير الزور، كبرى محافظات الشرق السوري، والتي تحولت إلى منطقة نفوذ إيراني بشكل كامل وخصوصاً في ريفها الشرقي الذي يمتد على طول أكثر من 100 كيلومتر وصولاً إلى الحدود السورية العراقية.
وجرّ الحضور الإيراني في سورية على النظام عزلة عربية منذ عام 2012 فضلاً عن القصف الإسرائيلي المتكرر لمواقع وأهداف عسكرية إيرانية وخصوصاً في محيط العاصمة وفي ريف حماة (وسط) وفي مدينة حلب. ويُعتقد أن الجانب الإيراني يتحكم بالعديد من مفاصل القرار العسكري والأمني في النظام السوري الذي لا يبدو أنه في صدد الحدّ من علاقاته مع طهران أو تحجيم دورها في مناطقه.
وتعليقاً على زيارة الرئيس الإيراني إلى سورية، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الزيارة “توجه العديد من الرسائل”، مضيفاً أن “لطهران نفوذاً وتأثيراً وهيمنة كبيرة على النظام السوري والمناطق التي تقع تحت سيطرته لدرجة أن الحديث عن أن الانفتاح العربي على النظام هدفه الحد من النفوذ الإيراني بات مثيراً للسخرية” بحسب تعبيره.
وأعرب سالم عن اعتقاده بأن أحد أهداف زيارة رئيسي إلى دمشق “الاحتفاء بالانتصار الإيراني في المواجهة طويلة الأمد التي جرت في سورية”، مضيفاً أن “إيران فرضت نفسها في سورية وفرضت نظام الأسد على العرب”.
وأشار إلى أن أهدافاً أخرى وراء هذه الزيارة “تضاف إلى البعد الإعلامي الاستعراضي”، وهي أن “طهران تريد المزيد من الامتيازات الاقتصادية من نظام الأسد مقابل الدعم العسكري والأمني الذي قدمته للنظام كي يصمد في مواجهة الثورة التي خرجت ضده منذ عام 2011”.
وتابع: هناك حديث عن أن النظام سيمنح الجانب الإيراني 5 آلاف هكتار تضم المزارات الشيعية في سورية والتي شهدت توسعاً منذ عام 2011″.
وبرأي سالم فإن الجانب الإيراني “يركز بالاهتمام على العاصمة دمشق وعلى حلب كبرى مدن الشمال السوري بوصفهما مركز الثقل الاجتماعي والاقتصادي، كما يركز على الخط الذي يبدأ من مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية باتجاه دير الزور وحمص ودمشق”. وختم بأنه يمكن القول إن رأس النظام بشار الأسد باع البلاد للإيرانيين والروس ليضمن بقاءه في السلطة، بحسب قوله.
صحيفة العربي الجديد