يبدو أن اتجاه رياح الأخبار المتعلقة بالنزاع العسكري الكبير الجاري في أوكرانيا لا تجري بما تشتهيه سفن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يمكن بناء هذه الصورة من مجموعة من الأخبار المتعاضدة التي صدرت في الوقت نفسه، من قبيل إعلان روسيا، أمس الأحد، عن مقتل اثنين من قادتها، بالتزامن مع ما ذكرته صحيفة «كومرسانت» الروسية الخاصة التي تحدثت عن سقوط مقاتلتين ومروحيتين كانتا متجهتين لقصف أهداف في أوكرانيا، ومن قبيل كشف وزارة الدفاع البريطانية، أمس، أن القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا، أصبحت «ضعيفة التدريب وذات معدات قديمة» والذي جاء ما يؤكده في تصريح عسكري أمريكي عن أن «التآكل» الذي تعرضت له القوات البرية الروسية أوصلتها إلى «مشاكل كبيرة».
يمكن اعتبار التصريحات الأمريكية والبريطانية نوعا من الدعاية الحربية لولا أن دعما غير متوقع جاء لها من قبل أحد أكبر رجال بوتين، وهو يفغيني بريغوجين، الزعيم الفعلي والممول لما يسمى «شركة فاغنر» التي تعتبر جيشا روسيا رديفا، يجمع مرتزقة عسكريين من جنسيات عديدة، ويؤدي مهام عسكرية كبرى، لا في أوكرانيا فحسب، بل في مواقع ملتهبة في ثلاث قارات، ويمتد نشاطهم من سوريا إلى ليبيا والسودان وعدة بلدان في وسط أفريقيا، إضافة إلى أوكرانيا.
تكررت انتقادات بريغوجين لوزير الدفاع الروسي وقادة الجيش الروسي، متهما إياهم بالخيانة وبعدم مدّ جنوده بالأسلحة والذخائر، كما انتقد سياسيين روسا، وأجانب، بينهم الرئيس الصربي، غير أن نبرة تصريحاته الأخيرة بدأت بالتصاعد، فقد ظهر كما لو كان في مشهد من فيلم «القيامة الآن» محاطا بجثث العشرات من جنوده في مدينة باخموت، مهددا بسحب مقاتليه، ثم صرّح أن لواء من الجيش الروسي فر من المعارك، وأتبع ذلك بانتقادات لاذعة لمن وصفه بـ»الجد السعيد» الأحمق الذي يقود روسيا إلى كارثة، وهو ما كان واضحا أنه نقد قاس شديد، لأول مرة، للرئيس الروسي نفسه.
أشارت صحيفة «انسايدر» إلى جانب آخر معبّر عن تراجع شعبية بوتين ضمن منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي التحالف العسكريّ الذي يمكن اعتباره النظير المواجه لحلف «الناتو» والذي يضم دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، وهي أرمينيا، وكازاخستان، وبيلاروسيا، وقرغيزستان، وطاجيكستان.
أدى الاجتياح الروسي لأوكرانيا إلى تصدّع واضح في هذه المنظمة عبر عنه قيام قادة بعض تلك الدول بإبداء ازدرائهم لبوتين، أو الامتناع عن دعم حربه في أوكرانيا، فيما قام البعض الآخر بالتوجه نحو الغرب، فرئيس طاجيكستان، رغم صغر بلاده، طالب بوتين في تشرين أول/أكتوبر الماضي بمزيد من الاحترام لبلاده، فيما بدأت كازاخستان بالتقارب مع الغرب، بالتناظر مع رفض طلب موسكو بإرسال وحدات عسكرية عند بدء الهجوم، فيما قام رئيس وزراء أرمينيا بانتقاد فاعلية منظمة التعاون الأمني أمام بوتين نفسه، كما أنه رفض المشاركة في صورة جماعية مع بوتين وقادة المنظمة في تشرين ثاني/نوفمبر الماضي.
في المقابل فقد تجاوز حلف «الأطلسي» الاختلافات التي نشأت بين بلدانه على خلفية التدخّل الروسي، وتصاعدت أشكال الدعم العسكري والأمني والاقتصادي لأوكرانيا، وفي مقابل العزلة التي تواجه بوتين، إلى حد أن جنوب أفريقيا، والتي تعتبر أكثر ميلا للموقف الروسيّ، طالبت زعيم الكرملين بعدم زيارتها خوفا من مطالبة الغرب لحكومتها باعتقاله، فإن الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، ما فتئ يستقبل قادة أجانب في عاصمة بلاده كييف، وبينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، كما أنه يقوم حاليا بجولة أوروبية، تبدو تكملة دبلوماسية للهجوم الأوكراني المتوقع شنّه قريبا.
الرئيس الأوكراني، تحدّث خلال زيارته أمس إلى ألمانيا، عن إمكانية الانتصار على روسيا هذا العام، كما تحدث قبلها عن وصول عتاد عسكري كاف لبلاده، وما يجمع بين هذه الوقائع أنها كلّها أنباء سيئة، ومن كافة الاتجاهات، لقيصر روسيا.
القدس العربي